تحالف مثير للجدل بفرنسا.. اليمين المعتدل والمتطرف «حبايب»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في خطوة مثيرة للجدل، أعلن زعيم اليمين الوسطي الفرنسي إريك سيوتي استعداده لتشكيل تحالف انتخابي مع اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، في الانتخابات التشريعية المقبلة. 

اقرأ أيضًا: ماكرون: لا أريد تسليم السلطة إلى اليمين المتطرف بانتخابات 2027

هذا التطور الدراماتيكي أثار موجة غضب واسعة النطاق في الساحة السياسية الفرنسية، حيث اتُهم سيوتي بالخيانة وفتح الباب أمام المتطرفين، في حين تلقي هذه الخطوة الضوء على الصراعات الحادة في الحياة السياسية الفرنسية، في ظل محاولات اليمين المتطرف اقتناص فرصة تاريخية للسيطرة على المشهد السياسي.

تحالف مثير للانقسام

وفقًا لما نقلته صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، رحب إريك سيوتي زعيم حزب "الجمهوريين" بإمكانية تحالف حزبه مع حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان. 

واعتبر سيوتي أن حزبه ضعيف لوحده في مواجهة "التهديدات" من قوى اليسار والوسط، مضيفًا أن فرنسا لم تكن يسارية إلى هذا الحد من قبل.

وفي محاولة لتبرير خطوته الجريئة، دافع سيوتي عن قراره بالتحالف مع حزب لو بان المتطرف، قائلًا إن حزب الجمهوريين الذي احتل المركز الخامس فقط في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، أصبح ضعيفًا جدًا لدرء "التهديد الذي يشكله اليسار والوسطيون للأمة الفرنسية". 

وأضاف سيوتي أن البلاد تشهد منعطفًا نحو اليمين لم يسبق له مثيل من قبل، وأنها تتطلع إلى إجراءات يمينية حقيقية، لا مجرد العجز والشعارات الفارغة والجمود السياسي الذي وصلوا إليه الآن مع حزبه التقليدي. 

واعتبر سيوتي أن حزب الجمهوريين لا يمكنه مواصلة المساومة وتأييد حكومة ماكرون التي "أضرت بالبلاد"، مشددًا على ضرورة تشكيل أغلبية جديدة في أقرب وقت ممكن.

تفاصيل التحالف المرتقب

في تصريحات لاحقة، أكد جوردان بارديلا رئيس حزب "التجمع الوطني" أن هناك اتفاقًا بين الحزبين سيشمل دعم عدد من المرشحين الحاليين أو الجدد لحزب "الجمهوريين". 

وأشار بارديلا إلى أن عدد المرشحين المشتركين قد يصل إلى عشرات، في إشارة إلى حجم التحالف المرتقب.

ورحبت لوبان بهذا "الخيار الشجاع" الذي تعتبره انحرافًا تاريخيًا للمعارضة اليمينية التقليدية عن مسارها ومبادئها الجمهورية الأصيلة التي تعود لعهد الجنرال ديجول نفسه. 

وبهذه الخطوة الجريئة، يكون سيوتي قد تخلى عن إرث حزبه العريق وخان مبادئه التقليدية من أجل تحقيق مكاسب انتخابية قصيرة الأجل.

ردود فعل غاضبة على التحالف

لقي قرار سيوتي ردود فعل غاضبة من قادة بارزين في حزبه وكذلك من وزراء في الحكومة الفرنسية، إذ اتهمه وزير الداخلية جيرالد دارمانان بـ "توقيع اتفاقية ميونيخ" في إشارة إلى الاتفاق التاريخي مع نازي ألمانيا عام 1938 الذي مهد الطريق أمام التوسع النازي. 

كما وصفه وزير العدل إريك ديبون-موريتي بأنه من "العار" لتقديم حزب الجنرال ديجول إلى لوبان على طبق من فضة.

ويبدو أن قرار سيوتي سيؤدي إلى انشقاقات داخل حزب "الجمهوريين"، حيث أكد العديد من القادة البارزين رفضهم التام لأي تحالف مع اليمين المتطرف. 

حث زافييه بيرتران، رئيس إقليم شمال فرنسا من حزب الجمهوريين، أولئك الذين يرغبون في الوقوف إلى جانب حزب التجمع الوطني المتطرف على الإعلان عن ذلك الآن بشكل صريح، مؤكدًا أنه لن يتحالف مع اليمين المتطرف ولو بان أبدًا، باعتباره خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.

وفي نفس السياق، أعلنت ماريون ماريشال، زعيمة حزب "ريكونكِر" اليميني المتطرف الجديد الذي أسسه إريك زيمور، فشل محاولاتها للتفاوض مع حزب لوبان من أجل تشكيل تحالف معه، مشيرةً إلى رفض الأخير أي ارتباط مباشر أو غير مباشر بزيمور.

ومن المرجح أن يشهد الحزب التقليدي صراعات داخلية حادة في الفترة المقبلة بشأن هذا الأمر.

جبهة يسارية لمواجهة اليمين المتطرف

على الجانب الآخر، تسعى أحزاب اليسار الفرنسية إلى تشكيل جبهة موحدة لمواجهة خطر تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة، لكن التناقضات والخلافات بين هذه الأحزاب قد تعرقل جهود تأليف تحالف يساري قوي قبل موعد الاقتراع المقرر في 30 يونيو و7 يوليو المقبلين.

بينما ينتظر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إعادة انتخابه بأغلبية برلمانية، تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم حزب "التجمع الوطني" بزعامة لوبان على نحو غير مسبوق، ما يزيد من احتمالات تمكن اليمين المتطرف وحلفائه في هذه الانتخابات الحاسمة التي ستحدد مستقبل فرنسا السياسي.

في ظل هذه التطورات الدراماتيكية، تبدو الساحة السياسية الفرنسية معرضة لهزات عنيفة في الأسابيع المقبلة، مع تصاعد الصراعات بين مختلف التيارات، وسعي اليمين المتطرف لاقتناص فرصة تاريخية للسيطرة على البرلمان الفرنسي.