أستاذ قانون يفسر كيف حصلت سيدة فاقوس على البراءة؟

الأم قاتلة طفلها
الأم قاتلة طفلها

الشرقية:‭ ‬إسلام‭ ‬عبد‭ ‬الخالق

 أسدلت محكمة جنايات الزقازيق في محافظة الشرقية الستار على واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها البشرية طوال تاريخها؛ إذ قضت المحكمة بـ براءة أم من قتل ابنها الطفل وتقطيع جثته إلى أشلاء وطهي بعضها وأكله، وأمرت بإيداع المتهمة مستشفى العباسية للصحة النفسية والعصبية لتلقي الرعاية اللازمة.

ما ارتكبته المتهمة من قتل وإزهاق روح ولده الطفل ليس محلًا للنقاش أو الجدال، وإنما ردود أفعالها بعد ضبطها وحديثها أمام جهات التحقيق والمحكمة، وحتى أطباء النفس، ذاك ما كان محور التناقض ومثار علامات التعجب التي طالت ردود الأفعال في الشارع وأثارت اهتمام العامة وغضبهم تارة، وتعاطفهم تارةً أخرى مع طبيعة النفس البشرية وفطرتها التي خلقها الله عليها من براءةً وطيبة ونقاء من الدنس والأَثام.

المتهمة هناء محمد حسن حتروش «سيدة فاقوس» كما عرفها الجميع واشتهرت بذاك الاسم ظلت شديدة الإصرار على الاعتراف بجريمتها مرارًا وتكرارًا، حتى أنها تحدثت ذات مرة أثناء محاكمتها بأن ما ارتكبته من جريمة قتل طفلها وتقطيع جثته وطبخ بعضها وأكله كان محض خطأ لا يستوجب الإعدام على حد وصفها، بيد أن لجنة خماسية من الطب النفسي كانت السبب في تبرِئتها؛ حين أصدرت تقريرًا تبع فحص المتهمة وأكد على عدم مسؤوليتها عما ارتكبته من جُرمٍ، لتقضي المحكمة في النهاية بالبراءة.

الجريمة التي تعود تفاصيل حدوثها إلى عشية الأربعاء الأخير من شهر أبريل من العام الجاري حدثت بعد أحداث ليست بالقليلة، ربما كانت مقدمة لما أقدمت عليه الأم القاتلة «غير السوية»، إلا أن أحدًا لم يحاول التدخل لنجدتها وابنها الطفل المجني عليه؛ لما عاشته وطفلها في ظل وضع غير آدمي ولا يسمح للحياة والمعيشة بصورة طبيعية بالمرة على أطراف ناحية أبو شلبي التابعة لقرية سوادة في نطاق مركز شرطة فاقوس.

النيابة العامة كانت قد أصدرت بيانًا بشأن الواقعة بعد ضبط المتهمة وإجراء المعاينات اللازمة والتحقيقات، وأكدت النيابة العامة وقتذاك على أنها قد لاحظت وتابعت عن كثب ما تم تداوله بمواقعِ التواصل الاجتماعي والمواقعِ الإخبارية المختلفة من تكهنات وتأويلات كاذبة وغير صحيحة آنذاك، إما عن كيفية ارتكاب الواقعة أو سببها أو الباعث من ورائِها، بل استطالت -دون سند جازم- إلى ادعاء اختلال القُوَى العقلية للمتهمة أو صحتها النفسية كسبب لارتكابها للجريمة، وهو ما لم تسفر عنه التحقيقات، بل توصلت إلى عكسه، حيث رجحت شواهد وأمارات عديدة سواء خلال إجراءات المعاينة، أو استجواب المتهمة، أو سؤال الشهود، رُجحانَ سلامة قواها العقلية والنفسية.

بعد عدة جلسات من القضية، وبالتحديد في الجلسة الثامنة من جلسات المحاكمة، استمعت المحكمة للجنة الخماسية من أساتذة الطب النفسي في جامعتي الزقازيق والمنصورة، التي كلفتها بـ فحص سيدة فاقوس المتهمة بقتل ابنها وتقطيع جثته وأكل بعضها، وبيان مدى مسؤوليتها عن الجرم الذي ارتكبته والباعث وراء الجريمة، حيث ضمت اللجنة الخماسية في عضويتها كل من: الدكتورة فاطمة محمد شريف، أستاذ ورئيس قسم الطب النفسي في جامعة الزقازيق، والدكتور وائل محمد أحمد، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، والدكتور محمد جمال سحلو، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، والدكتور أسامة محمود يوسف، أستاذ الطب النفسي.

هيئة المحكمة طالعت تقرير اللجنة الخماسية وقتها بشأن فحص المتهمة، حيث أوضح تقرير اللجنة الخماسية أنه من مناظرة المتهمة في مناسبتين ومراجعة ما أجري لها من فحوصات، والإطلاع على ملف القضية وما تضمنه ومناظرة بعض الشهود ومناقشتهم في أقوالهم، ارتأت اللجنة أن المذكورة كانت تعاني وقت ارتكاب الجريمة من أعراض اضطراب ذهاني أفقدها الاستبصار والحكم الصائب على الأمور مع وجود قصور في القدرات العقلية، وذكر التقرير أن المتهمة قد ارتكبت جريمتها تحت تأثير حالتها المرضية وهي فاقدة للإدراك والإرادة، وعليه فهي تعتبر غير مسؤولة عن فعلها الإجرامي المذكور.

امتناع المسؤولية

وهما يفسر لنا الدكتور حسام لطفي، أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة بني سويف، حكم محكمة جنايات الزقازيق بـ براءة المتهمة من تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار لابنها الطفل وتقطيعها جثته إلى أشلاء وطهي بعضها والأكل منه، والذي نص كذلك على إيداع المتهمة في مستشفى العباسية للصحة النفسية والعصبية لتلقي الرعاية اللازم، قائلا: أننا بصدد امتناع عقاب لامتناع المسؤولية، وأن هيئة المحكمة قد التزمت برأي الخبير المنتدب في هذا الشأن.

القضية بلغ عدد شهود الإثبات فيها 16 شاهدًا، رغم اختلاف حديثهم إلا أن جميعهم اتفقوا على شئ واحد؛ ألا وهو أن المتهمة لم تكن ظروفها أو ردود أفعالها طبيعية لا تثير الشكوك، ولعل ابرز الشهادات ما تحدثت به الشاهدة الأولى، جارة المتهمة وصديقتها المقربة، التي أوضحت أن المتهمة منذ انفصالها عن زوجها والد الطفل المجني عليه وهي تقيم رفقة أهلها، ومنذ ذاك الحين نشبت بين المتهمة وأهلها العديد من الخلافات بسبب توجسها من والدتها وزوجة أخيها لميلهما إلى ضم حضانة المجني عليه إلى والده، بينما هي متمسكة بحضانته لحبها الشديد له وخوفها الزائد عليه من أي ضرر يصيبه وارتيابها أن يأخذ مُطلقها المجني عليه منها رغمًا عنها، وعلى إثر تلك الخلافات انتقلت المتهمة وبرفقتها المجني عليه للإقامة بأحد المنازل الملاصقة لمسكن أهلها والذي لم يكن مهيئًا للسكنى، ثم إلى المنزل محل الواقعة.

الشاهدة الأولى أكدت على أن المتهمة اصطحبتها ذات يوم إلى ذلك المنزل غير المهيأ وأشارت إلى حفرة كبيرة به مشيرةً إلى أنها حفرتها ثم طلبت منها مواراة التراب عليها وعلى ابنها الطفل المجني عليه، ولكنها رفضت ذلك وقصت على والدة المتهمة ذلك، وفي اليوم التالي للواقعة، تلاحظ لها غلق نوافذ مسكن المتهمة وعدم ظهورها المتهمة وابنها الطفل المجني عليه على غير عادتهما، وهو ما تزامن مع إصدار المتهمة أصوات بكاء وصراخ يتعالى ويتزايد بمرور الوقت على فترات من ذلك اليوم، رددت خلاله المتهمة نداءً على المجني عليه بعبارة «يا سعد»، فارتابت الشاهدة في أمرها وأرسلت في طلب عم المتهمة، والذي حضر طالبًا منها الدلوف لداخل المنزل للاطمئنان عليها وعلى ابنها الطفل المجني عليه فأبت ثم عاد إليها بعد فترة وجيزة وبصحبته والدة المتهمة وشقيقها وأصروا على الدخول حتى سمحت لهم، فبادرها عمها بسؤالها عن ابنها المجني عليه فأنكرت تواجده بالمسكن فشك في أمرها، وبحث عنه بمحل الواقعة حتى عثر على أشلاء الجثمان المقطعة في دلو بلاستيكي مخبأ داخل خزانة ملابس المتهمة.

حديث الشاهدة كان تعقيب المتهمة الوحيد عليه أمام جهات التحقيق ما أكده على أنها أكلت ولدها وأعادته لبطنها كما جاءت به من بطنها إلى الدنيا.

شهادة أخرى من ضمن شهادات الشهود لا يُمكن إغفالها، وهي شهادة زوج المتهمة، الذي أفاد بأن علاقته بابنه الطفل المجني عليه كانت طيبة حتى ادعت المتهمة للمجني عليه برغبته خطفه ومنعها من رؤيته على خلاف الحقيقة، وأن المتهمة كانت تستاء بشدة عند رؤيته لابنه المجني عليه، وأضاف بحب المتهمة للمجني عليه حبًا جمًا، إلا أن ذلك لم يمنع دون تعديها عليه بالضرب بين الحين والآخر.

انتهت شهادات الشهود بما أكدته التحريات ودلت عليه بأن المتهمة وعلى أثر خلافات بينها وزوجها رفعت دعوى خلع عليه وطُلقت منه بناءً على ذلك، ثم انتقلت للعيش رفقة أسرتها بالمنزل خاصتهم وعقب ذلك قامت بالانتقال لمنزل ملاصق لمنزل أسرتها وعقب أن تحصلت على حصتها الميراثية قامت ببناء المنزل محل الواقعة وكان والد الطفل المجني عليه يتردد على منزل المتهمة لرؤيته، فتولدت لها فكرة قتل نجلها بدافع خوفها من أخذ والد الطفل له، فعقدت النية وبينت العزم على قتل المجني عليه وخططت لتنفيذ ذلك، وما أن ظفرت به داخل المسكن مستخدمة لتحقيق ذلك (يد فأس خشبية - سكين مطبخ) من أدوات منزلها، وسددت له عدد من الضربات على رأسه مستخدمةً في ذلك اليد الخشبية ثم نحرت عنقه بالسكين والتي استعملتها في تقطيع جثمانه وفصل لحم جسده عن عظامه وتكسير عظامه، وطهت أجزاء منه وتناولتها، وكان ذلك لإخفاء جثمان المجني عليه حتى لا يتم كشف جريمتها.

المتهمة أكدت أمام جهات التحقيق على ارتكابها جريمتها، وأنها في سبيل إخفاء الجثمان أكلت بعض ما طهت منه، ولما لم تستطع تناوله كله قررت إخفاء الأشلاء بدفنها مساء اليوم التالي، بيد أن جريمتها تكشفت بحضور بعض الشهود، الذين أبلغوا الشرطة لتلقي القبض عليها.

اقرأ أيضًا : براءة قاتلة طفلها وطهى جسده وإيداعها مستشفى الأمراض النفسية


 

 

 

;