خلال شهرين من الحرب على غزة.. تُراث القطاع في أحضان الدمار بسبب القصف الإسرائيلي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر الماضي، خلف الاحتلال الغاشم آثارًا كارثية بكل زاوية في القطاع باستخدام كل وسائل التدمير الممكنة بدءًا بالغارات الجوية والقنابل ومدافع الدبابات وصولًا إلى الجرافات المصفحة، محطمًا البنى التحتية ومرافق الحياة الأساسية وكذلك الأماكن الدينية والمستشفيات والمدارس والمؤسسات الطبية والتعليمية، لكن لم يتوقف الدمار عند حدود الحياة اليومية، ولم تتساوَ أمام هذه الحملة الهمجية حتى التراث التاريخي والثقافي للقطاع لتُدمر عشرات المعالم التاريخية التي كانت جزءًا لا يتجزأ من هوية غزة.

وخلال شهرين فقط من بداية الحرب على غزة، دمر الاحتلال الإسرائيلي، بفعل غاراته القاسية، العديد من المواقع الأثرية في القطاع ليضاف عدد من تراث غزة أيضًا في أحضان الدمار بجانب كل الخراب الذي خلفه الاحتلال طوال هذه الفترة، مدمرًا جوامع وكنائس ومقابر تاريخية، بالإضافة إلى مكاتب تحمل وثائق تاريخية وغيرها من المواقع الثقافية والتراثية المهمة.

وتشير دراسة حديثة أجرتها مجموعة "التراث من أجل السلام"، والتي نُشرت نتائجها في السابع من نوفمبر الماضي، إلى واقع مأساوي ومؤلم نتيجة للعنف الذي خلفته القوات الإسرائيلية في غزة خلال الحرب الأخيرة، إذ دمر الاحتلال أكثر من 100 موقع ومعلم أثري في القطاع.

ونستعرض لكم خلال ذلك التقرير، أبرز المعالم التاريخية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي على مدار شهرين من الحرب على غزة.


تدمير أقدم مسجد تاريخي بفلسطين وثالث أكبر كنيسة بالعالم

من بين المعالم التاريخية التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي وسط التصاعد الأخير في غزة، هو المسجد العمري الكبير، وهو أحد أهم وأقدم المساجد في تاريخ فلسطين التي تجسد التراث الديني والثقافي وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".

كما ألمَّت الأضرار بكنيسة القديس برفيريوس في يوم 19 أكتوبر الماضي، والتي تعتبر ثالث أقدم كنيسة في العالم، وبسبب القصف سقط سقف الكنيسة على رؤوس من فيها وتوفى 17 مسيحيًا بحسب هيئة الأرثوذكسية.

تدمير مقبرة كانت مصدرًا لمعرفة تراث غزة  

بالإضافة إلى ذلك، تأثرت مقبرة رومانية تاريخية تعود إلى ما يقرب من 2000 عام في شمال غزة، حيث كانت مصدرًا للتنقيب والدراسة العلمية، إذ يفترض أنها تحمل أسرارًا تاريخية هامة، وليس هذا فقط، بل أيضًا تعرَّض متحف رفح في جنوب غزة إلى دمار يُعتبر خسارة للمتحف الذي كان يجمع بين الباحثين والمهتمين لاستكشاف تاريخ وتُراث القطاع.


تدمير متاحف ومباني تاريخية 

وبحسب وزارة الثقافة الفلسطينية، فإن طائرات الاحتلال لا تزال تلقي بظلالها الدموية على التراث التاريخي والثقافي في قطاع غزة، حيث قصفت 8 متاحف بشكل مروع، من بينها متحف رفح ومتحف القرارة ومتحف خان يونس، ولم يكتف الاحتلال بدمار بذلك، بل امتد ليشمل معظم أجزاء البلدة القديمة في مدينة غزة، حيث تضررت عشرات المباني التاريخية.


الدمار طال أكثر من 100 موقع تاريخي

وبالرغم من موجب اتفاقية لاهاي لعام 1954، التي وقع عليها الفلسطينيون والإسرائيليون، لحماية المعالم التاريخية من ويلات الحروب، إلا أن التقرير الصادر عن "مبادرة التراث من أجل السلام" أظهر الدمار الكبير الذي طال حوالي 23 معلمًا أثريًا وتراثيًا في قطاع غزة، بالإضافة إلى أكثر من 70 منزلاً أثريًا، وتدمير مركز المخطوطات والوثائق القديمة بالكامل، وفي إطار التدمير الواسع الذي شنه الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب، لم تسلم 9 دور نشر ومكتبات من الدمار، فضلًا عن الأضرار التي ألحقت بعدد من المراكز الثقافية بشكل كلي أو جزئي، حيث كان من ضمنها 21 مركزًا.

وفي سياق الأضرار الواردة في التقرير، تضمنت القائمة معالم هامة في القطاع قد دمرت، منها كنيسة جباليا البيزنطية، وكنيسة برفيريوس الأرثوذكسية، والمسجد العمري، ومسجد الشيخ شعبان، ومسجد الظفر الدمري، ودار السقا الأثرية، وتل المنسطر، والمقبرة الإنجليزية، ودير القديس هيلاريون، وتل السكن، وتل 86 بالقرارة، وسوق مازن، ومقام خليل الرحمن، وتل رفح الأثري، ومسجد السيد هاشم، وقصر الباشا، والمقبرة الإنجليزية، ومقام الخضر وسط دير البلح، ومتحف دير البلح، وموقع الفخاري، ومقام النبي يوسف.


«التراث من أجل السلام»: اختفاء تراث غزة خسارة هائلة لهوية سكانها

وقال رئيس مجموعة "التراث من أجل السلام"، إسبر صابرين: "إنه في حال اختفاء هذا التراث في غزة، ستكون هذه خسارة هائلة لهوية أهالي غزة". 

وأكد صابرين، على أن المنظمة تعتزم متابعة جهود المسح ومراقبة حالة المعالم الثقافية في غزة خلال الأشهر المقبلة، سواء على الأرض بالتعاون مع السكان المحليين، أو باستخدام صور الأقمار الصناعية.


صعوبة الحصول على تقييم كامل بأضرار مواقع التراث

وفي ذات السياق، أشار مدير المتاحف والحفريات في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، جهاد ياسين، إلى أنه يصعب حاليًا الحصول على تقييم كامل للمواقع التراثية المتضررة أو المدمرة في غزة، نظرًا للظروف الصعبة على الأرض.

ويضم قطاع غزة العديد من المباني التراثية التي يرجع تاريخ بعضها إلى العصور المملوكية والعثمانية، وتقع معظمها في الأحياء التاريخية لمدينة غزة.

أما وقبل تصاعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، فقد كانت المعالم السياحية في القطاع عرضة للخطر من حين لآخر بسبب القصف الإسرائيلي، ورغم الحرب الدائرة في القطاع والأزمات التي طالت كل جهة في القطاع، إلا أن هذه المباني والمعالم التاريخية تشكل بالطبع جزءًا مُهم وحيوي من الهوية الوطنية والتاريخ الطويل لغزة.