قريبًا من السياسة

محمد الشماع يكتب: هدنة غزة.. فيتو أمريكي!

محمد الشماع
محمد الشماع


كان القرار الذى اتخذته مصر بعد يوم السابع من أكتوبر بلا تردد ينطلق من مبادئ إنسانية فى المقام الأول، كما ينطلق من التزام مصر التاريخى بأمتها العربية وبفلسطين التى يرتبط أمنها بالأمن القومي المصري. اتخذت مصر هذا القرار وهى تعلم بالنوايا الإسرائيلية والأحلام التى تريد من خلالها التخلص من الفلسطينيين ولو على حساب مصر ولأننا نعلم أن مصر تمتلك زمام الأمور وتستطيع أن تشارك فى إعادة الأمور إلى نصابها بعد أن يعبر الأشقاء محنتهم، وقد كشفت أزمة الحصار عن مستوى الوحشية التى لا تعرف الحدود.

الحصار - أى حصار-  هدفه فى الأساس الإزلال واجبار الخصم على التسليم بشروط العدو، وإن كان حصار المدنيين خارجا على القيم والأعراف والقوانين الدولية، إلا أن هذا الحصار الذى أحكمته إسرائيل على قطاع غزة ليس له إلا تفسير واحد هو محاولة الإبادة الجماعية ورفض كل قرارات الشرعية الدولية باستخدام الفيتو الأمريكى رغم كل ما حدث لوقف الحرب والتوصل إلى هدنة، لحماية ما تبقى من الشعب الفلسطينى من مصابين وجوعى ومرضى وبعد أن استشهد عشرات الآلاف معظمهم من الأطفال والنساء. ورأينا كيف مات المواليد الذين لم تتفتح عيونهم على الدنيا بعد.

أصبحت هذه السياسة عادة إسرائيلية، لا تحتاج إلى ذكاء كبير لتوقعها عند كل حديث عن جهود السلام أو ترتيبات نهائية للحل، وها هى تكرر ما فعلته فى غزة ترتكب نفس الجرائم فى لبنان، فهذه الأزمات وهذا الإجرام فى التعامل مع المدنيين أصبح مخرجها الدائم من كل ورطة سلام، وأصبحت هذه طريقتها لإحراج وسطاء السلام وإحباط مساعيهم للعمل، لأن الدولة التى نشأت على اغتصاب الأرض وعلى بنادق ومدافع عصابات الاستيطان لم تعرف كيف تعيش فى سلام.. واستمرت فى انتهاج أسلوب العصابات حتى اليوم.. هذا هو الأسلوب الوحيد الذى يحمى مجتمعها المليء بالتناقضات بين اليهود الغربيين والشرقيين وبين المتشددين والعلمانيين، وما يمكن أن ينفجر من مشكلات بسبب هذه التناقضات، وتندفع بكل قواها فى الحرب للتغطية على هذه الخلافات التى يمكن أن تنفجر فى حالة السلام وتصبح أكثر من الخلافات بين حماس وفتح على الجانب الفلسطيني.

أمام كل هذا التربص من قوة احتلال تصارع على التاريخ وعلى الجغرافيا بنفس القدر وتواصل ادعاءاتها بعبث قادة فلسطين بقضية شعبهم ويفتعلون العداء مع بعضهم البعض ويضعون الشروط للتفاوض بينهم ولا يضعونها عند التفاوض مع الإسرائيليين.

ألم تكن مصر على صواب عندما نادت بحتمية التوافق أو التوافق الحتمى بين السلطة وحماس.. ألم تكن القاهرة على حق بأن تمزيق نسيج الشعب الفلسطينى يؤدى إلى ضياع القضية الفلسطينية بالكامل!!