«س وج» حول انتهاكات حقوق الإنسان في غزة والتكييف القانوني للجرائم المرتكبة (2)

الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة
الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة

ترصد "بوابة أخبار اليوم" س وج الحلقة الثانية حول انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتكييف القانوني للجرائم المرتكبة، وذلك للتعرف بشكل قانوني على الجرائم التي ترتكب في حق فلسطين.

اقرأ أيضا|«س وج» حول انتهاكات حقوق الإنسان في غزة والتكييف القانوني للجرائم المرتكبة


1. ما هو الاحتلال؟
بذور الاحتلال تنبع من الاستعمار منذ أوائل القرن العشرين، عندما سيطرت الإمبراطورية البريطانية لأول مرة على ما كان يعرف آنذاك بالانتداب على فلسطين بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

وتصاعدت الجهود الصهيونية للتوطين وتعزيز الوجود اليهودي في فلسطين إلى حين تحقيق وعد بلفور في عام 1917، إذ جرت الموافقة الرسمية على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ويعد هذا الوعد الأساس القانوني الذي سهل للصهاينة عملية تأسيس ما يسمى "بالدولة".

وفي عام 1947، اتخذت الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهودية ودولة فلسطينية. وتبع ذلك إخلاء أكثر من 700 ألف فلسطيني وقتل ما يقرب من 15000 شخص من قبل العصابات الارهابية فيما عرف بالنكبة، فضلاً عن التعدي الإسرائيلي البربري على الأراضي الفلسطينية عبر ارتكاب مجازر في مناطق متعددة من فلسطين بدأت منذ العام 1937.

في 14 مايو 1948، وهو اليوم الذي انتهى فيه الانتداب البريطاني على فلسطين، اجتمع مجلس الشعب اليهودي في متحف تل أبيب معلنًا قيام دولة إسرائيل. تم الاعتراف بالدولة الجديدة في تلك الليلة من قبل الولايات المتحدة وبعد ثلاثة أيام من قبل الاتحاد السوفييتي.


 
2. هل لإسرائيل حدود؟
تعدّ الحدود السياسية لإسرائيل من أكثر الأمور المثيرة للجدل عالمياً فهي لم تعلن حدودها الرسمية بالكامل منذ إنشائها عام 1948.


3. ما هو التوصيف القانوني للاحتلال؟
تُعتبر فلسطين وسائر الأراضي العربية المحتلة مناطق تحت الاحتلال حين أنها تحت سلطة جيش العدو.
 

إن الأرض الفلسطينية المحتلة هي أرض خاضعة لاحتلال عسكري من قبل قوة احتلال وينطبق عليها القانون الدولي الإنساني. ان إسرائيل كقوة احتلال occupying power كما توصفها الأمم المتحدة موجبة بالتزامات قوة الاحتلال المنصوص عليها في الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية في معاهدات لاهاي في 18 أكتوبر 1907، واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12أغسطس 1949 والقانون الدولي العرفي.

ولكن دأبت الحكومة الإسرائيلية على الطعن في تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة بحكم القانون على الوضع السائد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أنها تقبل التطبيق بحكم الأمر الواقع لما تسميه "الأحكام الإنسانية" للاتفاقية. في أعقاب النزاع المسلح الدولي بين إسرائيل والدول المجاورة لها عام 1967، بدأت القوات المسلحة الإسرائيلية بممارسة سلطتها على مناطق وسكان جدد. وبالتالي، تعتبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر تلك الأراضي خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، مؤكدةً انطباق قانون الاحتلال بحكم القانون (قواعد لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة).  


وينطبق القانون الدولي الإنساني على جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، وبعبارة أخرى إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وتبقى القدس الشرقية جزءا لا يتجزأ من الضفة الغربية وقد أكد مجلس الأمن مراراً وتكراراً استمرار تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على القدس الشرقية.


تعتمد المحكمة العليا في إسرائيل في الأساس على قانون الاحتلال في أحكامها القضائية. أما بالنسبة للسلطة المحتلة إسرائيل، فهي تقبل انطباق قواعد لاهاي بحكم القانون وانطباق اتفاقية جنيف الرابعة بحكم الواقع، والتي تمثل الصكوك الرئيسية المنظمة لقانون الاحتلال.

وبعبارة أخرى ليس صراعًا دوليًا بين دولتين أو أكثر ذات سيادة وبالتالي فلن يُحكم النزاع بقوانين الحرب بأكملها، بل بالمادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع إلى جانب العديد من قواعد القانون العرفي. ولكن الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي تنظر إلى إسرائيل باعتبارها تحتل غزة في واقع الأمر ــ وهي وجهة النظر المبنية على حقيقة مفادها أن إسرائيل تسيطر على حدود غزة ومجالها الجوي، كما أنها تزودها بأغلب احتياجاتها من الكهرباء والماء وغيره. إذا فإن اندلاع الأعمال العدائية مؤخرًا بين حماس وإسرائيل من شأنه أن يؤدي إلى تفعيل قوانين الحرب برمتها.


4. هل لإسرائيل -كقوة احتلال- الحق بالدفاع عن النفس؟؟


تستند قوانين النزاع المسلح بشكل أساسي على توازن بين الدواعي الإنسانية من ناحية والميزة العسكرية والضرورة من ناحية أخرى. وعرفت محاكمات نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية الضرورة العسكرية بأنها إذن باستعمال "أي كمية ونوع من القوة لإجبار العدو على الخضوع الكامل ..." طالما أن تدمير الحياة والممتلكات لا يتم للانتقام أو شهوة القتل. وبالتالي، فإن الاستخدام المسموح به للقوة أثناء الحرب، رغم توسعه، ليس بلا حدود.


وحسب القانون الدولي يعد الدفاع عن النفس هو المبرر القانوني للدولة للشروع في استخدام القوة المسلحة وإعلان الحرب مع الحد من الشروع في استخدام القوة المسلحة وفقا للمادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة؛ وتبريره الوحيد، الوارد في المادة 51، هو الرد على هجوم مسلح (أو تهديد وشيك بهجوم وفقا للقانون العرفي بشأن هذه المسألة).
وتعد الطريقة القانونية الأخرى الوحيدة لبدء الحرب، وفقا للمادة 51، هي بموافقة مجلس الأمن للدفاع عن السلام والأمن الدوليين أو استعادتهما.
وبمجرد بدء النزاع المسلح، وبصرف النظر عن سبب هذا النزاع أو شرعيته، يبدأ العمل بالإطار القانوني لقانون الحرب. لذلك، عندما يكون الاحتلال قائما بالفعل، فإن الحق في الشروع في استخدام القوة العسكرية ردا على هجوم مسلح، بدلا من استخدام قوة الشرطة لاستعادة النظام، ليس وسيلة انتصاف متاحة لدولة الاحتلال.
ويحظر قانون الاحتلال على قوة الاحتلال الشروع في استخدام القوة المسلحة ضد أراضيها المحتلة. وبمجرد وجود احتلال عسكري، فإن هجوما مسلحا، بما في ذلك هجوم يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة، قد وقع بالفعل وتم الانتهاء منه. لذلك فإن حق الدفاع عن النفس في القانون الدولي، بحكم تعريفه منذ عام 1967، غير متاح لإسرائيل فيما يتعلق بتعاملها مع التهديدات الحقيقية أو المتصورة النابعة من سكان الضفة الغربية أوقطاع غزة. ولتحقيق أهدافها الأمنية، لا يمكن لإسرائيل أن تلجأ إلى أكثر من سلطات الشرطة، أو الاستخدام الاستثنائي للقوة العسكرية، المخولة لها بموجب القانون الدولي الإنساني. هذا لا يعني أن إسرائيل لا تستطيع الدفاع عن نفسها - لكن هذه التدابير الدفاعية لا يمكن أن تتخذ شكل حرب ولا يمكن تبريرها على أنها دفاع عن النفس في القانون الدولي.
إن القول بأن إسرائيل تستخدم "الدفاع عن النفس" المشروع عندما تهاجم غزة عسكريا كونها لها حق القوة المحتلة في استخدام القوة الشرطية والعسكرية في الأراضي المحتلة لا بمكن تبريره على أنه دفاع عن النفس في الأراضي التي هي مسؤولة عنها بصفتها المحتل. ان المشكلة تكمن في أن إسرائيل لم تنظم أبدا سلوكها في الضفة الغربية وقطاع غزة وفقا لقانون الاحتلال.
منذ بداية احتلالها في عام 1967، رفضت إسرائيل تطبيق القانون الإنساني الدولي على الأرض الفلسطينية المحتلة. وعلى الرغم من فرض الحكم العسكري على الضفة الغربية وقطاع غزة، أنكرت إسرائيل تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.
وقد رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلا عن محكمة العدل العليا الإسرائيلية موقف الحكومة الإسرائيلية رفضا قاطعا. ومن الجدير بالذكر أن محكمة العدل العليا تعترف بمجمل قواعد لاهاي وأحكام اتفاقيات جنيف لعام 1949 المتعلقة بالاحتلال العسكري كقانون دولي عرفي.


ولتبرير استخدامها للقوة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، شرعت إسرائيل بالاستناد للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تسمح باستخدام القوة دفاعا عن النفس. ولذلك تعمدت إسرائيل وصف جميع أعمال العنف الفلسطينية - بما في ذلك تلك الموجهة حصرا ضد أهداف عسكرية مشروعة - بأنها أعمال إرهابية.


وقد تناولت محكمة العدل الدولية هذه المسائل في تقييمها للاستخدام المسموح به للقوة في الضفة الغربية المحتلة في قرارها لعام 2004 المعنون "الآثار القانونية على تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة". وعللت محكمة العدل الدولية ذلك بأن المادة 51 تنص على هجوم مسلح من قبل دولة ضد دولة أخرى وأن "إسرائيل لا تدعي أن الهجمات ضدها تنسب إلى دولة أجنبية". علاوة على ذلك، رأت محكمة العدل الدولية أن التهديد لإسرائيل "ينشأ داخل الضفة الغربية المحتلة وليس خارجها"، فبالتالي، فإن الحالة تختلف عن الحالة المتوخاة في قراري مجلس الأمن 1368 (2001) و1373 (2001)، وبالتالي لا يمكن لإسرائيل بأي حال من الأحوال أن تحتج بهذين القرارين لدعم ادعائها بأنها تمارس حق الدفاع عن النفس. وبناء على ذلك، تخلص المحكمة إلى أن المادة 51 من الميثاق لا صلة لها بهذه القضية.


أن نقاط الضعف في ادعاء إسرائيل بالدفاع عن النفس لتبرير أفعالها في الصراع الأخير في غزة تكمن في عدم وجود سوابق في القرارات الدولية لتبرير القيام بأعمال عدوانية. أن الحكم الذي أصدرته المحكمة في عام 1968 لصالح نيكاراغوا ضد أميركا يكشف أن الممارسة المشروعة للدفاع عن النفس من غير الممكن أن تجرد دولة أخرى أو كيان من السيادة والحق في تقرير المصير.