نوال سيد عبدالله
فى ظل التوجه العالمى نحو المدن المستدامة والتحضر الذكي، شهدت القاهرة مؤخرًا حدثًا كبيرًا باستضافتها للنسخة الثانية عشرة من المنتدى الحضرى العالمي، الذى يعد أحد أبرز المبادرات الدولية، التى أطلقها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، ويأتى هذا المنتدى كجزء من جهود متواصلة لتحقيق التنمية الحضرية المستدامة، حيث شارك فيه الآلاف من الخبراء والمختصين من جميع أنحاء العالم لمناقشة التحديات والفرص المتعلقة بالتحضر والبيئة الحضرية، وعلى هامش المنتدى كان الحوار مع «إلينا بانوفا»، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة فى مصر، حيث تعمل الأمم المتحدة جنبا الى جنب مع الحكومة المصرية لدعم مبادرات التحضر المستدام، وذلك من خلال برامج وخطط طويلة الأجل، هذا فضلاً عن تحقيق نظام حضرى متوازن، يربط بين المناطق الريفية والحضرية، ويعزز من فرص التنمية الشاملة.. وإلى نص الحوار:
اقرأ أيضًا | «الإخوان».. تاريخ من الكذب| الجماعة تحترف التدليس.. وتتجمل بتشويه الحقائق
ما دلالات استضافة المنتدى الحضرى العالمى بالقاهرة واتفاقه مع أهداف التنمية الحضرية لمصر وأجندة الأمم المتحدة الأوسع للمدن المستدامة؟
هذه النسخة الثانية عشرة من المنتدى الحضرى العالمي، وهى المرة الأولى التى يُستضاف فيها فى مدينة كبرى مثل القاهرة. المنتدى ركز بشكل رئيسى على المدن المستدامة والتحضر المستدام.
وبالنسبة لنا فى الأمم المتحدة فى مصر، فإن إحدى أولوياتنا تتعلق بإنشاء نظام متوازن للمدن، وتعزيز الروابط بين المناطق الريفية والحضرية، بالإضافة إلى التحضر المستدام. وبموجب إطار الشراكة الذى وقّعناه مع حكومة مصر لمدة خمس سنوات، وهناك مجال محدد يركز على التعاون بين الأمم المتحدة والحكومة فى موضوع التحضر المستدام.
وهذا يعد جزءا من إطار التعاون، ولدى الحكومة المصرية سياسة حضرية وطنية اعتمدتها قبل عام ونصف العام، وهى الإطار الوطنى للتنمية الحضرية المستدامة.
وتم فى المنتدى إطلاق السياسة الوطنية اللامركزية، حيث إن التحضر والترابط بين المناطق الريفية والحضرية مع اللامركزية، جميعها متكاملة معًا.
كيف عالج المنتدى التحديات الكبيرة، التى تواجهها المدن فى دول الجنوب العالمي، خاصة فى مصر؟
المنتدى عالج العديد من القضايا، وأهمها استدامة التحضرحيث تتعلق إحدى القضايا الكبرى فى العديد من البلدان بالتركيز على مدينتين أو أكثر فقط.. وعلى سبيل المثال، فى مصر، تتركز التنمية فى القاهرة والإسكندرية، وهما المدينتان الرئيسيتان اللتان تستقبلان معظم الهجرة الداخلية، نحو 70% من الهجرة الداخلية هى من المناطق الريفية والمدن الصغيرة إلى القاهرة والإسكندرية، وفقًا للبيانات المنشورة فى 2022، نجد أن القاهرة تسهم بنسبة 45% فى الناتج المحلى الإجمالي؛ بينما تسهم الإسكندرية بـ 12% إضافية. أما باقى المدن، فإنها تعانى نقصًا فى التنمية المستدامة؛ لذا كيف يمكننا معالجة الفوارق بين القاهرة والإسكندرية وضمان وجود نظام متوازن للمدن بحيث يتمكن المواطنون من الاستمتاع بالإقامة فى المدن الصغيرة أيضًا؟ بالتالى لتحقيق ذلك، نحتاج إلى تعزيز القدرات الإنتاجية وفرص العمل، وهذا يجب أن يكون جزءًا من نظام متكامل.
المنتدى الحضرى العالمى الـ 12 هل ساهم في زيادة التعاون الدولى فى قضايا مثل الفقر الحضري، والإسكان، والتكيف مع تغير المناخ؟
المنتدى منصة للتبادل المعرفى والخبرات، وشارك فيه أكثر من 37.000 مشارك مسجل، جميعهم شغوفون بتنظيم الحدث ويشاركون خبراتهم من خلال هذه المنصة، كما يتم تبادل الأفكار حول السياسات والبرامج والشراكات والتمويلات التى يمكننا تكييفها مع السياق المحلي.
ما الدور الذى تتصوره الأمم المتحدة فى مصر للمجتمعات المحلية وأصحاب المصلحة فى تشكيل الحلول الحضرية؟
نحن نهدف إلى العمل على نظام المدن المتوازنة الذى تحدثت عنه، ونحن نعمل معا على إقامة برنامج مشترك بين برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى، بهدف جعل المدن الصغيرة أكثر تنافسية لجذب السكان والحفاظ عليهم.
ما رؤيتك لبرنامج «حياة كريمة» فى مصر؟
برنامج «حياة كريمة» مبادرة ناجحة جدًا، وهو مشروع ضخم تقوم به الحكومة ونقدره كثيرًا لأنه يعالج القضايا على المستوى الريفى. لكن لضمان استدامته، يجب ربط «حياة كريمة» بمراكز المدن الكبرى، بحيث إذا أنتج الناس شيئًا ما، يجدون سوقًا لهذا المنتج، ويكونون جزءا من سلسلة القيمة المتكاملة؛ لأنه إذا تم الاستثمار فقط فى «حياة كريمة» دون ربطها بالمدن، سيستمتع الناس فى البداية لكن الأمور لن تستمر، وسيعودون فى النهاية إلى القاهرة والإسكندرية.
لذلك من المهم أن نستثمر ليس فقط فى المناطق الريفية أو فى القاهرة، ولكن فى تلك الشريحة المتوسطة من المدن. يجب أن نجعل هذه المدن أكثر جذبًا وتنافسية، لتكون جزءًا من نظام متكامل مع المناطق الريفية فى «حياة كريمة».
هل هناك تعاون مع برنامج «حياة كريمة»؟
بالطبع، نحن فى الأمم المتحدة نقدم دعمًا كبيرًا؛ العديد من وكالات الأمم المتحدة تعمل فى نفس القرى، ونحن نكمل الجهود، خاصة فى المكونات الناعمة، التى تتعلق بالأساس بخلق فرص العمل، ورياض الأطفال، وبناء القدرات، والرعاية الصحية؛ لكن التركيز الأساسى لدينا ينصبّ على المكون الناعم، على توفير القدرات، والتدريب، وتزويد المراكز بالمحتوى لضمان استمراريتها فى المناطق الريفية.
أنتم تتحدثون عما يمكن أن نسمّيه «البنية التحتية البشرية»، وليس فقط البنية التحتية الحضرية .هذا صحيح، لكن نحتاج إلى مكون ناعم، بمعنى الاستثمار فى الناس لتمكينهم من الاستفادة الفعلية من البنية التحتية المادية.
يهتم المجتمع العالمى بشكل متزايد بالمدن الذكية.. كيف يتماشى مفهوم التحضر الذكى مع المجتمع المصري؟
يتضمن برنامج «حياة كريمة» مكونًا خاصًا يتعلق بزيادة الوصول إلى الإنترنت، هناك دراسة أجريت لتقييم المجتمعات التى تفتقر إلى الوصول إلى الإنترنت مقارنةً بتلك التى تمتلكه -لست متأكدة مما إذا كان قد تم نشر النتائج- ولكن أعرف بالتأكيد أن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تجرى تقييما.
بالطبع، النتيجة واضحة: مَن لديهم اتصال بالإنترنت، هم أكثر ارتباطًا بسوق العمل وسلسلة القيمة. الفلاحون يعلمون ذلك. أعتقد أن «حياة كريمة» تشمل مكونًا خاصًا بالتحول الرقمى فى المناطق الريفية. نحن فى الأمم المتحدة ندعم هذا التحول بقوة، لأنه أحد المسرعات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. لتحقيق هذه الأهداف، يجب أن نضمن أن السكان فى مصر يمتلكون مهارات رقمية تمكنهم من الاستفادة من الفرص الجديدة التى ستظهر.