حسام بركات
كان موقف شيخ الأزهر الشريف قدوة ومثلًا أعلى لكثير من الناس حيث تلقى العزاء فى شقيقته بمضيفة ملحقة بمنزله بقريته؛ فى حين يبالغ كثير من الناس بإقامة سرادقات البهرجة الكاذبة؛ حيث يتم تصوير الجنازة بالفيديو مع الكثير من وسائل الترفيه والتفاخر؛ وكل هذا بمصروفات وتكاليف مالية كبيرة جدا؛ وهو الأمر الذى يُخالف تعاليم الإسلام التى تدعو إلى البساطة وعدم التكلف فيما لا طائل منه.. ولهذا يجب أن نوضح موقف الشرع من انتشار هذه المظاهر الخادعة:
يؤكد د. محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام بمجمع البحوث الإسلامية أن الشريعة بأحكامها وآدابها تقف بين الإنسان وبين بعض العادات الدخيلة الغريبة عن الشرع، والتى يلتبس فيها الحق بالباطل، والتى تستجيب فيها النفس من حيث لا تشعر للهوى، ودليل ذلك أن أصحاب الجنائز يكونون حائرين مترددين بين عدة أمور، الأول: حرمة الموت وهيبته، والثاني: قدر المتوفى ومكانته، والثالث: نظرة الناس وكلامهم.
اقرأ أيضًا | الستر واجب شرعى وأخلاقى : العلماء: إفشاء الأسرار تخالف مقصد الدين فى حفظ العرض
فأما حرمة الموت فإنها توجب السكينة وتذكر الآخرة، والاستعداد ليوم الرحيل، وكل ميت ينادى على الأحياء بالعظة والاعتبار، والسرادقات والأضواء والتصوير ومكبرات الصوت وغير ذلك يتنافى تماما مع هذا التوقير وهذه السكينة المطلوبة مع الموت.
وأما قدر المتوفى ومنزلته عند أهله فلن تزيد إذا كان سرادق العزاء كبيرا، ولن تعلو إذا كان المقرئ مشهورا، ولن تقل مكانة المتوفى فى قلوب أهله إذا استقبل الأهل العزاء فى إطار المقبول دينيا ومجتمعيا. وأما نظرة الناس وكلامهم فلن يستفيد الميت منها شيئا.
ويشير الهوارى إلى أن الفطنة الحقيقية أن ندرك أن الميت قد أفضى إلى رب كريم، وأننا نحن الأحياء إذا كنا صادقين فى حبه فعلينا أن نقدم له ما ينفعه فى داره الجديدة، وفى ضوء هذا يمكن أن ينتفع المجتمع من هذه المصروفات الباهظة والتكاليف الكبيرة بصرفها فيما ينفع الفقراء والمحتاجين، فينتفع الأحياء والأموات؛ وأبواب الخير واسعة كثيرة، والميت أحوج إليها من الحرص على المناظر وأبواب الفخر والرياء أحيانا.
ويضيف أن موقف الإمام الأكبر رسالة لعموم الناس الذين أخرجوا الموت عن آدابه الشرعية، وها هو يستقبل الوزراء والكبراء ووفود الناس دون مبالغة ولا إسراف ولا تبذير.
ويوضح د. إبراهيم نجم، الأمين العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم أن الجنازات فى الإسلام تعد مناسبات للاعتبار ودعاء للميت، وقد أكد الإسلام ضرورة البساطة فى جميع جوانب الحياة، إذ حث على تقليل التكاليف فى مراسم الجنازة والعزاء، ويُستحب أن تكون الجنازة خالية من التفاخر والمبالغة فى النفقات، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى تعجيل الجنازة، مؤكدًا فى حديثه الشريف «أسرعوا بالجنازة، فإنها إن كانت صالحة فخيرٌ تقدمونه إليها، وإن كانت غير ذلك فشرٌ تضعونه عن رقابكم» (رواه البخاري)، مما يعكس أن الجنازة والعزاء يجب ألا تكون مناسبة للمظاهر بل لملاقاة الله بالدعاء والذكر، وطريقة لتقديم الدعم والمواساة للمتأثرين بفقدان أحبائهم.
ويوضح أن العلماء الأجلاء، مثل شيخ الأزهر، يتبعون نهجًا متواضعًا فى حياتهم الشخصية، حيث يستقبلون الوفود فى مضيفات بسيطة تعكس تواضعهم وتجنبهم المبالغة فى المظاهر، وهذه البساطة جزء من الفلسفة الإسلامية التى لا ترى فى المال أو الترف قيمة حقيقية، بل ترى أن قيمة الإنسان تتحدد بتقواه وأخلاقه، والنبى صلى الله عليه وسلم كان يعيش حياة بسيطة رغم كونه قائدًا ومؤسسًا لأمة عظيمة، مما يجعل هذا التوجه نموذجًا يحتذى به فى التواضع والزهد، لا سيما فى المناسبات التى تتطلب الاحترام والروحانية أكثر من المظاهر.
ويضيف أنه ينبغى تشجيع المجتمعات على تبنى قيم التيسير فى الجنازات ومن الضرورى أيضا أن تكون الشخصيات العامة، مثل العلماء والمسئولين، قدوة للمجتمع فى هذا الصدد، فإذا تبنى هؤلاء الأفراد مبدأ البساطة فى جنازاتهم وعزائهم، فإن ذلك سيترك أثرًا كبيرًا فى تغيير المفاهيم السائدة، قدوة هؤلاء الأفراد ستسهم فى نشر ثقافة التواضع والابتعاد عن المظاهر الاجتماعية فى الجنازات، مما يساعد فى تصحيح التصورات الخاطئة وتحقيق التغيير المنشود فى المجتمع.