تبقى الحقيقة التى يدعمها الواقع وتؤيدها الوقائع؛ وهى: أن بعض الرجال من المريخ، وليس كل النساء من الزهرة!
تبدو الأرقام مفزعة، وهى أشد ختلا واستنفارًا لكوامن العقل الراجح: بغضًا لهذا التخفف فى الميثاق الغليظ، وبحثا عن الأسباب المؤدية إلى انتشار تلك الظاهرة فى مجتمع تحكمه: روابط عائلية، وأخلاق دينية، وعادات اجتماعية، ومواريث حضارية تعلمت منها الدنيا ورتعنا نحن؛ وكلها تحول دون إهانة الحياة الزوجية أو التقليل من أهميتها فى أعين الزوجين خاصة والمجتمع عامة.
وجع قلب حقيقى حين أقرأ أو أستمع إلى بعض حالات الطلاق؛ ليس من الانفصال نفسه، فإن له ضوابطه الحاكمة من الشرع والقانون: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»؛ ولكن بما يُصاحب ذلك من صلف أرعن، وغرور بائس، ومُحاولات للإذلال والانتقام والخنق، ومباريات خاسرة فى المحاكم المتخمة بآلاف القضايا العائلية التى قد يُسهم فى حلها قلب طاهر أو عقل راشد لحَكم من أهله وحَكم من أهلها: «إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما»، فإن انتفت الإرادة وغاب الحَكمان فلا صُلح ولا توفيق؛ وقد كنتُ أرى أبي، يرحمه الله، يُصلح بين الأزواج برحمة تأنس إليها المرأة، وعدالة يخشاها الزوج؛ لأن الرحمة حق يُسفر عن قوته فى وجه الباطل الضعيف.
يصف البعض المرأة بأنها كائن شرس، ربما؛ لكنه ضعيف؛ وكلما اشتدت شراسته وجبروته اشتد ضعفه الهزيل وهزاله الضعيف؛ ومكمن قوته الحقيقية فى انكساره اللذيذ.. ويبقى جمال المرأة فى حيائها ورزانتها الوادعة وقلبها المترع بالمحبة الصادقة لأشكال الحياة ووجوه الضياء فيها؛ ثم «رجولتها» فى مواقف لا يقف فيها إلا أشداء الرجال؛ فإذا ما نابت عن الرجل فى حمل الأعباء، أو ساندته فيها، فهى الغاية التى لا تُدركها الكثير من غايات الرجال.. أو من يدّعون أنهم كذلك!
صحيح أن هناك نماذج خارجة عن المألوف؛ ولكنها تبقى نماذج غير حاكمة للنمط النسائى المصرى السائد، ولا تمثل دليلًا عليه؛ فالأصل أنهن قوارير يسهل كسرهن ويصعب جبرهن؛ لأن الزمام بيد الرجل، فهو الأقدر، خِلقة وأخلاقا، على كبح نفسه وتقويم بيته؛ ثم لا تثريب عليه بعد ذلك أن يُسرّح زوجته بإحسان إن خالفت الأصول الدينية والأعراف الأسرية؛ هذا هو الخُلق القويم الذى ترضاه وتحث عليه القوانين الإنسانية الحاكمة فى كل الدول المتقدمة؛ بعيدًا عن الإغراب فى العناد والمُكايدة، التى وإن كانت تليق بلين المرأة الذى يلجئها إلى الحيلة دفاعًا عن نفسها، فإنها لا تليق بقوة الرجل الذى تربى على أصولٍ لاجمةٍ لكل انفلاتٍ يُزرى به فى مهاوى الصغار؛ كما أن الأبناء يكونون أول من يصطلى بنار هذا الهجران الشائن: حياة بائسة وخيالات مرضية تؤثر عليهم طوال حياتهم فتتكرر المأساة ويزداد الفتق اتساعًا دونما راتقٍ من عقل أو ضمير.
فى الأحياء الشعبية، وفى القرى والنجوع، قد تقل الأزمات الزوجية بعض الشيء؛ لوجود اللواجم من الكبار، ليس بالنصح والإرشاد فقط، بقدر إظهار أخطاء كل فريق وكبحه عن مواصلة غيّه؛ وإلزام الطرف المخطئ بحقوق وواجبات يؤديها عقابًا له؛ وقد يتنازل عنها الطرف الآخر لإبداء حُسن النية، أو يتمسك بها، فلا شيء عليه فى الحالين.
حتى فى عالم الحيوان يكون الذكر فى خدمة الأنثى، يُقاتل من يُهارفها، ويبذل حياته من أجل حمايتها، ويخوض المهالك لإطعامها وأبنائها؛ حتى إذا زهدها فإنه قد يتركها لغيره دونما ضغينة أو مناوشة، ولكنه لا يترك أبناءه نهبًا لأنياب العتاة وبنادق الغزاة.. أما فى عالمنا الحديث فإن مرتبة الحيوان قد تصبح فى كثير من الحالات غاية لا تُدركها إنسانيتنا الهشة، المنتكسة بالظلم الفادح والتجنى المؤلم؛ فأصبح من الطبيعى أن يركل الرجل زوجته وأبناءه إلى قارعة الطريق، أو يُجاهد ليمنع حقوق طليقته، أو يشكك فى نسب أبنائه، وربما يتركهم لغيره ليُربيهم؛ أو تكلف الزوجة زوجها فوق طاقته، أو تتركه إلى من هو أيسر منه مالا وأكثر جمالا، أو تخدعه فى نفسه وماله، ثم تزج به إلى غيابات السجن كيدًا وانتقامًا للتفرغ لغيره!
ورغم كل هذه التشابكات الآسنة تبقى الحقيقة التى يدعمها الواقع وتؤيدها الوقائع؛ وهى: أن بعض الرجال من المريخ، وليس كل النساء من الزهرة!