قلعة صلاح الدين.. كنوز تاريخية «تحت القبة»| صور

قلعة صلاح الدين
قلعة صلاح الدين


مساجد ومتاحف وقصور، وحكايات تاريخية ارتبطت بالمناسبات الدينية داخل أسوار قلعة صلاح الدين العتيقة بالقاهرة، أشهر القلاع الحربية الإسلامية في العالم، وتعتبر القلعة التي تم تشييدها في القرن الثاني عشر الميلادي، رمزًا للقوة والصمود والتاريخ الغني.

القلعة ليست مجرد بناء عسكري، بل موقع يجسد فن العمارة الإسلامية، ويحتضن مجموعة من المعالم الفريدة التي تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.

وقال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، إن القلعة تضم العديد من المنشآت، 3 مساجد، هم جامع محمد على وجامع الناصر محمد وجامع سارية الجبل، و4 متاحف، هم المتحف الحربي ومتحف الشرطة ومتحف المركبات الملكية ومتحف قصر الجوهرة، و4 قصور، هم قصر الجوهرة وقصر الحرم وقصر الأبلق وقصر سراى العدل، وبئر هو بئر يوسف.

أنشأ القلعة صلاح الدين يوسف بن أيوب عام 572هـ، 1176م، ونقش هذا على باب المدرج من أحد أبواب القلعة، نصه " أمر بإنشاء هذه القلعة الباهرة المجاورة لمحروسة القاهرة التى جمعت نفعًا وتحسينًا مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين"، ولقد شيَّد صلاح الدين قلعتين في سيناء هما قلعة الجندي، وقلعته بجزيرة فرعون بطابا لمقاومة الصليبيين وكان له طريق خاص بسيناء يربط القلعتين.

وأوضح الدكتور ريحان، أن أسباب الإنشاء كانت لصد غارات الصليبيين ومقرًا للحكم فوق جبل المقطم فى موضع كان يطلق عليه قبة الهواء، وقام بالبناء وزيره بهاء الدين قراقوش وتُوفي صلاح الدين قبل اكتمال البناء الذى أكمله أخوه الملك العادل من أسوار وأبواب، وأكمل الملك الكامل الأبراج، وعددهم 18 برجًا تدعم أسوار القلعة، وأول من اتخذها دارًا للملك هو الملك الكامل.

ورسم علماء الحملة الفرنسية أقدم خريطة للقلعة في كتاب "وصف مصر"، وعندما احتلت بريطانيا مصر 1882 اتخذت القلعة مقرًّا لقيادة أركان الجيش البريطاني حتى عام 1946، حين جلاء الإنجليز من القلعة، وتم رفع العلم المصري عليها وتسلمها الجيش المصري، وظلّت تحت قيادته إلى أن تسلمتها هيئة الآثار المصرية عام 1983.

مساجد القلعة

ونوه الدكتور ريحان إلى جامع الناصر محمد الذى يعود إلى عام 718هـ/ 1318م وعُرف بالجامع الناصري نسبة إلى الناصر محمد، كما عرف بجامع الخطبة باعتباره الجامع الرسمي الذي تقام فيه صلاة الجمعة، مساحته أكثر من 3 آلاف متر مربع ويتسع لـخمسة آلاف مصلٍّ، له مئذنتان ومقصورة تحيط بالأروقة وقبة كبيرة حملت على أعمدة ضخمة من الجرانيت، وقبة هذا الجامع قبة خضراء تقع فوق المحراب تشبه قبة المسجد النبوى وهى من القِباب المتميزة في العصر المملوكى.

وكانت تتم صلاة العيد بهذا الجامع، حيث ينزل السلطان إلى الحوش السلطاني لتأدية صلاة العيد ويسمع الخطبة بجامع الناصر محمد بالقلعة، ويعود إلى الإيوان الكبير المشيد عليه حاليًا جامع محمد على حيث يمد سماط حافل للطعام بلغت تكاليفه فى بعض السنوات خمسين ألف درهم، وأخيرًا يخلع السلطان على الأمراء وأرباب الوظائف كما يفرج عن بعض المساجين.

جامع محمد على 

وتابع الدكتور ريحان، أن جامع محمد علي ويطلق عليه أيضًا جامع الألبستر أو مسجد المرمر لكثرة استخدام هذا النوع من الرخام في تكسية جدرانه، أنشأه محمد علي باشا 1830 إلى 1848م على الطراز العثماني، على غرار جامع السلطان أحمد بإسطنبول، وأضاف إليه عباس حلمي باشا الأول، محمد سعيد باشا، إسماعيل باشا، توفيق باشا، وكانت أضخم عملية ترميم في عهد فؤاد الأول الذي أمر بإعادة المسجد إلى رونقه القديم بعد أن أصابت جدرانه التشققات بفعل خلل هندسي، كما اهتم ابنه فاروق الأول من بعده بالمسجد وافتتحه للصلاة من جديد بعد إتمام عملية ترميمه.

شُيد المسجد في قسم من أرض قصر الأبلق داخل قلعة صلاح الدين الأيوبي، تخطيطه مستطيل ينقسم إلى قسم شرقي معد للصلاة، وقسم غربي، وهو الصحن الذي تتوسطه فسقية، ولكل من القسمين بابين متقابلين أحدهما جنوبى والآخر شمالى، القسم الشرقي مربع الشكل طول ضلعه من الداخل 41 مترًا، تتوسطه قبة مرتفعة قطرها 21 متر، وارتفاعها 52 مترًا عن مستوى أرضية المسجد، وهي محمولة على أربعة عقود كبيرة وتستند أطرافها على أربعة أكتاف مربعة، ومن حولها توجد أربعة أنصاف قباب، ونصف خامس يغطي بروز المحراب، بخلاف أربعة قباب صغيرة موزعة بأركان المسجد.

مسجد سليمان باشا الخادم 

وتستعرض «بوابة أخبار اليوم» أهم 7 معلومات عن مسجد سارية الجبل بقلعة صلاح الدين:

وقال الدكتور ريحان إن مسجد سليمان باشا الخادم المعروف بسارية الجبل والذى تم افتتاحه سبتمبر الماضى، أنشأه سليمان باشا الخادم أحد الولاة العثمانيين على مصر 1528 / 1529م.، وهو أول المساجد التي أنشئت بمصر على الطراز العثماني، يتكون من قسمين قسم مغطى بقبة في الوسط تحيط بها أنصاف قباب مزينة بنقوش ملونة تتخللها كتابات متنوعة ويكسو جدرانه من أسفل وزرة من الرخام تنتهي بشريط من الخط الكوفي المزهر بآيات قرآنية وبتوسط جداره الشرقي محراب ومنبر من الرخام، وبالجدار الغربي باب يؤدي إلى القسم الثاني.

والقسم الثاني مكون من صحن أوسط مكشوف فرشت أرضيته بالرخام الملون يحيط به أربعة أروقة تغطيها قباب محمولة على عقود ترتكز على أكتاف، وبالجهة الغربية من الصحن قبة صغيرة بها عدة قبور عليها تراكيب رخامية ذات شواهد تنتهي بنماذج مختلفة لأغطية الرأس التي كانت منتشرة في ذلك العصر.

1- أعمال الترميم الجارية بالمسجد بدأت في عام 2017 وتتم تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار.

2- المسجد مبني من حجر الفص النحيت طبقا للوثيقة الأصلية للمسجد.

3- المسجد يعتبر أول مسجد ينشئ في مصر على الطراز العثماني ومئذنته ذات القمة العثمانية المدببة وأول مثال للمئذنة العثمانية بمصر.

4- أنشاء المسجد سليمان باشا الخادم أحد ولاة الدولة العثمانية البارزين في عهد السلطان سليمان القانوني، سنة 1528م وذلك على أنقاض مسجد قديم كان قد شيده أبو منصور قسطة والي الإسكندرية في العصر الفاطمي سنة 1141م في هذا المكان قبل بناء القلعة.

5- يتكون تخطيط المسجد من قسمين أساسيين هما بيت الصلاة المغطى بقبة في الوسط تحيط بها أنصاف قباب ويمثل بيت الصلاة ويكسو جدرانه من أسفل وزرة من الرخام تنتهي بشريط كتابي من الخط الكوفي (الحرم) كما يضم التخطيط صحن مكشوف بين بيت الصلاة والميضأة والصحن يحيط به أروقة تغطيها قباب.

6- للمسجد منبر من الرخام الأبيض المحلى بزخارف محفورة فيه وبالجدار الغربي باب يؤدي إلى صحن مكشوف فرشت أرضيته بالرخام الملون وأحيط بأربعة أروقة تغطيها قباب محمولة على عقود ترتكز عليها أكتاف بنائه، ويكسو حائط الرواق الشرقي منها وزرة من الرخام الملون، وقد ألحق بالصحن من الجهة الغربية قبة صغيرة بها عدة قبور عليها تراكيب رخامية ذات شواهد تنتهى بنماذج مختلفة لأغطية الرأس التي كانت منتشرة في ذلك العصر. 

7- كانت قباب المسجد جميعها مكسوة بالقاشانى الأخضر والمنارة أسطوانية ذات تضليع ولها دورتان كل منهما تبرز عن البدن بواسطة مقرنصات متعددة الحطات وتنتهى من أعلى بمخروط تغطيه ألواح من القاشانى الأخضر وهذا الطراز من المآذن العثمانية ساد استعماله في أغلب المساجد التي أنشئت في العصر العثماني.

متاحف القلعة

يُعتبر قصر الجوهرة أحد أهم القصور الموجودة في قلعة صلاح الدين الأيوبي، يقع قصر الجوهرة إلى جانب جامع محمد علي أو قلعة محمد علي، وقد تحول إلى متحف على الرغم من أنه بني في الأساس ليكون مقراً لزوجة محمد علي باشا، الذي بناه عام 1814م ، كما أكدته رانيا إبراهيم باحثة في الأثار الإسلامية.

وأشار الدكتور ريحان إلى متاحف القلعة وهى متحف قصر الجوهرة، ومن مقتنياته ثريا تزن 1000 كيلوجرام، أهداها ملك فرنسا "لويس فيليب الأول" لمحمد علي باشا، وكذلك كرسى عرش محمد علي الذي أهداه له ملك إيطاليا، وهو قصر للضيافة في منطقة القلعة يضم مقتنيات خاصة بمحمد على باشا والهدايا التي تم إهداؤها لأسرة محمد علي حتى عهد الملك فاروق، ‏ شيد عام 1814م، وتعرض لحريق بعد فترة وأعيد افتتاحه عام 1983 .

ومتحف المركبات الملكية الذى تم افتتاحه عام 1983، وتحكى مقتنياته تاريخ العربات الملكية من عهد الخديوي إسماعيل حتى عهد الملك فاروق، بالإضافة إلى مجموعة من الملابس والإكسسوار الخاص بالخيول المخصصة لجر تلك العربات، كما يضم مجموعة من اللوحات الزيتية الجميلة بالإضافة إلى أحد التماثيل النصفية للخديوي إسماعيل.

والمتحف الحربى يقع فى الجزء الشمالى الغربى من القلعة الذى يطلق عليها  "قصور الحرم الثلاث" التي يشرف على جبل المقطم والحطابة وباب المدرج (مدخل القلعة) وقد أمر محمد علي باشا بإنشاء هذه القصور عام 1812 بداية بالقصر الأوسط ثم القصر الشرقي والغربي وكان يحيط بهم سور واحد مهدم الآن مما جعل الحديقة تنكشف أمام القصر الأوسط وهذه القصور الثلاثة تكاد تكون متشابهة في تخطيطها.

أنشىء المتحف الحربى عام 1937 بمبنى وزارة الدفاع القديم بشارع الفلكي في القاهرة ثم انتقل إلى مبنى مؤقت بجاردن سيتي عام 1938 وافتتح رسميًا بقصر الحرم بالقلعة في نوفمبر 1949، وأعيد تجديده وافتتاحه عام 1982، وتم تطويره بالتعاون بين وزارة الدفاع وهيئة الآثار وافتتح بعد التطوير عام  1988 وطُوّر مرة أخرى بالاشتراك مع جمهورية كوريا الديمقراطية عام 1990 وافتتح عام 1993، يضم المتحف عدة قاعات، قاعة المجد، قاعة الملابس، قاعة المدفعية، قاعة الأسلحة، عصر مصر القديمة، العصر الإسلامي، عصر أسرة محمد على باشا، قاعة نصر أكتوبر، قاعة الشهداء، ساحة العرض المكشوف.

ويقع متحف الشرطة في الجهة الشمالية الغربية من القلعة في المنطقة التي كان يطلق عليها "ساحة العلم" ، أفتتح عام 1986 ويضم صورًا لوزراء الداخلية منذ عام 1878م بدءًا بمصطفى رياض باشا وحتى عام 1984م وصورة شخصية لمحمد على باشا وأسلحة ودروع وخوذات وحراب بالإضافة إلى مجموعة من أوسمة الشرطة، ونبذة مختصرة عن أدهم الشرقاوى ونشاطه وبعض العملات المزورة والآلات المستخدمة في التزوير وقسم الاغتيالات السياسية ومعركة الإسماعيلية.


كما يعرض تطور الشرطة من عصر مصر القديمة وحتى العصر الحديث وصورتان لريا وسكينة ومقتنيات أجهزة الأمن المصرية قديمًا وحديثًا والأدوات المستخدمة في اقسام الشرطة والقرقونات وملابس أفراد الشرطة وبعض الصور لمشاهير الضباط.

بئر يوسف

بئر يوسف الشهير بالقلعة أو بئر الدوامة يقع جنوب مسجد الناصر محمد، وهى البئر الذى حفرها صلاح الدين بعمق 85 م، وعرف باسم "بئر يوسف" نسبة إلى الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب وهو صلاح الدين الأيوبى.

ذكر د. مصطفى وزيري، الأمين العام لمجلس الآثار الأسبق، أن بئر يوسف يقع بالناحية الجنوبية من جامع الناصر محمد بن قلاوون وقد اشتهر هذا البئر باسم يوسف، حيث نسبته الأساطير الشعبية إلى النبي يوسف عليه السلام، كما تسمى أيضا بئر الحلزون، وقد نسبه المؤرخون إلى بهاء الدين قراقوش الذي حفره بأمر من الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب".

أوضح "وزيري"، أن البئر عبارة عن ثلاث طبقات، يلتف حولها سلم حلزوني يضيق في الطبقة السفلى عنه في الطبقة الوسطى، وفي البئر ساقيتان واحدة في الطبقة السفلية تستخدم لرفع الماء إلى الطبقة الوسطى بواسطة قواديس تديرها دواب، ولبئر يوسف مستويان، العلوي الذي يبلغ عمقه نحو 45 متراً، وهو الأكثر اتساعاً وفيه ساقية تسحب المياه من أحواض مختلفة في أعلى المستوى السفلي الذي يصل عمقه إلى نحو 50 متراً، وفيه أيضاً سواقٍ لسحب المياه ورفعها إلى أعلى، باستخدام ثيران صغيرة كانت تنقل للعمل في الساقية العليا بعد أن تكبر، وتُذبح لاحقاً لتوزع على العاملين في البئر والجنود وساكني القلعة.

أشار "وزيري"، إلى أنه ذكر المؤرخ المقريزي وصفا لهذا البئر، حيث قال: "هذا البئر من العجائب استنبطها قراقوش وهذا البئر من عجائب الأبنية تدور البقر من أعلاها فتنقل الماء من نقالة في وسطها وتدور أبقار في وسطها تنقل الماء من أسفلها ولها طريق إلى الماء ينزل البقر إلى معينها في مجاز وجميع ذلك حجر منحوت ليس فيه بناء، وقيل أن أرضها مسامتة أرض بركة الفيل وماؤها عذب سمعت من يحكي من المشايخ أنها لما نقرت جاء ماؤها حلو فأراد قراقوش أو نوابه الزيادة فى مائها فوسع نقر الجبل فخرجت منه عين مالحة غيرت حلاوتها".