أمرت ببناؤه «الوالدة باشا».. مسجد الرفاعي تحفة تعكس قيمة التراث| صور

مسجد الرفاعي
مسجد الرفاعي

يُعد مسجد الرفاعي أحد التحف المعمارية والتراثية، الموجودة ضمن المعالم الدينية البارزة في مصر، بينما تمثل مقابر الأسرة المالكة شاهدة على عظمة وسحر التراث.

وفي السطور التالية نرصد كافة التفاصيل التاريخية عن المسجد العريق والمقابر الملكية..

حين تقترب من ميدان صلاح الدين بحي الخليفة، تجده عامرًا بالمساجد، حيث مسجد السلطان حسن ويقابله مسجد الرفاعي ومسجد المحمودية ومسجد قاني باي الرماح ومسجد جوهر اللالا.

بناء مسجد الرفاعي 

وقال خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للثقافة مقرر لجنة التاريخ والآثار، إن مسجد الرفاعي هو أحد المساجد الأثريّة الشهيرة بالقاهرة، والذى ارتبط بمقابر العائلة المالكة، وأمرت ببنائه خوشيار هانم والدة الخديوي إسماعيل سنة 1286هـ/1869م، وعهدت إلى حسين باشا فهمي بتنفيذ المشروع، ثم توقف البناء عام 1298هـ/1880م حتى وفاة خوشيار هانم 1303هـ/1885م، وظلَّ متوقفًا نحو 25 عام حتى عهد الخديوي عباس حلمي الثاني سنة 1905، والذي عهد إلى أحمد خيري باشا بإتمام المسجد، فكلّف المهندس هرتس باشا بإكمال البناء، فأتمه عام  1329هـ/1911م، وافتتح المسجد للصلاة في غرة شهر المحرم سنة 1330هـ/1912م، ويوجد بالمسجد مقبرتي الشيخين علي أبي شباك ويحيى الأنصاري، وكذلك مقابر الأسرة الملكية التي يرقد بها الخديوي إسماعيل وأمه خوشيار هانم وزوجاته وأولاده، والسلطان حسين كامل وزوجته والملك فؤاد الأول والملك فاروق الأول.

وأضاف الدكتور ريحان أن موقع المسجد قديمًا كانت زاوية الرفاعي المدفون بها الشيخ علي أبو شباك الرفاعي، والموجود قبره بالمسجد حتى الآن، ومنه اتخذ المسجد اسمه، وبعد إنشاء المسجد نُسبت التسمية إلى الشيخ أحمد بن علي الرفاعي المدفون بالعراق.

لافتة افتتاح المسجد

وفي نهاية طراز المسجد بالناحية الجنوبية الشرقية، تم تدوين «وقد تم بعناية الله تعالى هذا المسجد الشريف مسجد العارف بالله تعالى السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه حسبما صدر به أمر ولي النعم الجناب العالي خديوي مصر المعظم الحاج عباس حلمي الثاني أعز الله دولته وأعلى كلمته وذلك في سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وألف من هجرة من هو للأنبياء والرسل ختام عليه وعلى آله وصحبه أتم الصلاة والسلام».

ونوه الدكتور ريحان إلى خوشيار هانم منشئة الجامع، وهى سيدة تركية الأصل كانت إحدى زوجات إبراهيم باشا نجل محمد علي باشا والي مصر، وهي أم الخديوي إسماعيل ابن إبراهيم باشا الذي لقبت في عهده باسم «الوالدة باشا»، سكنت خوشيار هانم قصر الدوبارة في منطقة جاردن سيتي، وتوفيت عام 1303هـ/1885م عن عمر جاوز السبعين عاماً ودُفنت بمسجد الرفاعي.

وتم اختيار المعماري ماكس هرتس باشا لاستكمال أعمال البناء، وإجراء التعديلات على بناء المسجد بعد توقف دام 25 عامًا، وهرتس باشا هو مهندس مجري عاش في مصر من سنة 1880 إلى سنة 1914، وفي عام 1890 أصبح المهندس المسؤول عن صيانة المعالم الأثرية الإسلامية والقبطية بمصر.

 ووصل إلى رتبة الباشا وكان عضوًا في لجنة حفظ الآثار العربية القديمة، وهو أول مدير لدار الآثار العربية وتوفي في زيورخ بسويسرا سنة 1919.

الطراز المعماري لمسجد الرفاعي

وتابع الدكتور ريحان بأن هرتس باشا حرص خلال استكمال أعمال البناء وإجراء التعديلات على ألا يغيّر كثيرًا في مشروع حسين باشا المعماري، فأخذ في تقوية الجدران وتغيير التالف من الأبنية والعقود، واستخدم المواد التي كانت مودعة بمخازن المسجد على ذمة عمارته منذ عام 1880، فاستخدم الذهب المستورد من إسطانبول ومواد النجارة وبعض الكتابات التي أعدها الخطاط عبد الله بك زهدي، وقام بتكملة الناقص وتغيير التالف من كتابات خطاط القصر الملكي الشيخ مصطفى الحريري، كما استخدمت الأبسطة المصنوعة في مشاغل هركة بتركيا، والمشكاوات الزجاجية المصنوعة على طراز مشكاوات مساجد مصر الأثرية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلادي، ومنها نحو 240 مشكاة مطلية بالميناء صنعت في بوهيميا وزينت بكتابات قرآنية وتاريخية.

وعن عمارة مسجد الرفاعى يشير الدكتور ريحان إلى أن مهندسي المسجد حرصوا عند وضع تصميمه مجاراة مسجد السلطان حسن المجاور له في العظمة والارتفاع ليصبح حين إتمامه من خيرة المساجد التي أنشئت في القرن العشرين وأحفلها زخرفًا وأتقنها صناعة، فمساحة المسجد من الداخل تبلغ 6500 متر، الجزء المخصص للصلاة منها تبلغ مساحته 1767 متر، وبقية المساحة خصصت للمدافن والملحقات.

وللمسجد منارتان، أقيمتا على قواعد مستديرة مثل منارتي مسجد السلطان حسن، أما المداخل فهي شاهقة وتكتنفها العمد الحجرية والرخامية بتيجانها العربية، وحليت أعتابها بالرخام، وغطيت مداخلها بقباب وسقوف مزخرفة ومذهبة، وللواجهات شبابيك نحاسية ذات تصميم خاص.

يتوسط الواجهة الغربية المدخل الملكي الذي تكتنفه أعمدة حجرية ذات قواعد رخامية مزخرفة، وعلى يمين الداخل من هذا الباب مقبرة الملك فؤاد الأول في الركن الغربي القبلي للمسجد وهي مكسية بالرخام الملون، ويجاوره قبر والدته الأميرة فريال، ويقابل الداخل من الباب حجرة حليت بالنقوش الملونة وطُعمت بالرخام بها قبر الشيخ علي أبي شباك الرفاعي، وأُقيمت فوقها قبة حليت مقرنصاتها بالذهب والألوان وتتوسطها مقصورة خشبية راقية مطعمة بالسن والأبنوس، وفُتحت بأجناب الحجرة الأربعة أبواب تؤدي إلى المسجد، وبين البابين القبليين حجرة بها قبر الشيخ يحيى الأنصاري.

يتوسط الجدار الشرقي المحراب المحلى باطنه برخام دقيق ويكتنفه من جانبيه عمودان أبيض وأخضر، وعلى جوانب المسجد وفي وسطه أقيمت أكتاف بنواصيها عمد رخامية مزخرفة ومذهبة التيجان، أحضر الرخام اللازم لها من بني سويف وتركيا واليونان وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا، وعلى جانب المحراب منبر كبير طعمت حشواته بالسن والأبنوس وخشب الجوز ونقضت خوذته ومقرنصاته بالذهب، ويمثله في الفخامة كرسي المصحف، أما دكة المبلغ فهي مصنوعة من الرخام ومقامة على أعمدة رخامية حفلت بالنقوش المذهبة.

ويحتوى الجانب الشمالى على ستة أبواب، منها أربعة توصل للمدافن واثنان يوصلان إلى رحبتين بين تلك المدافن، ويوجد بالحجرة الشرقية أربعة قبور جميعها لأولاد وبنات الخديوي إسماعيل أحدها للمرحوم علي جمال الدين، والثاني للسيدة توحيدة هانم والثالث للسيدة زينب هانم، والرابع للمرحوم إبراهيم حلمي، وتعلو هذه الحجرة قبة حليت مقرنصاتها بالألوان، وعلى يسار هذه القبة من الجهة الغربية إحدى الرحبتين، ومنها يتوصل إلى القبة الثانية وبها قبران أحدهما للسيدة خوشيار هانم والدة الخديوي إسماعيل ومنشئة المسجد، والثاني للخديوي إسماعيل.

ويلي هذه القبة الرحبة الثانية التي يتوصل منها إلى القبة الثالثة المشتملة على قبور زوجات الخديوي إسماعيل وهم شهرت فزا هانم، جنانيار هانم، جشم آفت هانم، ويتصل بهذه القبة حجرة بها قبر السلطان حسين كامل ابن الخديوي إسماعيل يعلوها سقف ملون وكسيت جدرانها بأنواع الرخام الفاخر، وفُرشت تلك المقابر بالسجاد الفاخر وعلقت بها الثريات النحاسية والمشكاوات ووضعت بها كراسي المصاحف المطعمة بالسن والفضة، والمصاحف المذهبة والمباخر والشمعدانات الفضية.

إقرأ أيضا | مدير أوقاف أوسيم لـ «الأئمة»: علينا الاهتمام بالأنشطة الدعوية والقرآنية بالمساجد