الدعم النقدى.. «نعمة» للمستحقين.. و«نقمة» على المتلاعبين «2»

د. محيى عبد السلام - د. أمنية حلمى - د. جمال القليوبى
د. محيى عبد السلام - د. أمنية حلمى - د. جمال القليوبى


مليارات الجنيهات تنفقها الحكومة سنوياً على دعم الفئات الأولى بالرعاية، إعانة لها على مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية والتضخم الذى ألقى بظلاله على كل دول العالم؛ وهو ما يستدعى التفكير فى أنماط اقتصادية أكثر حيوية ودقة، لضمان وصول كامل الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، بدلًا من إهداره على غير المستحقين والمتلاعبين بثغرات القانون..

فى هذا الملف يؤكد عدد من خبراء الاقتصاد المصرى ضرورة وجود الدعم «النقدي»، بعدما رأينا إهدارًا كبيرًا فى سلع الدعم «العيني»؛ خاصة مع تلاعب التجار والمحتكرين؛ لكنهم شددوا أيضًا على ضرورة وضع شروط عند التطبيق تضمن توافر السلع فى المجمعات الاستهلاكية، مع زيادة مبلغ الدعم سنوياً عند كل زيادة فى الأسعار أو تضخم فى الأسواق، انتصارًا للفئات الأضعف فى المجتمع.

اقرأ أيضًا| التضامن الاجتماعي تعلن صرف «تكافل وكرامة» عن شهر نوفمبر

د. محيى عبد السلام الخبير الاقتصـادى: الأكثر تعزيزا لدعم الحماية الاجتماعية

الدعم العينى «مشوَّه».. واقتصادنا قـوى فــى مـواجهة الأزمات العالمية

حسام بركات
 

تحسين كفاءة نظام الدعم أصبح مطلبًا ملحًا خلال الفترة الحالية لتحقيق قدر أكبر من العدالة الاقتصادية وتخفيف الأعباء عن المواطنين؛ ولذلك تسعى الحكومة لدراسة هذا النظام الجديد من خلال طرح حلولٍ ورؤى وأفكار للنهوض بالمستوى الاقتصادى للمواطن، وتحقيق أقصى استفادة من موارد الدولة؛ وقبل البدء فى تحديد كيفية تحول مصر من الدعم العينى الى النقدى، لا بد أن يكون لدينا تخطيط دقيق ورؤية شاملة عند البدء فى عملية تنفيذه؛ لضمان تحقيق الأهداف المنشودة منه.. وفي هذا الحوار مع د. محيى عبد السلام، الخبير الاقتصادى والمستشار المالى بالإدارة العقارية، نناقش هذه القضية التي تشغل الكثير من المواطنين:

بداية.. ما هو تعريف أشكال الدعم النقدى الذى تسعى الدولة لتقديمه للمواطن؟ 

الدعم النقدى عبارة عن توفير مبالغ نقدية مباشرة للأسرة، من خلال تحويل الأموال مباشرة إلى حساب المواطنين، مما يقلل من فرص التلاعب والفساد ويُمكن الحكومة من تعزيز كفاءة الإنفاق العام، ويقلل من الهدر فى الموارد؛ وبما يسمح لهم باتخاذ قراراتهم الشرائية وأن يكونوا هم من يقومون بتحديد أولوياتهم واحتياجاتهم الأساسية، بدلاً من التقيد ببعض السلع والخدمات المحددة من قبل. أما الدعم العينى فهو توفير سلع أو خدمة معينة تحددها الدولة وفقاً لرؤيتها فى احتياجات المواطنين من بعض السلع والخدمات؛ حيث يواجه هذا النوع مشكلاتٍ كبيرة تتعلق بالفاقد والتسريب، بما لا يضمن وصول هذا النوع من الدعم إلى مستحقيه.

وما القيمة المضافة للتحول إلى الدعم النقدى فى هذا التوقيت؟

دائمًا سنجد حالة من الجدل حول مدى فعالية الدعم العينى مقابل التحول إلى الدعم النقدى؛ حيث إن الهدف من كلتا الحالتين هو تقليل حالة الفقر وإذابة الفوارق الاجتماعية بين الطبقات؛ وذلك لأن الطريقتين تعملان على نفس المبدأ، ولكن وفق أسس مختلفة وتأثيراتٍ مختلفة على المواطنين، وعلى الاقتصاد بصفة عامة؛ فالدعم العينى يعتمد على ضمان تخصيص الموارد للاحتياجات الأساسية للمواطنين، مع تخفيض مخاطر سوء التخصيص، وتعزيز الترابط العائلى فى المجتمع ، وتحفيز الاقتصاديات المحلية بشكل كبير؛ حيث توفر الدولة بشكل مباشر السلع والخدمات للأفراد الذين يُعدون فى أشد الحاجة إليها.. لذلك فإن أهمية التحول النقدى تقوم على أساس مبدأ الاستقلالية؛ حيث تضمن التحويلات النقدية قدرة المواطنين على تخصيص احتياجاتهم وفقاً لرؤيتهم وأهدافهم.

كيف يمكن لهذا التحول أن يحد من إهدار السياسة النقدية؟

السياسة النقدية تحاول بقدر الإمكان أن تقلل التضخم، وتحويل الفكر من استهلاكى إلى إدخارى فترفع الفائدة، وبالتالى يقل التخضم؛ وعند تحويل الدعم النقدى إلى عينى يصبح هذا عكس السياسة النقدية المفروض تفعيلها فى ظل الظروف الراهنة التى تمر بها البلاد؛ لا سيما أن هذه الظروف ليست داخلية؛ بل خارجية، منها: الحرب بين روسيا وأوكرانيا التى أثرت تأثيراً مباشراً على سياحة النقل وعلى الأسعار؛ وكذلك الحرب فى فلسطين والصراعات الدامية فى بعض الدول المجاورة؛ وأزمات كورونا، والتغيرات المناخية التى أثرت فى الأسواق الزراعية.

ما المعوقات التى حالت دون تطبيق هذا التحول لا سيما أن الفكرة كانت محل حديث خلال السنوات الماضية؟

الدعم العينى فى الفترة الأخيرة به معوقات كثيرة، مثل: عدم وجود رقابة حقيقية على الأسواق، وإعطاء الدعم العينى كسلعة أساسية موجه للتجار من خلال

إصدار بطاقات التموين بشروطٍ محددة للأفراد المُستحقين المستفيدين بالدعم؛ ولأحول من الدعم العينى إلى النقدى لابد أن يكون هناك سوق منضبط ومنافسة عادلة وسوق تنافسى؛ لأن التاجر المصرى حينما يعلم بزيادات الدخل من قبل الحكومة والمعاشات والرواتب الوظيفية من 10 إلى  15٪ مثلاً؛ سيرفع مباشرة السعر دون تحركات إضافية من 20 إلى  25٪؛ فالزيادة هنا يأخذها التاجر كزيادة سعرية بدون أى أعباء عنده؛ فهنا التحويل مهم لإعطاء التاجر حقه من غير زيادة مُهمشة على المواطن البسيط.

هل من إمكانية لضبط الأسواق ونحن فى ظل اقتصاد حر؟

من خلال ما تفعله الحكومة، وهو ضبط الأسواق، أى أنها تخلق منافسين، وتخلق سوقًا تنافسيًا، ووضعت بدائل متحركة لكى تضبط الأسواق، لكى يكون سوقًا مرنًا، وتنافسًا قويًا بين أكثر من منتج وموزع؛ وكل هذا يصب لصالح المواطن.

ما مصير توصيات القضايا الاقتصادية التى ناقشها الحوار الوطنى حتى الآن؟

نحن كرجال اقتصاد بالتعاون مع الحكومة نعطى توصياتٍ من أجل التطبيق تصل إلى 50 إلى 60٪؛ ومع ذلك لم تُطبق لأننا فى حاجة إلى آلية ووضع رؤية صحيحة، ولكن تفعيل هذه الرؤية فى أسرع وقت، ومع التطبيق تكون المقترحات قابلة للتطبيق؛ ويجب أن يكون هناك نموذج يُطبق مثل منظومة الخبز وغيرها على المحافظات التى بها عدد الجمهور قليل، لكى نطبق هذه المقترحات من قبل اللجنة نطبقها على مستوى الجمهورية.

كيف ينأى الاقتصاد المصرى بنفسه عن تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية؟

الاقتصاد المصرى اقتصاد قوى؛ والمقومات عندنا كثيرة جداً، نستطيع أن نخرج من خلالها من تأثيرات الأزمات العالمية؛ وقد تحدث الرئيس أكثر من مرة أن الصادرات تقريبًا ثلث الواردات، ومع ذلك بدأ بالتوجيه والحوافز الاستمرارية لنخرج بالصادرات إلى 100 مليار أو 150 مليارًا ونخرج بالمقومات الزراعية والصناعية الجيدة، ومقومات حجرية؛ .

كيف يمكن استغلال التجارة الداخلية فى تنشيط الاقتصاد المصرى؟

 نحن سوق قوى؛ سوق 105 ملايين مواطن، ونشتغل على التجارة الداخلية لتكون بديلاً للاستيراد؛ ومن الممكن أن أنتج إنتاجًا داخليًا لبعض المنتجات التى يتم استيرادها وذات الحركة الإنتاجية والاستهلاكية، وشغلت السوق كله؛ وبالتالى يحصل انتعاش داخلى مما يبدأ فى تقليل الفجوة، ثم نضع الدولار فى الأماكن الضرورية، ولابد أن نشتغل على التجارة الداخلية جيداً؛ لأن تعليمات وتوجيهات الرئيس السيسى دائمًا تؤكد على تقليل الاستيراد.

د. أمنية حلمى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة: يحقق العدالة والكفاءة الاقتصادية

الإصلاحات الهيكلية فى الزراعة والصناعة ضرورة لخفض الواردات

منى الحداد

تتسم معظم الأوراق البحثية التى حظيت باهتمام ودراسة متأنية للدكتورة أمنية حلمى أنها تتمحور حول اهتمامات المواطن البسيط ومحدود الدخل فهى تتعلق بالمعاشات والأجور؛ أما البحث الأبرز والذى يتسق مع القضية المثارة حاليا وتشغل الرأى العام فهو عن «كفاءة وعدالة سياسة الدعم».. وفى هذا الصدد توضح د. أمنية أن الحديث عن الدعم النقدى ليس وليد اليوم، ولكنه كان مثار حديث لعشرات السنين، ولكنها تؤكد أنه قبل المفاضلة بين الدعم العينى والدعم النقدى لا بد من التخارج من الدعم العينى وتهيئة المناخ للدعم النقدى حتى يؤتى الثمار المرجوة منه.

كما توضح أن ما تمر به المنطقة العربية من ارتفاع شديد فى درجة المخاطر يعكس فطنة الدولة فى استكمال الإصلاحات الهيكلية فى مجال الزراعة والصناعة؛ لأننا لا نستطيع أن نصنع نهضة إلا إذا كان لدينا اكتفاء ذاتى عال حتى لا نعتمد كثيرا على الواردات والعالم الخارجى.. وإلى تفاصيل الحوار:

هل توجد محددات يقوم عليها نظام الدعم الذى تختاره الدولة لمساعدة الفئات الأولى بالرعاية؟

الدعم له أنواع كثيرة بحسب الأهداف المرجوة منه، أحياناً تكون الأهداف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، ومن الممكن أن تتواجد الأهداف الثلاثة معًا. فى الحالة المصرية لدينا الدعم بالبطاقات التموينية أو الكروت الذكية، ودعم رغيف الخبز، كذلك دعم الإسكان الاجتماعى، وألبان الأطفال.. كما توجد أشكال كثيرة من الدعم الخاص بالمناطق الريفية؛ بالتالى المحدد الأساسى للدعم يبدأ بفكرة دعم الفقراء ومنهم من لهم ظروف خاصة كالأرملة والمطلقة أو المريض الذى لا يستطيع أن يعمل، أو كبير السن أو من لديه عجز أو ظروف خاصة بالفرد تجعله غير قادر على كسب العمل.

لماذا أصبح التحول من نظام الدعم العينى إلى نظام دعم آخر يمثل ضرورة ملحة اليوم؟ 

قبل المفاضلة بين الدعم السلعى والدعم النقدى، نوضح أن الدعم أحياناً يكون ضرورة، خاصة فى الظروف الاقتصادية التى يمر بها العالم كله، والمنطقة الإقليمية من حولنا، وعلى المستوى المحلى فى مصر.. بالتالى قبل أن أفكر فى دعم عينى أو نقدى فى هذه الظروف نحن نحتاج الدعم للفئات بعينها، أم التفكير فى استمراره أم لا؛ وأؤكد أنه فى كل دول العالم يوجد ما نطلق عليه معايير التخارج من نظام الدعم، بمعنى مساعدة فئات معينة أرى أنها تستطيع أن تعمل فأساعدها للخروج من دائرة الفقر بمساندة المجتمع المدنى والقطاع الخاص والدولة.. إذن لا بد من معيار للتخارج وإلا هناك من سيفكر أن حصوله على الدعم أفضل من اجتهاده لإيجاد فرصة عمل.

ما مميزات الدعم النقدى التى تجعل منه الأمثل اقتصادياً فى هذا التوقيت؟

أؤكد أن الحوار المجتمعى فيما يخص الدعم العينى والنقدى ليس وليد اليوم وأتمنى أن يحسم هذا الأمر التى طال فيها الحديث لعشرات السنوات.. لكن هناك مزايا ومخاطر للدعم النقدى.. مزايا الدعم النقدى نعرضها بعيوب الدعم العينى فمن مشاكله أن الاقتصاد دائماً يفكر بعاملين مهمين: العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية ونحن نريد تحقيق هذين العاملين معا بحيث لا يوجد تعارض بينهما ونحتاج سياسات للجمع بينهما. أهم شىء فى الاقتصاد أن الأسعار تكون حافزاً للمنتج والمستهلك، لكن الدعم العينى يحدث نوعاً من التشوه السعرى؛ لأنه يقدم سلعاً دون تكلفتها الحقيقية ولا أسعارها الحقيقية وبالتالى تحدث ازدواجية.. هذه الازدواجية فى الأسعار ينتج عنه تشوه فى الحوافز وفى التربح.

هل بالضرورة نجاح التجربة فى دولة أوروبية أو آسيوية يعنى نجاحها فى الحالة المصرية؟

نحن نهتدى دائماً بالخبرة الدولية لكن طبعا لكل بلد ظروفه، ولكن هناك مؤشرات ومعايير عامة نهتدى بها. مثل المكسيك أو دول من دولة أمريكا اللاتينية تطبق الدعم النقدى المشروط ومصر نفذته أيضا بمعنى أن الأسرة التى تستحق الدعم يجب أن يكون الأطفال منتظمين فى العملية التعليمية ونسب تغيبهم ليست كبيرة.

هل توجد ضوابط ومقترحات لضمان تطبيق أمثل للتحول إلى الدعم النقدى؟

لا بد من تشجيع ثقافة الادخار وترشيد الاستهلاك، كذلك الإصلاح السياسى من خلال إجراء انتخابات المحليات والتى ستجعل من المرأة وأفراد المجتمع شركاء فى القرار. البنك المركزى أيضا عليه دور لأن دوره الأساسى استهداف التضخم فلا بد أن يعمل جاهداً للحد من التضخم، كذلك السياسة المالية لأن الدعم بالنسبة للمصروفات 3 % من المصروفات العامة، لكن فوائد الدين 47 % تقريبا من المصروفات لأننا عندما نتكلم على الدعم نتكلم على فوائد الدين بالتالى على الدولة أن تعمل على الحد من الدين وخدمته. سوق العمل لا بد وأن يكون لائقاً بمعنى أن الخدمات الأساسية تكون متوافرة لمساعدة العامل على الإنتاج. الدعم يحتاج للتمويل الذى يتوافر من خلال بندين: مبادرات مثل تكافل وكرامة الدولة تتفق عليها وتتلقى أحياناً معونات دولية وهذا شىء جيد؛ أما التمويل الحقيقى فيأتى من حصيلة الضرائب لكن فى نفس الوقت لا أريد أن أخيف المجتمع الضريبى بزيادة معدلات الضرائب لكن يوجد ما يسمى بتوسيع القاعدة الضريبية بمعنى أننا لدينا قطاع غير رسمى لا بد من جذبه ليكون رسمياً هذا.

كيف ترين التعاون الاقتصادى العربى فى الفترة الأخيرة بعد التقارب المصرى الإماراتى والتقارب المصرى السعودى؟

شىء جيد جداً أن يأتينا استثمار خارجى؛ لأنه يدير عملية الإنتاج وفرص العمالة لكن أتحدث عن زيادة فى الاستثمار بالقطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة. أما قطاع السياحة فهو يعانى اليوم بسبب التضخم.. الناس ابتعدت بعض الشىء عن السياحة الداخلية بسبب ارتفاع الأسعار، وبالنسبة للسياحة الخارجية هناك تخوف بسبب الاضطرابات الإقليمية؛ إذن الحل أنه لا بد من الإنتاج لتوفير السلع بأسعار مناسبة لأننا نعتمد إلى حد كبير على الاستيراد وهذا شىء غير مقبول بالتالى لا بد أن أنمى قدراتى شيئاً فشيئاً، وأعتمد على الإنتاج الزراعى والصناعى لترشيد الواردات لتجنب سعر الصرف. 

هل توجد مسئولية واضحة على القطاع الخاص فيما يتعلق بسعر المنتج وجودته؟

بالتأكيد، القطاع الخاص شريك أساسى فى التنمية فهو أحد أضلاع مثلث التنمية إلى جانب الدولة والمجتمع المدنى، بالتالى يجب عليه أن ينتج بجودة عالية مراعياً المعايير الصحية والبيئية.

د. جمال القليوبى الخبير الاقتصادى: يوفر عــــدالة التــوزيع.. لكـــن بشـــــروط!
رجال الأعمال ميزان اقتصادى يحمى المجتمع من المخاطر وقت الحاجة

د. هانى قطب

 تحرص الدولة على توفير الدعم للمواطنين للمساهمة فى تخفيف أعباء الأزمات الاقتصادية العالمية وموجات غلاء الأسعار؛ وكان الدعم العينى هو الأساس الذى تقوم عليه منظومة المساعدات الاجتماعية؛ حتى أصبحت هناك نظرة أكثر واقعية لتحويل الدعم إلى نقدى ضمانا لوصوله لمستحقيه الحقيقيين دون وسيط.. وكان هذا الحوار مع د. جمال القليوبي، الخبير الاقتصادي، لمناقشة السبل الأفضل لتحقيق العدالة الاجتماعية فى أشكال الدعم الموجودة الآن:  

كيف ترى دور الدولة فى توفير الدعم للمواطن خلال الفترة الماضية؟

لا بد أن نعى جيدا أن الدولة خلال الفترة السابقة لم تدخر وسعا وكانت حريصة بقدر كبير على توفير الدعم للمواطنين، خاصة محدودى الدخل ومعدومى الدخل من الطبقات الدنيا، وارتفعت مظلة مبادرة «تكافل وكرامة» لتغطى وتشمل عددا كبيرا من الأسر التى لم يكن لها أى دخل؛ كما أن الدعم لم يقتصر على سلع تموينية فحسب؛ بل أيضا على خدمات كثيرة، ويأتى هذا تأكيدا لدور الدولة القوية التى تضع المواطن نصب عينيها، ولم يقتصر هذا الدعم على المستحقين فقط، بل كان أصحاب الطبقات العليا أيضا شركاء فى الحصول على هذا الدعم لتصبح فاتورة ما تتحمله الدولة فوق قدرتها.
توفير السلع

إذن.. ما رؤيتك ليتم توزيع الدعم بعدالة وبشكل يصل إلى مستحقيه الحقيقيين؟

يجب أن نعى أن الدولة من واجبها أن توفر حياة معيشية ملائمة لأبنائها غير القادرين أو الذين لا تُمكنهم ظروفهم المعيشية من الوفاء بمتطلباتهم، فتقوم بتوفير الحد الأدنى على الأقل من هذه السلع الاستراتيجية التى تضمن لهم المعيشة بشكل أفضل؛ ولكن لا يعقل أن يكون هذا الدعم على المطلق بدون آلية تضمن وصوله إلى مستحقيه، خاصة أنه فى حالة استقطاع هذا الدعم من فئات كثيرة ليست فى حاجة إليه، ستتحقق زيادة الدعم للفئات التى تستحقه، وهذا ما تسعى إليه الدولة فى تحقيق العدالة فى التوزيع.

خطوة جريئة

كيف ترى نوع الدعم الأمثل الذى يجب أن تقوم به الدولة كنوع من ضمان تحقيق التوزيع العادل لأبنائها؟

يجب أن نحدد خلال تقييمنا لنوع الدعم للمواطن، والذى ظل على مدار عهود كثيرة ينطوى على الدعم العينى للسلع، خاصة الاستراتيجية منها، والذى كان هدفه توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن، وإذا كانت إمكانية تحويله إلى دعم نقدى كانت فيه من الإتاحة من قبل بسبب انخفاض الأسعار وتقاربها مع سعر ما تتحمله الدولة، فتفعيل الدعم النقدى الآن سيكون خطوة جريئة، بسبب ارتفاع الأسعار، وزيادة ما تتحمله الدولة من فارق فى هذه الأسعار، سيكون بشروط لسبب بسيط، وهو أن فارق السعر بين الحر والذى تتحمله الدولة، خاصة فى الفترة الحالية التى تشهد ارتفاعا فى الأسعار أكثر قدرة للدولة على تحمله من المواطن؛ وبالتالى عندما يتم الدعم إلى نقدى سيجعل المواطن عُرضة لتقلبات الأسعار بشكل لن يتحمله.

وفيما يخص الطبقة الوسطى.. كيف ننأى بها حتى لا تنزلق لمثل هذا الدعم؟

الطبقة الوسطى فى الحقيقة ليست فى منأى عن هذا الدعم، رغم أنهم أكثر قدرة من الفئات الدنيا على تحمل فارق الأسعار وتقلباتها، إلا أنهم فى حاجة إلى الدعم حتى لا يدخلوا خانة الفئات الدنيا ويتم توفير الدعم النقدى لهم؛ ولكن على أن يتم توفير سلع لهم من جانب المصانع بعمل شوادر وجمعيات استهلاكية بهامش ربح بسيط، كما كان يحدث من قبل.

هل كانت هناك مبادرات سابقة لهذا النوع من الدعم؟

بالطبع كانت هناك مبادرات قامت الدولة بتفعيلها، وقد أُقيمت مثل هذه الفعاليات تحت رعاية رئيس الوزراء فى عام 2016، وأيضًا فى عام 2018 خلال تعويم الجنيه المصري، وكان لها بالغ الأثر فى الحقيقة لمساندة المواطن المصري، خاصة البسيط.

توازن حقيقي

هل توجد قواعد ثابتة لدى الحكومة للفصل بين محدودى الدخل وغيرهم؟

لا بد أن نعى أن الدولة لديها القدرة من خلال أجهزتها على أن تحدد الفئات التى تستحق الدعم من عدمه على مستوى الجمهورية بكل محفظاتها، سواء طبقا للوظيفة أم الدخل؛ لأن وصول الدعم لمستحقيه هدف تسعى الدولة إلى تحقيقه ليحدث نوع من التوازن الحقيقى داخل المجتمع، والذى يهدف من ورائه إلى سد احتياجات المواطن.. ولنضرب مثالا حيا على هذا، فرغيف الخبز والذى تتحمل الدولة ما يقارب نحو 150 قرشا تقريبا رغم أن ما يدفعه المواطن 20 قرشا فقط، فعندما يحصل المواطن على هذا الدعم بالنسبة للخمسة أرغفة، وهم نصيبه اليومي، سيكون 7 جنيهات ونصف الجنيه؛ أى بمقدار 225 جنيهًا شهريا؛ ولكن عندها سيصبح السعر حرًّا، ويختلف حسب تقلبات السوق؛ وبالتالى سيصبح المواطن والتزاماته رهنًا بالعرض والطلب.

ميزان اقتصادي

هل ترى أن رجال الأعمال لهم دور فى المساهمة فى دفع مسيرة الدعم دون اختلال أرباحهم؟

رجال الأعمال هم ميزان اقتصادى يحمى المجتمع من المخاطر الاقتصادية وقت الحاجة، وعلى رأس هذا الاحتياج أن يقوم كل رجل أعمال بالمساهمة فى قريته بعمل شوادر للسلع الاستهلاكية، خاصة الاستراتيجية منها، وبيعها بسعر الجملة؛ وهذا كفيل بتوفير ما يقرب من 35% من الأسعار؛ وبالتالى سيحد من ارتفاع الأسعار، دون أن يتحمل أى خسائر؛ لأن لديه القدرة على الشراء كنوع من إعادة تدوير رأس المال.