خطة للتغيير الديموغرافى تواجه بصلابة الموقف العربى من رفض التهجير

«منطقة عازلة».. البديل الإسرائيلي لفشل احتلال غزة

جرائم الاحتلال في غزة
جرائم الاحتلال في غزة

■ كتب: أحمد جمال

عمد الاحتلال الإسرائيلي على تصدير خطط جديدة للرأى العام الدولى مفادها اتجاهه إلى إنشاء منطقة عازلة على حدود قطاع غزة شمالاً، والانتقال إلى ما أسماه المرحلة الثالثة من الحرب التى تهدف لحصر العملية البرية والاكتفاء بالضربات الجوية فى دلالة واضحة على فشل مخططات جيش الاحتلال فى السيطرة الكاملة على قطاع غزة مثلما أعلن عن ذلك مسبقاً، وبعد أن فشل فى تحقيق أهداف الحرب التى أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف بنيامين نتنياهو وتمثلت فى القضاء على حركة حماس وتحرير الراهن الإسرائيليين.

◄ إسرائيل تستهدف احتلال القطاع على فترات متباعدة

ورغم أن الخطوة الإسرائيلية المزعومة تعبر عن فشل عسكرى على الأرض غير أن إقامة منطقة عازلة وحشر عدد كبير من الفلسطينيين فى منطقة جغرافية أصغر مما كانت عليه فى ظل التدمير شبه الكامل للبنية التحتية فى القطاع يهدف بالأساس لتغيير البيئة الديموغرافية ودفع سكان القطاع للهجرة القسرية إلى الخارج، وهو ما يشى بأن الرغبة الإسرائيلية الأكبر فى إعادة احتلال القطاع مازالت قائمة وإن كانت تستهدف تحقيقها على فترات متباعدة بعد أن فشلت الآن فى دفع قواتها نحو الوصول إلى المناطق الجنوبية من قطاع غزة.

◄ صلابة المقاومة
ويمكن القول بأن صلابة المقاومة المسلحة فى قطاع غزة ونجاحها فى تكبيد الاحتلال خسائر فادحة فى القوات والعتاد إلى جانب الموقف القوى والصلب الذى تبنيه مصر برفض أى محاولات لتهجير أهالى قطاع غزة إلى سيناء يعدان من أبرز أسباب تعديل الخطط الإسرائيلية، هذا بالإضافة إلى الموقف العربى والإسلامى الموحد من مسألة رفض التهجير، وكذلك الانقلاب الواضح فى مواقف القوى الغربية التى دعمت إسرائيل فى بداية حربها التى تدخل شهرها الثالث مخلفة وراءها دماراً هائلاً وإبادة جماعية كانت سبباً فى استشهاد أكثر من 20 ألف مواطن فلسطينى أغلبهم من النساء والأطفال إلى جانب إصابة أكثر من 55 ألفا آخرين إلى جانب آلاف المفقودين.

وأفادت هيئة البث الإسرائيلية، أن جيش الاحتلال يستعد للانتقال إلى «المرحلة الثالثة» من الحرب فى غزة خلال الأسابيع المقبلة، مبينة أنه سيكون قتالا بشكل مستهدف، بعد أن شهدت المرحلة الأولى من الحرب غارات جوية وبرية وبحرية مكثفة، فيما تضمنت المرحلة الثانية اجتياحا بريا موسعا بالدبابات.

كما أوضحت الهيئة أنه «سيتم وقف الاجتياح البرى، وتسريح عناصر من قوات الاحتياط، وتقليص العمليات العسكرية، والانتقال إلى عمليات واغتيالات محددة، وإقامة منطقة عازلة آمنة داخل قطاع غزة»، وكجزء من المناقشات حول إعادة الانتشار، يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلى لتقليص عدد المقاتلين فى غزة، وتسريح جنود من الاحتياط، وإخراج المقاتلين بانتظام، والاستعداد للقتال بشكل مستهدف.

◄ مصيرها الفشل

وفيما أشارت الهيئة إلى أن الجيش يسيطر على جزء كبير من شمال قطاع غزة، ولا يزال بعيدا عن السيطرة على الجزء الجنوبى من قطاع غزة، خاصة فى خان يونس ورفح، حيث لا تزال هناك معارك طاحنة، وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، فإن معدل التقدم فى الجنوب بطيء نسبيا مقارنة بالتقدم فى شمال القطاع.

أوضح أسامة شعث، عضو مفوضية العلاقات الدولية بحركة فتح إن حكومة الاحتلال لديها خطة بالفعل لإقامة منطقة عازلة وتقول فى أهدافها العلنية إنها تساهم فى تأمين ما تسميه «غلاف غزة» من أى هجوم فلسطينى، أو أى هجمات برية باتجاه المستوطنات التى أقامها الاحتلال، لكن هذه الخطة قد يكتب لها الفشل، لأنه لم يعد هناك متسع لإقامة مناطق عازلة فى قطاع غزة الذى تبلغ مساحته الكلية 360 كيلومترا، كما أن القطاع يقع على منطقة طويلة على امتداد 40 كيلومترا بامتداد الحدود مع الاحتلال والساحل الفلسطينى، وبالتالى فإن عمق القطاع يتراوح ما بين 6 إلى 7 كيلومترات فقط.

وأضاف أن إقامة منطقة عازلة قد تمتد لقرابة 2 كيلومتر بحسب ما يزعم الاحتلال، ونتيجة لهذه الحسابات فإن المساحة الكلية للقطاع بعد اقتطاع هذا الجزء ستصل إلى 280 كيلومترا فقط يتركز فيها أكثر من مليونين ونصف مليون فلسطينى وهو ما يعنى صعوبة الحياة ويسبب ذلك ازدحاماً كبيراً باتجاه الضغط السكانى فى مناطق الغرب والجنوب، وإذا ما جرى تنفيذ المخطط سيتم تكديس السكان فوق بعضهم البعض وهو أمر غير منطقى، فضلا عن أن المنطقة العازلة لن تجدى نفعاً مع الشعب الفلسطينى.

◄ اقرأ أيضًا | 24 ساعة على حدود غزة| «آخرساعة» تلتقى المصابين الفلسطينيين في مصر

وأكد أن المستوطنات التى جرى اقتحامها فى السابع من أكتوبر كانت تبعد 25 كيلومترا عن غزة، وبالتالى فإن الحديث عن منطقة عازلة لن يحمى إسرائيل والحل الحقيقى الذى يتوجب على حكومة الاحتلال أن تفعله هى أن تتجه نحو تحقيق السلام مع الشعب الفلسطينى والامتثال لقرارات الشرعية الدولية والاتجاه نحو الحل السياسى والعيش جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين بدلاً من عمليات الاستيطان.

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، الأسبوع الماضى، أن الاحتلال شرع فى إقامة منطقة عازلة شمالى قطاع غزة، حيث تهدم 40 منزلا وعمارة يوميا، وأوضحت صحيفتا يديعوت أحرونوت ومعاريف أن عمق المنطقة العازلة يتراوح بين كيلومتر وكيلومترين.

كان أوفير فولك مستشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للسياسة الخارجية قد تحدث عن فكرة إقامة منطقة عازلة وكشف تفاصيل الخطة الإسرائيلية، وقال فى تصريحات إعلامية: إن «الخطة تحمل تفاصيل أكثر من ذلك. إنها تقوم على عملية من 3 مستويات للقضاء على حماس».، وفى معرض توضيحه لموقف الحكومة الإسرائيلية، قال إن المستويات الثلاثة تشمل تدمير حماس ونزع سلاح غزة والقضاء على التطرف فى القطاع.

◄ شعث: لن تجدى نفعًا.. وستكدس السكان فوق بعضهم

◄ خسائر فادحة
وفى هذا السياق شدد شعث فى حديثه لـ«آخرساعة»، على أن خطة الحرب على قطاع غزة هدفت بالأساس إلى تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه غير أن الرفض المصرى والعربى والدولى لعملية التهجير وأمام الصمود الفلسطينى الأسطورى على الأرض وفاتورة الدم التى دفعها الشعب الفلسطينى من أبنائه وأطفاله ونسائه جعل هناك استحالة عملية لنجاح خطة التهجير، وأن تلك الخطة ستفشل كما فشلت فكرة إغراق أنفاق القطاع وكما فشلت فكرة الهجوم البرى التى كانت أضراره على الاحتلال أكبر من أهالى القطاع، وكما فشلت أيضا من قبل خطط حصار غزة على مدار أكثر من 17 عاماً دون أى نتائج، وبالتالى فإنه من المتوقع أيضا أن تفشل خطط إقامة منطقة عازلة لعدم منطقيتها.

وأوضح أن نتنياهو يعانى من آثار فشله فى تحقيق خططه المعلنة التى تضمن هدفين رئيسيين وهما القضاء الكامل على المقاومة الفلسطينية إلى جانب تحرير أسراه، وقال نصا إنه لن يعود من غزة إلا بتحريرهم وهو أمر لم يتحقق، إلى جانب هدف ثالث تمثل فى تهجير أهالى القطاع، ومن ثم بدأت أفكار الحرب البرية لكنها تعرضت لخسائر فادحة، كما فشل فى تسويق أهدافه وتمريرها حتى على شعبه وأصبحت سمعته الدولية سيئة للغاية بعد أن كشف العالم كذبه مع التماهى فى بداية الحرب مع الأساطير الإسرائيلية التى حاولت تصويرها، وتغير المشهد بشكل كامل مع الجرائم الإسرائيلية فى القطاع.

وإلى جانب الأحاديث الإسرائيلية عن إقامة منطقة عازلة فى الشمال يأتى الحديث بشكل متزامن عن  نية حكومة الاحتلال السيطرة على محور فيلادلفيا الفاصل بين غزة والحدود المصرية الشرقية، إذ يمتد هذا الشريط الحدودى بين مصر وقطاع غزة، بطول 14 كم من البحر المتوسط شمالا وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبا.

◄ أمر مستحيل
بموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، هذا المحور هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005 فيما عرف بخطة «فك الارتباط».

وفى نفس العام وقّعت إسرائيل مع مصر بروتوكولًا سُمى «بروتوكول فيلادلفيا»، لا يلغى أو يعدل اتفاقية السلام، التى تحد من الوجود العسكرى للجانبين فى تلك المنطقة، لكن البروتوكول سمح لمصر بنشر 750 جنديا على امتداد الحدود مع غزة، وهى ليست قوة عسكرية بل شرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود.

بعد عامين سيطرت حركة حماس على هذا الممر الشائك الذى لا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، وذلك بعد سيطرتها على القطاع، ومع تضييق الخناق الإسرائيلى على غزة تجاوز الفلسطينيون هذا الممر والسياج الحدودى ليعبروا إلى الجانب المصرى.

وشدد أسامة شعث وهو أيضَا أستاذ للعلوم السياسية بجامعة القدس، على أن أحاديث الاحتلال عن نيته التواجد فى محور فيلادلفيا وإنشاء ممرات عازلة أسفل الأرض أمر بالغ الصعوبة أيضا، بل إنه مستحيل بشكل كبير لأن المحور يتشكل من الحدود المشتركة بين مصر وفلسطين، وليس من المتصور أن يستطيع الاحتلال أن يدخل إلى هذه المنطقة ويعبر من خلال معبر كرم أبوسالم ويعبر باتجاه المعبر ووصولا إلى البحر وسط مشاهدة الفلسطينيين الذين يلاصقون الحدود المصرية بـ100 متر فقط.

ولفت إلى أن سمك المحور لا يتجاوز 50 متراً وعرضا بـ15 كيلومترا، وهذا الخط عبارة عن خط حدودى ملاصق للحدود البرية الفاصلة وهناك طريق مار بجوار الحدود الدولية، وعلى الناحية الأخرى هناك طريق أسفلتى يتبع الجانب المصرى، وليس من المتصور أن تصل الدبابات الإسرائيلية إلى هناك ليستمر الاحتلال بحفر عمق الأرض بأكثر من 25 مترا لبناء جدار عازل لأن ذلك يستغرق عدة أشهر، كما أنه لن يفلح أيضا مع الشعب الفلسطينى، إذ إن الاحتلال أقدم على بناء جدار عازل حينما انسحب من غزة فى العام 2005.