هل تحاكم الدول جنائيًا لمساعدتها على جرائم الإبادة؟

مصر تطالب مع 52 دولة بحظر تصدير السلاح لإسرائيل

صورة موضوعية
صورة موضوعية


يشكل تصدير الأسلحة إلى إسرائيل مسئولية جنائية على الدول الحليفة التى تساهم فى دعمها العسكرى، فالدول المصدرة عليها العمل بجدية لتقليل تأثير صادرات الأسلحة على المدنيين الأبرياء في مناطق النزاع بموجب معاهدات جنيف، حيث يتعين على 196 دولة الامتناع عن نقل أى أسلحة أو ذخيرة أو قطع غيار إذا كان من المتوقع أنها ستستخدم لانتهاك القانون الدولى، فهل سيكون مسئولو الدول المشاركون فى صادرات الأسلحة  لإسرائيل مسئولين جنائيا بشكل فردى عن المساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو أعمال إبادة جماعية؟! وهل تتمكن الدول بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية من التحقيق في مثل هذه الجرائم ومقاضاة مرتكبيها؟!

◄ تل أبيب نفذت جرائمها بمساعدة الدول التي تنقل لها الأسلحة

◄ القانون الدولي الإنساني يحظر نقل الأسلحة لطرف في نزاع مسلح

◄ نحتاج لمساءلة الدول المصدرة للسلاح عن دورها في النزاعات

فشلت مرارا محاولات امتثال إسرائيل للقانون الدولي، منذ الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية فى 26 يناير الماضى،  بشأن وجود خطر إبادة جماعية فى غزة مما حتم على الدول الأطراف الحاجة لفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وفقا لاتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، فى ظل الظروف الراهنة إذا كانت الدول الأطراف فى معاهدة تجارة الأسلحة تعلم أنها ستستخدم لارتكاب جرائم دولية أو إذا وجدت خطراً كبير اً بأن تلك الأسلحة قد تستخدم لارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولى الإنسانى.

◄ الازدواجية

وفى ظل اتباع الدول الأوروبية، منطق الازدواجية فى توظيف مبادئ القانون الدولى الإنسانى فى تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، سواء لأغراض دفاعية عن نفسها أو الحد منها جزئيا أو كليا لاختراقها القانون الدولى مع إعلان استمرار دعمها لإسرائيل، بزعم حقها فى الحرب، لا تزال الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا، هى منجم إسرائيل للأسلحة، التى تعتمد عليها اعتمادا مطلقا منذ اليوم الأول  من نشوب الحرب  التى قصفت فيها تل أبيب المدنيين فى غزة، على مدار مواجهات طويلة الأمد امتدت لدول أخرى فى المنطقة العربية.

بريطانيا، ليست الدولة الوحيدة التى تتخذ قرارا بالحد من تصدير الأسلحة بل تعد أحدث دولة تغير موقفها بشأن مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، إذ سبقتها إيطاليا وإسبانيا وكندا وبلجيكا وهولندا، إلا أنها أعلنت عدم التوقف عن دعم حرب إسرائيل، ويشمل المصدرون الآخرون فرنسا وأستراليا.

الأمر يفرض تساؤلات عديدة حول صفقات توريد الأسلحة إلى إسرائيل، وحول مشروعية الأسلحة المستخدمة ولماذا لا تصنف على أنها أسلحة تستخدم فى حرب إبادة، وهل تخضع لأى نوع من الرقابة أم أن هناك ثغرات فى نظام التصدير؟! ومدى مسئولية الدول المصدرة لهذه الأسلحة؟!.. خصوصًا بعد انضمام مصر لـ52 دولة مطالبة بحظر تصدير السلاح لإسرائيل.

◄ اقرأ أيضًا | أستاذ قانون دولي: «لجوء الأجانب» متوافق مع كافة المواثيق

◄ مجلس الأمن

يجيب عن هذه الأسئلة، الدكتور إبراهيم الغزاوى، أُستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان، موضحًا أن هناك آليات تحتم على الدول الالتزام بقواعد القانون الدولى الملزمة، وفى حالة المخالفة هناك عقوبات تقرها منظمة الأمم المتحدة، اعتمدها المجتمع الدولى لحفظ السلم والأمن الدوليين لتنظيم العلاقات بين الدول، وقد حدد القانون الدولى من خلال ميثاق منظمة الأمم المُتحدة أن التعامل مع الأمور التى تهدد الأمن والسلم الدوليين، يكون من خلال مجلس الأمن، باعتباره الجهاز التنفيذى الوحيد القادر بمفرده على إنفاذ قراراته بالقوة الجبرية، وفقًا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

أضاف، أن العدوان الإسرائيلى هو بالقطع خرق واضح ومخالفة صريحة لقواعد القانون الدولى، والقانون الدولي الإنسانى، واتفاقيات جنيف، ولاهاى، والمفترض أن تحال القضية إلى مجلس الأمن وفقا للقانون الدولى لاتخاذ القرارات اللازمة؛ إلا إذا تم استخدام حق «الفيتو»، وهذا ما يحدث من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، كلما تعلق الأمر بإسرائيل، وهو الميل الجانح والجامح نحو دعم إسرائيل على كل الأوجه حتى فى هذه الهجمات البربرية على المدنيين الأبرياء، وهنا يأتى أمر تصدير السلاح فمازالت المسألة فى الإطار الأخلاقى بأن توقف الدول أو تقلص تراخيصها لتصدير السلاح إلى إسرائيل بوازع داخلى بحت وبشكل فردى أو تحت ضغوط شعبية لتهدئة الرأى العام المطالب بتوقف الدول التى تساعد إسرائيل عن تمويلها بالسلاح، لكن فى غيبة قرار دولى ملزم يمنع تصديره، فلم يصدر حتى الآن قرار من مجلس الأمن باعتبارها قضية تخل بالسلم والأمن الدوليين، على أساس أن إسرائيل لها سند قوى فى مجلس الأمن وهى الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعنى إجهاض كل جهود المحاولات الدولية للحل.

◄ هدم جدار الثقة

وقال، إن المناشدات الدولية وانضمام مصر لإيقاف تصدير السلاح إلى إسرائيل أمر يذكر المجتمع الدولى بواجباته لما ينطوى عليه من عوار فى جدار الثقة المبنى على تحقيق الالتزامات الواردة فى القانون الدولى، وإمكانية أن يتحرك الأمر وتدخل هذه المطالبات إلى مجلس الأمن فى شكل مشروع قرار، مشيرًا إلى أن الدول المصدرة للسلاح تواجه تهمة المشاركة والتحريض على ارتكاب جرائم إبادة جماعية، وفقا لقرارات محكمة العدل الدولية الصادرة بالإدانة التى لا يمكن أن يكون لها تأثير إلا إذا كانت مصحوبة بالقوة التنفيذية، فيجب أن تتحول أحكامها وقراراتها إلى مجلس الأمن، لتنظر فيها، ويكون إقرار هذه الأحكام من الأمور الموضوعية.

واختتم: «لقد أقر القانون الدولى الدفاع عن النفس بشروط أن يكون هناك تناسب فى الانتهاك الذى حدث ورد الفعل، لكن ما تفعله إسرائيل ليس دفاعا شرعيا عن النفس، فما تفعله وفقا لما قررته محكمة العدل الدولية هو إفراط فى استخدام العنف بارتكاب جرائم من جرائم الحرب وانتهاك لحياة المدنيين تتجاوز مسألة الدفاع عن النفس ولكن هجمات وحشية لا يمكن لأى دولة أن  تبررها على الإطلاق بل تحتاج إلى وقفة دولية».

◄ الأسلحة المستوردة

الدكتور أيمن رمضان الزينى، أستاذ القانون الدولى بجامعة السادات، رئيس الجمعية العربية للعلوم القانونية، قال إن إسرائيل من الدول الرئيسية المصدِّرة للأسلحة، لكن جيشها يعتمد بشكل كبير أيضاً على الأسلحة المستوردة، وبشكل خاص استيراد الطائرات والقنابل الموجهة والصواريخ، ووفقا للقانون الدولى، وفى ظل ارتفاع أعداد الضحايا من المدنيين فإن أى نقل للأسلحة أو الذخيرة إلى إسرائيل محظور، حتى إذا لم تكن الدولة المصدرة تنوى أن تستخدم الأسلحة فى انتهاك القانون، أو تعلم يقينا أنها ستستعمل بمثل تلك الطريقة، مادام هناك خطر واضح لذلك.

أضاف الزينى، أنه رغم تزايد عدد الدول التى حدّت من تصدير السلاح إلى إسرائيل، فإنه لا توجد هناك رقابة على الأسلحة المصدرة لمعرفة نوعية الأسلحة المحظورة، ووفقاً لنص المادة 36 من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية، فهناك إمكانية لمساءلة قادة الدول  وأخصها أمريكا وألمانيا، أمام محكمة العدل الدولية بتهمة المساهمة فى جرائم الإبادة الجماعية، التى ترتكبها إسرائيل وفقاً لنص المادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة، بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتى تشمل جرائم الإبادة الجماعية، والتآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، والتحريض المباشر والعلنى على ارتكاب الإبادة الجماعية، ومحاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، والاشتراك فى الإبادة الجماعية، ولا يتمتع أى شخص بحصانة ضد تهمة الإبادة الجماعية، ووفقا لنص المادة الرابعة من الاتفاقية يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية أو أى من الأفعال الأخرى المذكورة سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا، ووفقا لنص المادة الخامسة من الاتفاقية، يتعهد الأطراف المتعاقدون بأن يتخذوا - كلٌ طبقا لدستوره - التدابير التشريعية اللازمة لضمان إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية تنزل بمرتكبى الإبادة الجماعية أو أى من الأفعال الأخرى.

◄ قانوني وأخلاقي

ويقول الدكتور أيمن سلامة، خبير القانون الدولى، إنه فى ظل الصراع المستمر فى الأراضى الفلسطينية والمنطقة العربية والاتهامات المتكررة بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان والقانون الدولى، تتحمل الدول الحليفة التى تصدر الأسلحة لإسرائيل مسئوليات كبيرة على الصعيد القانونى أو الأخلاقى، إذا ما استخدمت هذه الأسلحة ضد المدنيين، وعلى الدول المصدرة أن توازن بين علاقاتها السياسية والاقتصادية، وبين احترامها لحقوق الإنسان لما قد ينجم عن دعمها من تفاقم الصراع. 

أضاف: وفقًا للقانون الدولى، تتحمل الدول مسئولية قانونية تجاه تصدير الأسلحة إذا كانت تستخدم فى انتهاك حقوق الإنسان أو القانون الإنسانى الدولى، وتنص اتفاقية الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة (ATT) التى دخلت حيز التنفيذ 2014، على ضرورة قيام الدول بتقييم مخاطر استخدام الأسلحة فى ارتكاب أو تسهيل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو القانون الدولى الإنسانى قبل تصديرها. ورغم أن إسرائيل ليست طرفًا فى الاتفاقية، فإن الدول المصدّرة تقع عليها التزامات تجاه منع تصدير الأسلحة إلى دول قد تستخدمها فى أعمال تندرج تحت إطار «الإبادة» أو «التطهير العرقى» أو القصف العشوائى على مناطق مدنية. فى هذا السياق، تتعرض الدول التى تصدر الأسلحة لإسرائيل، خصوصًا الدول الغربية كأمريكا وبريطانيا وفرنسا، لضغوط وانتقادات متزايدة من قبل منظمات حقوق الإنسان التى تتهمها بالمساهمة غير المباشرة فى تصعيد النزاع وسقوط ضحايا من المدنيين. 

وقال سلامة، إن هذا الاتهام يتعلق بتورط هذه الدول فى استمرار النزاع من خلال تقديم التكنولوجيا العسكرية المتقدمة التى تتيح لإسرائيل شن عمليات عسكرية واسعة النطاق، حيث تستخدم تلك الأسلحة، كما هو مدعى، فى عمليات قد تتسبب فى أضرار جسيمة للمدنيين وممتلكاتهم. وتعتبر الهجمات على مناطق مكتظة بالسكان، مثل غزة، محل انتقاد عالمى بسبب ما تحمله من مخاطر مرتفعة على حياة المدنيين، إذ تتسبب الأسلحة المتطورة، مثل الطائرات المقاتلة والدبابات، فى أضرار كبيرة تعتبر فى بعض الأحيان غير متناسبة مع المكاسب العسكرية المتوقعة، مما يجعلها تتعارض مع مبدأ التناسب المنصوص عليه فى القانون الدولى الإنسانى. 

◄ فحص السجلات

وقال، إن العديد من المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولى يطالبون بإجراء تحقيقات مستقلة فى كيفية استخدام الأسلحة المصدرة إلى إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية، ويرى هؤلاء أن الدول المصدرة عليها مسئولية فحص سجلات استخدام الأسلحة للتأكد من عدم استخدامها فى ارتكاب انتهاكات جسيمة، وتشير تقارير حقوق الإنسان إلى الحاجة لمساءلة الدول المصدرة عن دورها غير المباشر فى النزاع، وذلك بالتحقق مما إذا كانت تتخذ الخطوات الضرورية للحد من وقوع الأسلحة فى أيدى جهات تستخدمها فى انتهاكات محتملة. يمكن للدول التى تصدر الأسلحة أن تتخذ خطوات محددة لتخفيف مسئوليتها من خلال فرض شروط صارمة على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، أو تعليقها عند ورود تقارير تشير إلى استخدامها فى انتهاكات محتملة، كما يمكنها تعزيز الشفافية فى صفقات الأسلحة والتعاون مع هيئات المراقبة الدولية لضمان عدم استخدامها فى أعمال عنف غير قانونية ضد المدنيين.

واختتم، بأن بعض الدول الأوروبية بدأت فعلاً بإعادة النظر فى صفقات أسلحتها بسبب الضغط الشعبى والدعوات المتزايدة لمقاطعة التسلح، ففى السنوات الأخيرة، أعادت بعض الدول الأوروبية النظر فى صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بسبب الضغوط الشعبية والحقوقية، واتخذت بعض المحاكم خطوات لحظر أو تقييد هذه الصادرات، فوافق البرلمان الإيرلندى بالإجماع على قرار يصف المستوطنات الإسرائيلية بأنها «ضم فعلى» للأراضى الفلسطينية، مما يزيد الضغط على الحكومة الإيرلندية لمراجعة سياساتها المتعلقة بتصدير الأسلحة.