من أرق وأمتع المقالات التى أمتعنا بها «عندليب الصحافة» الكاتب الراحل الكبير محمود عوض، المقال الذى كتبه عن عملاق التمثيل العالمى الراحل «أنتونى كوين» الذى التقى به فى عاصمة السينما الأمريكية «هوليوود» وقضى معه ثلاثة أسابيع لم ينقطع خلالها الحوار بينهما فى فترة زيارته للعاصمة الأمريكية نيويورك التى وصفها محمود عوض بأنها ليست مدينة مثالية لإقامة علاقاتٍ إنسانية.
مدينة هادئة على السطح ومتوحشة فى الأعماق، وهذا ما دفع بالكاتب الساخر برنارد شو إلى أن يختار أسلوب الصفعات اللفظية فى أول زيارة، ويقول كاتبنا الكبير: إنه كان يذكر نفسه دائماً فى كل مرة يقيم فيها بتلك المدينة المتوحشة أنه مجرد عابر سبيل إلى مقر الأمم المتحدة، أو إلى المكتبات الكبرى، أو إلى مسارح برودواى أو إلى حى السود، بما يشعره أنه يتذبذب يومياً بين القرن العشرين والقرن الخامس عشر، بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، بين أغلى الفنادق وبيوت الشباب التى تناسب حذاءه غير اللامع ودولاراته القليلة !
ويقول فى مقاله: إنه فى إحدى مرات إقامته العابرة فى نيويورك أصبح طرفاً فى علاقة تحمل كل ملامح نيويورك، علاقة مفاجئة مع النجم السينمائى العملاق أنتونى كوين الذى عرفناه فى عالمنا العربى من أفلام هوليوودية عديدة أشهرها: «زوربا اليونانى»، المعرفة جاءت عن طريق صديق مشترك عرفه فى لوس أنجلوس، وهوليوود أحد أحيائها، اتصل به من نيويورك ليعرف أخباره فقال له: إنه قادم فى اليوم التالى لنيويورك فى «مهمة عمل» تتعلق بتصوير فيلم سينمائى يقوم بإنتاجه بالمشاركة مع بطله أنتونى كوين، وحين اجتمع الثلاثة لأول مرة فى نيويورك - أنتونى كوين ومحمود عوض وصديقهما المصرى المشترك فؤاد - بدأ عندليب الصحافة بتوجيه حديثه إلى أنتونى كوين قائلاً:
اقرأ أيضًا| كنوز| جندى فى جيش عرابى يروى قصة الخيانة فى التل الكبير
«مستر كوين.. دعنى أقدم لك نفسى، أنا كاتب ناشئ من مصر وموجود فى نيويورك بحكم الضرورة، جئت اليوم بدعوى من صديقى فؤاد لكى أتعرف إليك عن قرب، إن لم يكن لسببٍ فلأننى ساهمت بما يعادل ربع دولار فى نجاح فيلم «زوربا» فى مصر، وأرجو أن تكون الشركة المنتجة قد ذكرت لك هذا الربع دولار فى فاتورة أجرك»، انفجر أنتونى كوين ضاحكاً ثم اكتسى وجهه بالجدية المفاجئة عندما سأل محمد عوض : «هل قلت إنك كاتب؟»، فأجابه: «نعم كاتب ناشئ».
فعقب كوين قائلاً: «لا يهم ناشئ أو غير ناشئ هذه دعاية لا يقولها كاتب ناشئ، إننى أحسدك»، فقال عندليب الصحافة مندهشاً: «تحسدنى لأننى ناشئ؟»، ابتسم كوين وهو يقول: «أحسدك لأنك كاتب، هناك ملايين يعرفونى ممثلاً مشهوراً، لكن لا أحد منهم طموحى الأساسى بأن أكون كاتباً، الناس يروننى ناجحاً ومشهوراً وثرياً..
ومع ذلك فأنا الوحيد الذى يعرف أننى ما أزال فقيراً لسبب بسيط هو أننى كنت أريد أصلاً أن أصبح مؤلفاً، وفى سنوات فقرى المدقع وفرت دولاراتى القليلة لكى ألتحق بمدرسة خاصة لتعلم مهنة الكتابة والتأليف، أربعون دولاراً كاملة دفعتها من طعامى حتى أحقق هذا الحلم، وفى النهاية قالوا لى: «لا حل.. دعك من حكاية الكتابة والتأليف وابحث لنفسك عن مهنة أخرى»!
بادره عندليب الصحافة قائلاً: «مستر كوين.. أنت الآن ممثل ناجح وأفلامك رائجة بمستوى العالم ومع ذلك ما زلت تتكلم عن حلم مضى، ألم يعوضك نجاحك السينمائى عن فشل أحد أحلامك المبكرة ؟»، تكهرب وجه أنتونى كوين وبدأ يتحدث وكأنه يناجى نفسه قائلاً : «الفارق أن الممثل يعزف لحناً وضعه موسيقار، والكاتب هو الموسيقار، أنا كممثل خبراتى محدودة فى الأدوار التى أقوم بها على الشاشة أو المسرح، وفى النهاية أنا محكوم برؤية المؤلف وفى الغالب أقبل كممثل أداء أدوار قد لا أكون مؤمناً بها لمجرد أن لديّ أسرة ونفقاتٍ وأعباء مالية لن تنتظر حتى أخترع لنفسى الدور الذى أريد، وهذه هى هوليوود».
وصمت لحظة ثم أضاف: «ربما ترانى على الشاشة بطلاً، لكننى فى الحقيقة كومبارس! عبد للأستوديو والشركة المنتجة وشركة التسويق والتوزيع، أما الكاتب المؤلف، فهو الفنان الأصلى وأنا وغيرى نعزف فقط اللحن الذى يضعه هو، وحتى الآن لا يزال الجزء الحقيقى فى داخلى هو أن اؤلف لنفسى، ألا تعتقد أن هذا حقى ؟».
أجابه محمود عوض مداعباً: «ألا تدرك يا مستر أنتونى أن الطعام والغداء تأخر كثيراً ؟ أخشى أن يطردنا المطعم لأننا تجاوزنا موعد تقديم الغداء»، فقال أنتونى كوين بكبرياء: «اطمئن.. لا أحد فى نيويورك كلها يجرؤ على ان يرفض طلباً لأنتونى كوين»، فضحك عندليب الصحافة قائلاً: «هذه على الأقل ميزة كبرى للتمثيل والسينما والنجومية يجب ألا نضيعها».
ويوضح محمود عوض فى المقال: بأنه أصبح شبه ملازم لأنتونى كوين على مدى ثلاثة أسابيع باستثناء ساعات تصوير الفيلم رقم 150 فى حياته، وهذه الأسابيع أتاحت له بأن يغوص فى أفكاره ويتيقن أنه إنسان يقرأ ويستمع ويفهم ويتساءل ويناقش ويعيش حياته بالطول والعرض، يقرأ سؤال عندليب الصحافة قبل أن ينطق به، يتمتع بروح الفكاهة الشرقية لأنه من أصل مكسيكى عن طريق الأم ونصف أيرلندى عن طريق الأب، والأب ذاته خرج من قاع الفقر لكى يطفو بين وقت وآخر على سطح الحياة فى وظيفة تسمح له بالكاد بأن يسد رمق أسرته، وهذا يعنى أن الفقر بالنسبة لأنتونى كوين كان أكثر من مجرد كلمة، الفقر شبح وكابوس وشيطان ظل يطارده طوال الأربعين سنة الأولى من حياته التى وصفها قائلاً: «فى النصف الأول من حياتى كان الواقع يلاكمنى، وفى النصف الثانى من حياتى أنا الذى ألاكمه، لقد عملت ماسح أحذية ونجاراً وكهربائياً وجزاراً وسائق تاكسى وترزياً وعامل أسمنت وملاكماً ضمن دستة مهن أخرى».
فقال له محمود عوض: « لكنك الآن ترسم وتنحت وتسافر وتكتب لنفسك إلى جانب التمثيل»، رد أنتونى كوين قائلاً: «نعم.. ولكن بفلوسى، بالفلوس يستطيع الإنسان أن يحصل على أشياء كثيرة مفيدة.
وهو ما لا يدركه أحياناً أصحاب الفلوس أنفسهم»، فسأله عندليب الصحافة: «قل لى لماذا تمثل؟»، توقف أنتونى كوين فجأة وأمسك ذقنه مبتسماً قبل أن يقول: «سوف أعطيك ثلاثين ثانية لتفكر فى سؤال أفضل»، فقال محمود عوض: «هذا هو سؤالى الأفضل»، فقال أنتونى كوين أثناء سيرهما بالحديقة: «أحب التمثيل لأننى أحب جدتى جداً وكانت تود أن ترانى ممثلاً، كما أن التمثيل يتيح لى تقمص شخصيات ربما تقول للناس شيئاً مفيداً».
ويعود أنتونى كوين بالذاكرة عندما بدأ مشواره ككمبارس فى أحد أفلام المخرج سيسيل دى ميل، وانتقاله لأدوار ثانية وثالثة ورابعة فى أفلام درجة خامسة، والإحباط الذى وصل به لدرجة تصوره بأنه لو قُدر له أن يخرج من هوليوود بنصف عقل فسوف تكون تلك نعمة كبرى من الله، فقال له عندليب الصحافة: «لكنك حصلت على جائزة الأوسكار مرتين عن فيلمى «فيفا زباتا» و«شهوة الحياة».
فقال أنتونى كوين: «فيلم « فيفا زاباتا » نقطة تحول فى حياتى، وبدأت هوليوود تعاملنى بعده كنجم كبير»، فقال له محمود عوض معقباً: «ومع ذلك ما زلت تتحسر لأنك لم تصبح كاتباً؟»، فقال كوين: «نعم.. اعطنى مؤلفاً جيداً.. وأنا أغير لك العالم».
ويقول عندليب الصحافة: إن أنتونى كوين فاجأه بسؤال عن تفسيره للنجاح الهائل الذى حققه «فيلم زوربا» فى أنحاء العالم ؟، فبرر له سبب النجاح بالعمق الإنسانى لأن المؤلف «كازانتزاكس» رسم شخصياته فى الرواية بكل إنسانية، وأكد كوين أنه التهم كل مؤلفاته قبل أن يبدأ فى تمثيل رواية «زوربا»، وقال: إنه مدين بنجاحه لنفسه وليس لهوليوود التى تقود صناعة السينما بالتكنولوجيا فقط لأنها فى ذات الوقت مليئة بالنفاق، وقال: إنه أنجب 13 طفلاً.. ومع كل طفل تزداد الإنسانية عنده.
وأصبح كل همه أن يحميهم من تأثيرات بعض أفلام ومسلسلات هوليوود المليئة بالعنف والمخدرات والجريمة، واعترف بأنه يحب المال باعتباره وسيلة للسعادة وليست السعادة ذاتها، ويستطيع وهو فى الثمانين من عمره أن يجسد على الشاشة شخصياتٍ إنسانية بعمق زوربا، وفقر المكسيكى سانشيز، ونقيضه الملياردير اليونانى أوناسيس، وقال: إنه يحلم بتجسيد شخصية الرسام بيكاسو والروائى تولستوى، وخُلص عندليب الصحافة إلى أن أنتونى كوين إنسان يعيش حياته بالطول والعرض، ويؤمن بأن الحياة جميلة حين نحياها، بشرط الاحتفاظ بالبوصلة الصحيحة وبعدها نستطيع أن نقول: «إن أجمل الأيام كان..... غداً»!
«كنوز»
مبادرة «القرش» لتحرير الاقتصاد الوطنى
دفع انخفاض أسعار القطن فى المملكة المصرية، واستمرار استيراد الطرابيش من الخارج اثنين من طلاب كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول لطرح مبادرة مشروع «القرش» لإنقاذ الاقتصاد الوطنى وتحرير صناعة الطرابيش من خلال تبرع كل مواطن بقرش لبناء مصانع مصرية من عائد المبادرة لصنع الطربوش المصرى.
صاحبا المبادرة هما: أحمد حسين وفتحى رضوان، وتبنت حكومة صدقى باشا مشروعهما وأمرت بتقديم كل التسهيلات للمشروع الذى انتقده مصطفى باشا النحاس زعيم حزب الوفد الأكثر شعبية فى ذلك الوقت، وقال: إن هذا المشروع يؤدى إلى الانحراف بجهود الشباب عن قضية مصر الحقيقية، وهى الاستقلال، واتفق معه د. طه حسين الذى قال: إن المشروع يؤدى إلى هروب الشباب عن ثورة الفكر، وعارضهما أمير الشعراء بقصيدة دعم فيها المشروع بأبياتٍ تقول: «إجمع القرش إلى القرش.. يكن لك من جمعهما مال لبد».
وبلغت ثقة أحمد حسين فى عدالة ووطنية مشروعه أن دعوته تضمنت نبرة التهديد حين قال: «لا يفكر شخص فى الامتناع عن شراء طوابع القرش، فالمتطوعون مُكلفون بالتعرض لكل شخصٍ لا يحمل طابع القرش، والمتطوعون ألوف وألوف، إذن فخير لك أن تدفع».
مأساة سندريلا الغناء مع أطفال الجيران !
لا يعود إلى ذاكرتى هذا الحادث إلا وتحملنى طرافته على الإغراق فى الضحك، بدأت القصة عندما كنت أقيم مع أبى وبقية أفراد العائلة بمسكن بشارع فاروق، وكان صاحب البيت قد أجر الشقة التى تعلو شقتنا لعائلة حافلة بالأطفال الأشقياء، فلم نستمتع منذ قدومهم للسكن بالهدوء الذى كان يتسم به البيت، وحاولنا كثيراً حمل هؤلاء الأطفال على تخصیص وقتٍ معين يمارسون فيه شقاوتهم بغير جدوى، أصروا على إحداث الضجيج والإزعاج صباحاً ومساء، وضاق أبى بالسكنى فى ذلك البيت وفكر فى الانتقال لمسكن آخر، ولم يكن تفكير أبى فى ترك البيت الذى قضينا فيه زمناً طويلاً بالأمر الهين على نفسه، فقد كان البيت والحى كله له ذكريات فى حياتنا، ولذلك لم يشأ أبى أن ينتقل من الحى.
واضطر للبحث عن مسكن آخر فى نفس الحى، ولم يكن توافر هذا المسكن من الأمور الميسرة، ولما استحال البقاء فى مسكننا القديم بسبب شقاوة أطفال السكان الجدد، أبلغ أبى صاحب البيت بأننا سوف نقوم بترك الشقة ولم نكن قد عثرنا بعد على مسكن آخر، وحل موعد تركنا للمسكن القديم ونحن ما زلنا نبحث عن المسكن الجديد، وكان لا بد مما ليس منه بد، اضطررنا للانتقال لبيت أحد أقاربنا مؤقتاً حتى نعثر على الشقة المطلوبة، ولم يتراجع أبى عن موقفه مدفوعاً بكبريائه من ناحية، وشقاوة عفاريت الشقة العليا من جهة أخرى !
ورأی أن يكلف أحد سماسرة المساكن للبحث عن شقة تصلح لإقامتنا فى نفس الحى، كان السمسار يعود كل فترة ليعرض على أبى أوصاف الشقق التى وُفق فى العثور عليها، وكانت كلها لا تحوز رضاءه، وبعد أسابيع من البحث والاستقصاء، عاد السمسار مسروراً يفرك كفيه وقال لأبى : « بس يا عم .. لقيتها لكم ».
سأله أبی : فين؟
قال : فى نفس الحى اللى انت عايز تسكن فيه.
فقال أبى: عال وشكلها إيه ؟
قال: «نفس طلبك، أربع غرف واسعين، وعلى الشارع، وصالة يجرى فيها الخيل»، ومضى السمسار يصف لأبی محاسن المسكن الجديد الذى توصل اليه بعد مجهود من البحث كلفه بضعة أسابيع وكلف أبى بضعة جنيهات وأعُجب أبى بالشقة الموصوفة، وعندما عرض عليه السمسار أن يصحبه ليراها بنفسه رفض ذلك مكتفياً بما سمعه من وصفها، وأسرع أبى فأخبرنا بالاستعداد للانتقال إلى الشقة الجديدة ريثما يذهب مع السمسار إلى مالك البيت لكتابة عقد الإيجار، غادر أبى البيت مع السمسار، وبدأنا نحن نعد العدة للانتقال إلى المسكن الجديد، فأسرع أخى لإيجار سيارة نقل وضعنا عليها العفش وفيما نحن ننتظر، إذا بأبى يعود مكفهر الوجه وقد تصبب العرق على جبينه !!
فسألته: إيه.. أجرت الشقة ؟
قال فى غضب : أبداً !
قلنا جميعاً: ليه ؟
فقال: الشقة التى وصفها لنا السمسار طلعت نفس الشقة اللى سبناها !!
ليلى مراد
«الكواكب» - 16 مارس 1954
شارك آلاف المتطوعين فى «مشروع القرش» الذى حظى بدعم الأحزاب باستثناء حزب الوفد، وشاركت فرق الموسيقى العسكرية للترويج للمشروع بحفلاتٍ فى الشوارع، وظهرت فى هذه الفترة «تقاليع» للطرابيش دعت لاستبدال لون الطربوش الأحمر التقليدى بلون علم مصر الأخضر، وبلغت حصيلة المشروع فى العام الأول 17 ألف جنيه، وفى العام التالى 13 ألف جنيه، وتم إنشاء مصنع فى العباسية بالتعاقد مع شركة هاريتمان الألمانية افُتتح فى 15 فبراير 1933 وتوقف بعدها استيراد الطرابيش من خارج المملكة.
«اللطائف المصورة» - فبراير 1932
إدجار جلاد.. باشا صاحبة الجلالة
خصصت مجلة «المصور» زاوية أسبوعية بعنوان « أنا » يتحدث فيها نجوم القلم والفكر والفن والسياسة عن أنفسهم فى سطور موجزة، شخصية هذا الأسبوع للكاتب الصحفى الكبير «إدجار جلاد» صاحب جريدة «الزمان» المسائية، الذى منحه الملك الباشوية لأنه أسس جائزة فاروق الأول للصحافة الشرقية وكان ينظمها لتشجيع الصحفيين الشبان، وجائزة الصحافة العربية، فلنقرأ ما كتبه إدجار جلاد باشا عن نفسه:
«أنا الباشا المحرر» كما قال عنى دولة رئيس الوزراء إسماعيل صدقى باشا متهكماً، فأضفى عليّ تسمية نهائية أفخر بها، وتتوج حياتى الصحفية الطويلة، إن الجريدتين والمطبعة التى امتلكها، ليس مصدرها مالاً ورثته عن أبى، أو صفقة عقدتها فى البورصة، إنها ثمرة عملى كمحرر صحفى، وهذا العمل حققت به أحلامى، لأن الصحافة تجعل من الحياة جهاداً له نشوة تسكر، ولهذا أنا موقن من أن اليوم الذى يكف فيه الناس عن مهاجمتى والتقول عليّ، والتحدث عنى إن صدقا أو كذبا، يكون هذا اليوم خاتمة حياتى العامة، فانصرف عندئذ إلى زراعة الورود والأزهار فى حديقة لم أشترها بعد !
إدجار جلاد مجلة «المصور»
شيشة زويل!
بقلم: حمدى رزق
لفتتنى صورة نادرة لطيب الذكر الحائز على نوبل الدكتورأحمد زويل، من نوادر مقتنيات طيب الذكر كبير المصورين المصريين فاروق إبراهيم ، الصورة تنطق بالكلام، العالِم الكيميائى العالمى، المصرى الأمريكى، يدخن الشيشة فى مقهى بالحسين، الصورة تبرهن على بساطة عالم نوبل - الله يرحمه - والصورة بألف كلمة كما يقولون.
صورة عالمية بالمقاييس الصحفية، لا أعرف لماذا ادخرها «العم فاروق» طويلًا حتى نُشرت ضمن نوادر المعرض الذى أقيم لإبداعاته بمنطقة وسط البلد، والذى يحوى صورًا للمشاهير من أهل الفن والسياسة.
ما أسميه «غرام الشيشة»، ويشبه «غرام الأفعى» سماً زعافاً، والغَرَامُ التعلُّقُ بِالشَّىءِ تعلُّقًا لا يُستطاع التخلص منه، والغَرَامُ عذابٌ لازم، وشرٌّ دائم، ووقَع فى غرامها بمعنى أحبّها حبًّا شديدًا، طيب الذكر الروائى جمال الغيطانى، وقع فى غرامها طويلًا حتى استفاق على سمها، وخطورتها على صحته، فهجرها وهجر مقهى «عبد الله» فى باب اللوق، بعد أن كتب فيها مقالًا غراميًّا يحتفظ به أرشيفه الضخم، من عيون مقالات الغيطانى الأدبية الساخرة.
ومثله كثير ممن وقعوا فى غرام الشيشة، وكان هذا الغرام محل استغراب ودهشة طيب الذكر المحاور مفيد فوزى، وكان يسألنى معاتبًا : كفاية شيشة يا أخى، قل لى: ما وجه الغرام فى هذا القطران؟.. أبتسم متواريًا منه خجولًا، مغمغمًا بكلماتٍ غير مفهومة عن العشق الممنوع.
لماذا الشيشة محل هذا المقال، وقد أصبحت مثل وباءٍ، ينتشر ويتوغل، ويصيب بعض الشباب بعد أن استولى على كثير من الشيوخ؟!.
تدخين الشيشة للأسف بات طقسًا مرعيًّا فى الكافيهات الراقية، بعد أن ظلت رابضة كالحية الرقطاء فى قيعان المقاهى الشعبية الرطبة، وتسللت مؤخرًا إلى البيوت الراقية والمستورة والبسيطة، الشيشة دخلت البيوت، وإذا سألت، يجيبك فى غلالة دخان كثيفة، وبِثِقة المدخن وخبرته، المعسل أرخص من السجاير، وأخف منها تدخينًا، وهو فى قرارة نفسه يعلم بكذبه وهو يكذب، يكذب ويشد الأنفاس الثقيلة على صدره الضيق، يكاد يلفظ أنفاسه !!.
وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ، محسوبك خبرة ربع قرن من التدخين المتواصل حتى آخر نفَس، الشيشة كرشة نفس بالليل، وكحة مخيفة بالنهار، وتهاوى صحة بدنية ونفسية وعصبية طول الوقت، وحرق لعشرات الجنيهات شهريًّا.
لن أنقل هنا أسعار المعسل القص والسلوم والمزاج، ولا أسعار الفحم، ولا سعر حجر الشيشة التفاح فى الكافيهات، أسعار تخجل منها أسعار الفواكه والخضراوات، ولكن المزاج يحكم، لو حسبها المدخن معيشيًّا لخجل من نفسه.
الحمد لله، حديث الأرقام معاكس لأعلاه، وآخر التقارير والحمد لله تشير إلى تراجع استهلاك المعسل إلى ٦ آلاف طن العام الماضى بالمقارنة بـ ٩ آلاف طن فى العام السابق عليه، وهذا جيد وحسن.
ونرجو أن تتراجع معدلات استهلاك المعسل، ومرجعه كما فهمت إلى ارتفاع رسوم الترخيص بتقديم الشيشة للزبائن، وهذا قرار حكيم جدًّا يحافظ على الحد الأدنى من الصحة العامة التى تستنزفها الشيشة، حذارٍ الشيشة فيها سم قاتل، ولو على سبيل التسرية «تفاريح»، كما تقول صورة الدكتور أحمد زويل النادرة !.
من صفحة «مقالاتك»