في خضم التوترات الجيوسياسية المتفاقمة والحرب الدائرة في أوكرانيا، تبرز صفقة الغاز المعقدة كنموذج حي للتعقيدات الاقتصادية والسياسية التي تواجه القارة الأوروبية، إذ وفقًا لصحيفة التليجراف البريطانية، تدور مفاوضات مكثفة في أذربيجان قد تعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية بأكملها، حيث تسعى أطراف متعددة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية وسط تحديات غير مسبوقة.
المشهد المعقد للطاقة الأوروبية
تكشف الصحيفة عن سيناريو معقد للغاية، حيث تتطلع روسيا وأذربيجان إلى إيجاد مخرج دبلوماسي يحافظ على استمرار تدفق الغاز إلى أوروبا. على الرغم من العقوبات والتوترات السياسية، لا تزال أوروبا تعتمد بشكل كبير على الواردات الروسية بنسبة 17% من إجمالي استهلاكها، وهو ما يشكل تحديًا استراتيجيًا كبيرًا للقارة العجوز.
في التفاصيل الدقيقة، تقترح الصفقة المحتملة أن تقوم الشركة الأذربيجانية الحكومية "سوكار" بدور الوسيط المعقد، حيث ستعيد تصنيف كميات الغاز الروسي وتقدمها كصادرات أذربيجانية، وهذه الآلية المبتكرة ستسمح للشركات الأوروبية بالتعامل مع الغاز دون التورط المباشر مع روسيا، وهو ما يعتبره محللون استراتيجية دبلوماسية معقدة.
التداعيات الاقتصادية والسياسية
تواجه هذه الصفقة انتقادات شديدة من المنظمات الأوكرانية، وعلى رأسها منظمة "رازوم وي ستاند"، التي ترى أن هذا التحايل سيؤدي بشكل غير مباشر إلى تمويل العمليات العسكرية الروسية.
سفيتلانا رومانكو، مديرة المنظمة، أكدت بشكل قاطع أن مصدر التمويل لا يهم، بل النتيجة النهائية المتمثلة في استمرار دعم الآلة العسكرية الروسية.
من الناحية الاقتصادية، ستخسر أوكرانيا ما يقارب 634 مليون جنيه إسترليني سنويًا من رسوم عبور الغاز، وهو ما يشكل ضربة اقتصادية قاسية لاقتصاد البلاد المنهك بسبب الحرب، يضاف إلى ذلك أن خط الأنابيب الحالي يربط روسيا بدول أوروبا الشرقية مثل بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا ومولدوفا.
رؤية الخبراء والتحليلات المستقبلية
يقدم تييري بروس، الأستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس، تحليلًا عميقًا للوضع، مؤكدًا أن أوروبا لن تتمكن من الانفصال تمامًا عن الغاز الروسي حتى عام 2027، وهذا التقييم يضع المشهد في سياق استراتيجي معقد، حيث تظل روسيا قادرة على خلق حالة من عدم الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية.
الجدير بالذكر أن المفاوضات الجارية في مؤتمر المناخ COP29 بباكو تعكس تعقيدات دبلوماسية غير مسبوقة، إذ ان الصفقة المحتملة قد تمنح روسيا منفذًا خلفيًا للتأثير في الأسواق الأوروبية، رغم العقوبات والضغوط الدولية.