فى أوائل التسعينيات جاء القرار بإنفصال جمهورية تشيكسلوفاكيا لتنقسم إلى دولتين “التشيك” و”سلوفاكيا”، فى حالات الإنفصال السياسى تتخذ السينما فى الدولتين توجه يتعلق بالصعوبات والمعوقات التى تواجه الدولتين قبل وبعد الإنفصال، لكن مع التشيك وسلوفاكيا الوضع مختلف برغم مرور أعوام على الإنفصال لكن لا تزال الأفلام التى تقدمها كل دولة تتشابه مع الأخرى من حيث القضايا والأزمات، لدرجة أن معظم الأفلام تكون إنتاج مشترك بين الدولتين، وعلى سبيل المثال أفلام “107 أمهات”، و”مقتل صحفى” من سلوفاكيا، و”مذبحة الخنازير الجميلة لدينا” و”الطائر المطلى” من التشيك.
وآخر التجارب التى تشارك فى الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى الفيلم السلوفاكى “مارس إلى مايو” أو “March to May” الذى يعد التجربة الأولى للمخرج مارتن بافول ريبكا، ويتواجد الفيلم فى القسم الرسمى خارج المسابقة، وسبق له الحصول على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عند اشتراكه فى مسابقة بروكسيما بمهرجان كارلوفى فارى هذا العام.
يحتوى فيلم على إيقاع هادئ ودراما بسيطة من خلال حبكة لا يحدث فيها الكثير، حول أسرة متوسطة المستوى تتكون من أب وأم وثلاثة أبناء (بنتين وولد)، حيث يتم عرض الحياة اليومية لتلك الأسرة والأزمات التى تؤرقهم سواء بشكل عام على مستوى الحياة فى القرية أو بشكل خاص حول علاقتهم ببعض، وهم يتنقلون بين تعقيدات الانتقال إلى مرحلة المراهقة، مع عجلة الحياة اليومية.
يظل إيقاع الفيلم هادئ من ناحية السرد حتى على مستوى الحدث الأبرز وهو معرفة الجميع بأن الأم الأربعينية حامل، وهنا يضطرب إيقاع الحياة اليومية بعض الشيء حيث تُؤثر فكرة الأخ الجديد على أفراد الأسرة، رغم عادية الأحداث، وعدم حدوث الكثير تقريبًا باستثناء التفاصيل اليومية العادية الصغيرة، إلا أن الفيلم بالغ الأصالة والمصداقية، وعلى قدر كبير من العمق، وإجادة رسم الشخصيات.
يرتكز مخرج الفيلم خلال الصورة على اللقطات القصيرة والمتوسطة للشخصيات داخل المنزل الذى تدور خلاله معظم الأحداث، وذلك لنقل المشاعر المتضاربة على مستويين، الأول الخاص بالعلاقات التى تتباين فى المنحنى الخاص بها بين الصعود والهبوط، والمنحنى الثانى الخاص بتقبل كل فرد منهمة مسألة حمل الأم وأن هناك شقيق رابع قادم فى الطريق.
وتظهر ردود الأفعال المتباينة داخل حدود الأسرة الواحدة حيث أن الابن الأصغر، «إلياس» يتصارع مع شكوك المراهقة، ويقسم وقته بين التزلج وتجربة حبه الأول، بينما تواجه الابنة الوسطى «ألبيتا» معضلات بشأن استقلالها المتزايد وتحديد أفضل السبل لإدارة أرباحها الأولى. في هذه الأثناء، تقف «ميشا» الابنة الكبرى، على أعتاب مغادرة منزل العائلة، ممزقة بين أمان المألوف وجاذبية المجهول، بينما ينشغل الأب بأمر واحد فقط وهو تأهيل أبنائه الثلاث لاستقبال لأخ جديد، بينما تتقبل الأم المتدينة الوضع بهدوء.
صحيح أن كاميرا المخرج تنتقل وتتمحور بين الأبناء الثلاث والأب إلا أن ترتكز فى كل المشاهد على وجه وتعبيرات الأم، حتى وان كانت تشارك قليلا فى الحديث أو تظل صامتة لكن يظل وجودها الصامت هو محور المشاهد لتكون هى الشخصية المحورية التى تدور الأحداث من خلالها، لأن هى الوحيدة التى تعى تماما طبيعة المرحلة الإنتقالية التى تمر بها الأسرة.
يشير عنوان الفيلم “مارس إلى مايو” إلى نقطة مهمة فى الأحداث فهى الفترة التي تتكشف فيها القصة، مما يعكس الصحوة التدريجية خلال أشهر الربيع، وتمثل هذه الاستعارة طابعًا شعريًا على الفيلم، في مواجهة التغيرات البطيئة ولكن الحتمية في ديناميكيات الأسرة.