حرب الأنفاق.. معركة الاستنزاف بين «حماس» وإسرائيل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

تحت الأرض تدور معركة شرسة ومريرة بين حركة حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، في ظلام حالك، بعيداً عن الأضواء والكاميرات. إنها حرب الأنفاق التي امتدت لسنوات طويلة، وما زالت مستمرة حتى اليوم دون أن يُرى لها نهاية قريبة.

فالأنفاق بالنسبة لحماس تمثل شريان الحياة والعصب الرئيس لجهازها العسكري. فهي التي تمكن المقاومة من التخفي والتنقل بسرعة ومهاجمة قوات الاحتلال دون كشف، لتنسحب بعد ذلك إلى باطن الأرض مجدداً في عمليات كر وفر.

ورغم إعلان إسرائيل مرارًا وتكرارًا عن تدمير مئات الأنفاق، إلا أنها تفاجأ في كل مرة بظهور مقاتلي حماس من فتحات أنفاق أخرى. مما يؤكد أن المعركة محتدمة ولن تنتهي قريبًا.

يستخدم الجيش الإسرائيلي تقنيات متطورة للكشف عن الأنفاق كالمسح بالموجات الكهرومغناطيسية وأجهزة قياس المقاومة الكهربية للتربة، بالإضافة إلى أجهزة GPR التي تقيس التجاويف تحت الأرض.

لكن القيام بهذه المهمة الشاقة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان والمباني وشبكات البنى التحتية، تمثل تحديات جمة تُعيق جهود الاحتلال وتطيل أمد المعركة.

وما يزيد الأمر تعقيداً هو تمتع حركة حماس بخبرة كبيرة في حفر وتشعب وتأمين الأنفاق بشكل يجعل من الصعب كشفها. فهي تحفر الأنفاق على مستويات وأعماق متعددة تتراوح بين 30 و70 مترًا تحت الأرض.

كما تتعمد تعقيد شبكة الأنفاق وربطها ببعضها البعض، بالإضافة إلى إنشاء مخارج ومداخل متعددة للنفق الواحد، ما يصعب مهمة تتبعها والسيطرة عليها.

وحتى بعد الوصول لنهايات الأنفاق ومداخلها، تواجه قوات الاحتلال مفاجآت أخرى من المقاومة على شكل حقول ألغام وعبوات ناسفة مزروعة داخل وحول فتحات الأنفاق لاستدراج الجنود وتفجيرهم.

أما محاولات إرسال الروبوتات أو إطلاق طائرات مسيرة لتفجير الأنفاق فقد باءت بالفشل، نظراً لتعقد شبكة وبنية الأنفاق ووجود حواجز فولاذية داخلها تحول دون وصول وانتشار تأثير التفجير.

من المستبعَد أن تلجأ إسرائيل إلى فكرة الحفر لتدمير الأنفاق، وذلك لأن عامل الوقت يداهمها، فلم يتبق لها سوى طريقتين، الغمر بمياه البحر، والأخرى استئصال المقاومة نفسها قبل تدمير الأنفاق.

تذهب إسرائيل إلى الخيار الأول، لكنه فيه معضلتان، الأولى أنه سيسبب ضغطاً سياسياً داخلياً بسبب أن الإغراق يعني قتل الأسرى الإسرائيليين في حالة كانوا بالأنفاق، الأمر الثاني فشل الأمر في حالة كانت تلك الأنفاق ليست متصلة في شبكات وإنما كل نفق أو اثنين متصلين بمفردهما. ربما تذهب إسرائيل باستخدام غازات سامة محرمة دولياً وضخها في الأنفاق كما فعلت في بعضها في حرب سيف القدس، وربما قد أعدت لهذا الأمر عدته، لكن في نهاية المطاف ما تريده المقاومة هو جعل فاتورة الحرب كبيرة على الاحتلال، وهذا يقتضي إطالة الوقت، وهو ما يسير فيه الاحتلال حتى لو أعلن عن تدمير 800 نفق.

كل هذه العقبات التي وضعتها حماس في طريق الجيش الإسرائيلي، جعلت من مهمة تطهير وتدمير الأنفاق أشبه بدخول متاهة مظلمة، يتيه فيها الجنود والآلات على حد سواء.

وهو ما عجزت إسرائيل عن تداركه حتى اللحظة، رغم مضي زمن على بدء حرب الأنفاق منذ عملية الرصاص المصبوب، إذ أن الوقت يمضي ببطء في هذه الحرب الاستنزافية، والجيش المدجج بالتكنولوجيا لا يزال غارقاً في معركة الفئران مع مجموعات المقاومة تحت الأرض.

وطالما بقيت شبكة الأنفاق قائمة وممتدة تحت أرض غزة.. ستبقى معركة الاستنزاف مفتوحةعلى مصراعيها، تلتهم الوقت والإمكانيات والأرواح، في نزاع قد لا ينتهي أبداً.