إنها مصر

كرم جبر يكتب: أحمد زكي .. وأنا !

كرم جبر
كرم جبر


في أكتوبر عام 2001 تعرض الفنان أحمد زكى لهجوم شديد بسبب فيلم «أيام السادات»، وأثناء زيارته لبعض الدول الخليجية، وجد انتقادات شديدة من بعض التيارات المعادية للرئيس السادات، واتفاقية كامب ديفيد.

كتبت فى ذلك الوقت مقالاً فى روزاليوسف «ضرب أيام السادات» بتاريخ 11 سبتمبر 2001 أشيد فيه بالتيارات العربية الأصيلة التى وقفت بجواره خصوصاً فى دولة الإمارات الشقيقة، وتم السماح بعرض الفيلم فى دور السينما، ولقى ترحيبا وإشادة كبيرة.

بعد عودته من الإمارات زارنى أحمد زكي فى مكتبي، وقال لى بالحرف «لقد أدمعت عيناى عندما قرأت كلامك عني»، وتكررت الزيارات، وكان المحررون يلتفون حوله، فهو النجم المحبوب الذى قدم للسينما أعمالاً عظيمة.

لاحظت فى زياراته، أنه يدخن ثلاثة أنواع من السجائر فى وقت واحد، ولا يكمل السيجارة لآخرها بل يمزج بين الدخان المختلف، ولما سألته عن السبب قال حتى أشعر بمذاق «البايب» الذى أدمنته فى فيلم «أيام السادات» وأحاول التخلص منه.

طلبت من أحمد زكى أن استضيفه تليفزيونياً، حيث كنت أقدم برنامجا فى قناة المحور، ووافق على الفور، وباتت المشكلة الكبرى هى تنفيذ الوعد، وزرته فى منزله فى عمارة أمام مسجد الحامدية الشاذلية.

شقة أحمد زكي كانت رائعة، غير الشقة الأخرى الموجودة فى شارع جامعة الدول، ولاحظت رائحة «التقلية»، والطعام وكان يستنشق الرائحة بحب شديد، وقال لى أنا محروم من هذه الأكلات، ولكن عايز أشعر بدفء البيوت ورائحة الطعام.

وعشت أياماً على أعصابي، أتصل فيها كل يوم بمدير فندق هيلتون رمسيس لأطمئن على وصول أحمد زكى لإتمام التسجيل، وشعرت بالارتياح عندما أبلغنى أنه وصل مساءً، تمهيداً لبدء التسجيل مساء اليوم التالي، الحمد لله.

ذهبت إلى الفندق قبلها بساعتين، ووجدت أحمد زكى يجلس فى اللوبى مع لاعبى النادى الأهلى المتواجدين بالفندق، وأذكر منهم خالد بيبو، وبادرنى بالقول أنا تانى مرة أسجل، والمرة الأولى عندما طلب منى صفوت الشريف حلقة للتليفزيون المصرى بمناسبة فيلم أيام السادات.

ومعروف عن الفنان الراحل أنه كان «مودي»، ولحسن حظى أنه جلس مع لاعبى الأهلى فظل يضحك وفى منتهى السعادة حتى جاء وقت البرنامج وصعدنا إلى الدور العاشر.
استغرقت الحلقة أكثر من ساعتين وتحدث فيها عن كل شيء عن حياته وذكرياته والمواقف التى تعرض لها، وكان يستمد حيويته من النظر فى عيون الطاقم المصاحب من مخرجين وفنيين، والابتسامات العريضة تملأ وجهه.

ولكن توقفت فجأة .. وتحولت ملامحه إلى الغضب الشديد، عندما سأل المخرجة «إيه رأيك» ؟ فقالت له «الإجابات طويلة شوية»، وكاد أن ينهى التسجيل، واحتضنته وقام باقى فريق التصوير باحتضانه وأن المخرجة لا تقصد ذلك، وبقينا أكثر من نصف ساعة حتى عاد إلى حالته الأولى من الهدوء والوداعة.

رحم الله الفنان العظيم الذى لعب دوراً كبيراً فى تشكيل وجدان أجيال متعددة، بالفن الأصيل والكلمة المعبرة، بعيداً عن العنف والبلطجة وتشويه ضمائر الشباب.