محمد كمال يكتب l مارس إلى مايو اضطراب أسرة بسبب حمل مفاجئ

محمد كمال
محمد كمال


فى‭ ‬أوائل‭ ‬التسعينيات‭ ‬جاء‭ ‬القرار‭ ‬بإنفصال‭ ‬جمهورية‭ ‬تشيكسلوفاكيا‭ ‬لتنقسم‭ ‬إلى‭ ‬دولتين‭ ‬“التشيك”‭ ‬و”سلوفاكيا”،‭ ‬فى‭ ‬حالات‭ ‬الإنفصال‭ ‬السياسى‭ ‬تتخذ‭ ‬السينما‭ ‬فى‭ ‬الدولتين‭ ‬توجه‭ ‬يتعلق‭ ‬بالصعوبات‭ ‬والمعوقات‭ ‬التى‭ ‬تواجه‭ ‬الدولتين‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬الإنفصال،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬التشيك‭ ‬وسلوفاكيا‭ ‬الوضع‭ ‬مختلف‭ ‬برغم‭ ‬مرور‭ ‬أعوام‭ ‬على‭ ‬الإنفصال‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الأفلام‭ ‬التى‭ ‬تقدمها‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬تتشابه‭ ‬مع‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القضايا‭ ‬والأزمات،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الأفلام‭ ‬تكون‭ ‬إنتاج‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬الدولتين،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أفلام‭ ‬“107‭ ‬أمهات”،‭ ‬و”مقتل‭ ‬صحفى”‭ ‬من‭ ‬سلوفاكيا،‭ ‬و”مذبحة‭ ‬الخنازير‭ ‬الجميلة‭ ‬لدينا”‭ ‬و”الطائر‭ ‬المطلى”‭ ‬من‭ ‬التشيك‭.‬

وآخر‭ ‬التجارب‭ ‬التى‭ ‬تشارك‭ ‬فى‭ ‬الدورة‭ ‬45‭ ‬لمهرجان‭ ‬القاهرة‭ ‬السينمائى‭ ‬الدولى‭ ‬الفيلم‭ ‬السلوفاكى‭ ‬“مارس‭ ‬إلى‭ ‬مايو”‭ ‬أو‭ ‬“March to May”‭ ‬الذى‭ ‬يعد‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬للمخرج‭ ‬مارتن‭ ‬بافول‭ ‬ريبكا،‭ ‬ويتواجد‭ ‬الفيلم‭ ‬فى‭ ‬القسم‭ ‬الرسمى‭ ‬خارج‭ ‬المسابقة،‭ ‬وسبق‭ ‬له‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬الخاصة‭ ‬عند‭ ‬اشتراكه‭ ‬فى‭ ‬مسابقة‭ ‬بروكسيما‭ ‬بمهرجان‭ ‬كارلوفى‭ ‬فارى‭ ‬هذا‭ ‬العام‭.‬

يحتوى‭ ‬فيلم‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬هادئ‭ ‬ودراما‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حبكة‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬فيها‭ ‬الكثير،‭ ‬حول‭ ‬أسرة‭ ‬متوسطة‭ ‬المستوى‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬وأم‭ ‬وثلاثة‭ ‬أبناء‭ (‬بنتين‭ ‬وولد‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬عرض‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لتلك‭ ‬الأسرة‭ ‬والأزمات‭ ‬التى‭ ‬تؤرقهم‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬القرية‭ ‬أو‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬حول‭ ‬علاقتهم‭ ‬ببعض،‭ ‬وهم‭ ‬يتنقلون‭ ‬بين‭ ‬تعقيدات‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬المراهقة،‭ ‬مع‭ ‬عجلة‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭.‬

يظل‭ ‬إيقاع‭ ‬الفيلم‭ ‬هادئ‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬السرد‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحدث‭ ‬الأبرز‭  ‬وهو‭ ‬معرفة‭ ‬الجميع‭ ‬بأن‭ ‬الأم‭ ‬الأربعينية‭ ‬حامل،‭ ‬وهنا‭ ‬يضطرب‭ ‬إيقاع‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬حيث‭ ‬تُؤثر‭ ‬فكرة‭ ‬الأخ‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة،‭ ‬رغم‭ ‬عادية‭ ‬الأحداث،‭ ‬وعدم‭ ‬حدوث‭ ‬الكثير‭ ‬تقريبًا‭ ‬باستثناء‭ ‬التفاصيل‭ ‬اليومية‭ ‬العادية‭ ‬الصغيرة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الفيلم‭ ‬بالغ‭ ‬الأصالة‭ ‬والمصداقية،‭ ‬وعلى‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العمق،‭ ‬وإجادة‭ ‬رسم‭ ‬الشخصيات‭.‬

يرتكز‭ ‬مخرج‭ ‬الفيلم‭ ‬خلال‭ ‬الصورة‭ ‬على‭ ‬اللقطات‭ ‬القصيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬للشخصيات‭ ‬داخل‭ ‬المنزل‭ ‬الذى‭ ‬تدور‭ ‬خلاله‭ ‬معظم‭ ‬الأحداث،‭ ‬وذلك‭ ‬لنقل‭ ‬المشاعر‭ ‬المتضاربة‭ ‬على‭ ‬مستويين،‭ ‬الأول‭ ‬الخاص‭ ‬بالعلاقات‭ ‬التى‭ ‬تتباين‭ ‬فى‭ ‬المنحنى‭ ‬الخاص‭ ‬بها‭ ‬بين‭ ‬الصعود‭ ‬والهبوط،‭ ‬والمنحنى‭ ‬الثانى‭ ‬الخاص‭ ‬بتقبل‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬منهمة‭ ‬مسألة‭ ‬حمل‭ ‬الأم‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬شقيق‭ ‬رابع‭ ‬قادم‭ ‬فى‭ ‬الطريق‭.‬

وتظهر‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬المتباينة‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬الأسرة‭ ‬الواحدة‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الابن‭ ‬الأصغر،‭ ‬‮«‬إلياس‮»‬‭  ‬يتصارع‭ ‬مع‭ ‬شكوك‭ ‬المراهقة،‭ ‬ويقسم‭ ‬وقته‭ ‬بين‭ ‬التزلج‭ ‬وتجربة‭ ‬حبه‭ ‬الأول،‭ ‬بينما‭ ‬تواجه‭ ‬الابنة‭ ‬الوسطى‭ ‬‮«‬ألبيتا‮»‬‭ ‬معضلات‭ ‬بشأن‭ ‬استقلالها‭ ‬المتزايد‭ ‬وتحديد‭ ‬أفضل‭ ‬السبل‭ ‬لإدارة‭ ‬أرباحها‭ ‬الأولى‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء،‭ ‬تقف‭ ‬‮«‬ميشا‮»‬‭ ‬الابنة‭ ‬الكبرى،‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬مغادرة‭ ‬منزل‭ ‬العائلة،‭ ‬ممزقة‭ ‬بين‭ ‬أمان‭ ‬المألوف‭ ‬وجاذبية‭ ‬المجهول،‭ ‬بينما‭ ‬ينشغل‭ ‬الأب‭ ‬بأمر‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬وهو‭ ‬تأهيل‭ ‬أبنائه‭ ‬الثلاث‭ ‬لاستقبال‭ ‬لأخ‭ ‬جديد،‭ ‬بينما‭ ‬تتقبل‭ ‬الأم‭ ‬المتدينة‭ ‬الوضع‭ ‬بهدوء‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬كاميرا‭ ‬المخرج‭ ‬تنتقل‭ ‬وتتمحور‭ ‬بين‭ ‬الأبناء‭ ‬الثلاث‭ ‬والأب‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ترتكز‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬المشاهد‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬وتعبيرات‭ ‬الأم،‭ ‬حتى‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬تشارك‭ ‬قليلا‭ ‬فى‭ ‬الحديث‭ ‬أو‭ ‬تظل‭ ‬صامتة‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬وجودها‭ ‬الصامت‭ ‬هو‭ ‬محور‭ ‬المشاهد‭ ‬لتكون‭ ‬هى‭ ‬الشخصية‭ ‬المحورية‭ ‬التى‭ ‬تدور‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬لأن‭ ‬هى‭ ‬الوحيدة‭ ‬التى‭ ‬تعى‭ ‬تماما‭ ‬طبيعة‭ ‬المرحلة‭ ‬الإنتقالية‭ ‬التى‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬الأسرة‭.‬

يشير‭ ‬عنوان‭ ‬الفيلم‭ ‬“مارس‭ ‬إلى‭ ‬مايو”‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬الأحداث‭ ‬فهى‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬تتكشف‭ ‬فيها‭ ‬القصة،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬الصحوة‭ ‬التدريجية‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬الربيع،‭ ‬وتمثل‭ ‬هذه‭ ‬الاستعارة‭ ‬طابعًا‭ ‬شعريًا‭ ‬على‭ ‬الفيلم،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التغيرات‭ ‬البطيئة‭ ‬ولكن‭ ‬الحتمية‭ ‬في‭ ‬ديناميكيات‭ ‬الأسرة‭.‬

;