بروفايل| فريدريش ميزر.. «العائد العنيد» في سباق المستشارية الألمانية

فريدريش ميزر
فريدريش ميزر


بعد غياب دام عقدا من الزمن، عاد فريدريش ميرز إلى الساحة السياسية الألمانية، مثيرًا جدلا واسعًا بين أنصاره وخصومه.

«العائد العنيد».. هكذا وصفه البعض الذين رأو أنه نجح في إعادة تشكيل صورته كقائد محنك قادر على إحياء إرث حزبه المحافظ، حيث إنه لطالما اشتهر برؤيته الواضحة ومواقفه الجريئة، وكان لاعبًا أساسيًا في المشهد السياسي قبل انسحابه عام 2009، تاركا الساحة للمستشارة أنجيلا ميركل، وفقا لصحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية.

إلا أن عودته في 2018 كانت بمثابة إعلان عن طموح جديد يتجاوز مجرد قيادة حزبه؛ طموحٌ.. يسعى به إلى وضع ألمانيا في «مسار جديد» يواكب تحديات العصر..

واليوم، مع اقتراب الانتخابات المقبلة، تبدو فرص فريدريش ميرز في تولي منصب المستشارية أقرب من أي وقت مضى.. مدعومًا برؤية مُتجددة تسعى لجعل ألمانيا أكثر قوة وتأثيرًا على الساحة الدولية.

 

◄ عودة ميرز| من «الهامش إلى الصدارة»

 

بعد أن أبعدته أنجيلا ميركل عن الساحة السياسية في عام 2002، بدا وكأن فريدريش ميرز قد طوى صفحة السياسة «نهائيًا»، عندما غادر البوندستاج أو كما يسمى "مجلس النواب الألماني الاتحادي" في عام 2009 ليخوض تجربة مهنية ناجحة في قطاع الأعمال.

لكن ها هو اليوم يعود بقوة، يقود حزبه الاتحاد الديمقراطي المسيحي نحو صدارة المشهد السياسي الألماني، متأهبًا لاستعادة المستشارية في الانتخابات المبكرة المقررة في 23 فبراير 2025.


◄ ميرز.. «رجل الأزمات الكبرى»

 

يصف الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، كارستن لينمان، ميرز بأنه الرجل المناسب لهذه المرحلة الحرجة مع تصاعد التوترات العالمية وعودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه بانتخابات أمريكا 2024، ومن الممكن أن تتجه ألمانيا لمواجهة تحديات غير مسبوقة خلال الفترة المقبلة، وفقًا لتعبيره.

وقال لينمان: «إننا نحتاج إلى براجماتية وواقعية سياسية بعيدًا عن التوجيه الأخلاقي أو الاتهامات، ميرز بصراحته ووضوحه هو تمامًا ما تحتاجه ألمانيا اليوم».


◄ فوضى سياسية تمهد الطريق للانتخابات المبكرة

 

ألمانيا الآن في خضم اضطرابات سياسية عميقة، إذ أدى انهيار ائتلاف المستشار الألماني، أولاف شولتز إلى تصويت وشيك على الثقة في البرلمان يوم 16 ديسمبر، ومن المرجح أن يخسر شولتز هذا التصويت، مما يعجل بإجراء انتخابات وطنية في فبراير، قبل الموعد المحدد بسبعة أشهر.


◄ «طلقة البداية».. اشتباك سياسي بين ميرز وشولتز

 

هذا الأسبوع، أطلق فريدريش ميرز، وأولاف شولتز عمليًا شرارة الحملة الانتخابية بتبادل الانتقادات اللاذعة في البوندستاج الألماني، حيث هاجم ميرز شولتز بقوة، معتبرًا أن سقوط حكومته جلب شعورًا عامًا بالارتياح في البلاد. 

ولم يفوت ميرز فرصة التلميح إلى ضعف شولتز أمام عودة دونالد ترامب المتوقعة إلى البيت الأبيض بعد تنصيبه في العشرين من يناير المقبل، قائلا، وسط تصفيق حار من نواب حزبه: «سيعاملك ترامب كأنك خفيف الوزن».


◄ موهبة خطابية تُثير الجدل

 

لطالما حظي فريدريش ميرز بإعجاب كبير من أعضاء حزبه لمهارته الفائقة في الخطابة، ويصفه كارستن لينمان قائلا: «إذا كانت أرضية ملعب ويمبلدون غرفة معيشة بوريس بيكر، فإن البوندستاج هو غرفة معيشة ميرز».

 

اقرأ أيضا| شولتس يؤكد معارضته بشكل قاطع لامتلاك ألمانيا أسلحة نووية

 

ومع ذلك، فإن أسلوبه الحاد والهجومي جعل منه شخصية مثيرة للجدل في كثير من الأحيان، فقد اُتهم أحيانًا بمحاكاة خطاب حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، لا سيما عندما أثار جدلا بتصريحاته عن «سياحة الرفاهية» للاجئين الأوكرانيين عام 2022، ووصفه أبناء المهاجرين بـ«الباشاوات الصغار»، كما انتقد ما اعتبره إسرافًا في تقديم خدمات لطالبي اللجوء على حساب المواطنين الألمان، مما أغضب قطاعات واسعة من الرأي العام.


◄ ميرز.. صريح أم متهور؟

 

يرى منتقدو ميرز، مثل أنطون هوفريتر من حزب الخضر البريطاني، أن خطابه الحاد لا يتناسب مع صورة المستشار المرتقبة، وقال هوفريتر: «إنني لا أعتقد أن الناس يريدون مستشارًا يتحدث بهذه الطريقة»، ومع ذلك، يصر ميرز على أنه يفضل الوضوح، ويبرر تصريحاته بقوله: «علينا أحيانًا أن نتحدث بصراحة، والمشكلة أن الناس لم يعودوا معتادين على ذلك».

لكن هذه الصراحة الجريئة كثيرًا ما تنقلب ضده، مما أدى إلى تراجع شعبيته الشخصية مقارنة بحزبه، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن 20% فقط من الناخبين يرون أنه مناسب لمنصب المستشار، بحسب الصحيفة البريطانية ذاتها.


◄ معركة القيادة.. شعبية حزب ميرز «تتفوق عليه»

 

رغم تراجع شعبيته الشخصية، يتصدر حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بقيادة ميرز استطلاعات الرأي استعدادًا للانتخابات المبكرة، ومع ذلك، يظل بعض المحللين والسياسيين، مثل يوهانس فيشنر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مقتنعين بأن الناخبين قد يفضلون المستشار الحالي أولاف شولتز بفضل هدوئه وخبرته الحكومية.

وفي ذات السياق، يقول فيشنر: «ميرز لا يمتلك خطة واضحة، خصوصًا في قضايا حساسة كالهجرة، وكل ما لديه مجرد شعارات وتصريحات صاخبة».


◄ من هو ميرز؟| رحلته من القانون إلى عالم السياسة والأعمال 

 

وُلد فريدريش ميرز عام 1955 في بلدة بريلون الصغيرة غرب ألمانيا، ودرس القانون قبل أن يدخل عالم السياسة وينتخب لعضوية البوندستاج الألماني لأول مرة في 1994، لكن مسيرته أخذت منحى مختلفًا بعد خروجه من السياسة في 2009، حيث عمل كمحامٍ للشركات في شركة "ماير براون" وترأس مجلس الإشراف على شركة "بلاك روك ألمانيا" بين 2016 و2020. 

وخلال هذه الفترة، نجح ميرز في تحقيق ثروة كبيرة، ليصبح مليونيرًا، وهو ما أضاف عنصرًا آخر مثيرًا في شخصيته المتعددة الأوجه.

وفي ظل ماضيه المهني المثير وخطابه السياسي الجريء، يقف ميرز اليوم في مواجهة تحديات كبيرة عند مفترق طرق حاسم، بين طموحاته الشخصية وتوقعات الشعب الألماني في مرحلة مليئة بالتحديات، فبينما يحظى حزبه بدعم قوي، يظل السؤال الأبرز، هل يستطيع فريدريش ميرز تجاوز الانتقادات لشخصيته وخطابه ليقنع الناخبين بأنه القائد الذي تحتاجه ألمانيا في هذه المرحلة الحرجة؟