«ذاكرة الطفولة والصبا».. قصيدة للشاعر السيد عثمان

 قصيدة للشاعر السيد عثمان
قصيدة للشاعر السيد عثمان

أعُودُ تَعودُ غِيطانٌ وشَارعْ                          

    يَهُزُّ الماضِيَ الغافِيْ مُضَارِعْ

تعُودُ طُفُولةٌ خَضْراءُ تلْهُو

    وتَحْسِبُ لُعْبةَ الزَّمنِ الأَصَابِعْ

يُحَدِّثُني المَكَانُ حَدِيثَ وُدٍّ

   وَوِجْدَانِي عَلَىٰ الأبْوابِ قَارِعْ

فَما مِنْ عَطْفَةٍ إلَّا أَجَابتْ

           وما مِنْ سَاحَةٍ إلا تُتَابِعْ

هُنَا قَلْبِي بلا زَيْفٍ أَرَاهُ

      وأنْقُشُه عَلَىٰ صَدْرِ الجَوَامِعْ

هُنَا وجْهِي أقَابِلُه بلُطْفٍ

         وتلْثُمُه  قَرَابَاتُ  الأضَالِعْ

هُنَا أَرْضِي تُعَانِقُها سَمَاءٌ

    ويَهْبِطُ وحْيُها فِي كَفِّ ضَارِعْ

وَلِي فِي أُذْنِها هَمْسٌ دَفِيئٌ

       وَلِي في رِيقِها بَرْدُ  المَنَابعْ

وفِي جَنْبَيَّ أزْهَرتْ الليَالي

      وَضَوءُ حَنَانِها مازالَ سَاطِعْ

أنَا لسْتُ المَسَافَةَ تَحْسِبوهَا

        ولكنِّي  الخَرِيطَةُ والمَوَاقِعْ

ففِي عَيْنَيَّ تأْويلُ الزَّوَايا

   وفِي صَدْرِي انْتِهَاءاتُ المَوَاجِعْ

ألَسْتُ سَلِيلَ هذا الطِّينِ يَحْبو

          بِهِ مَهْدٌ  ونَجْمَاتٌ  طَوَالِعْ

           *******

ويَسْألُنِى النَّخِيلُ عنِ العُلا  ، هَلْ

        طُمُوحِي مِثْلُهُ مَازَالَ فَارِعْ

ووَجْهُ التُّرْعَةِ اللَهْفَىٰ صَبِيٌّ

       إذَا  ما المَاءُ   بايَعَهُ   يُبَايِعْ

سِبَاقُ المَوْجِ والغِلْمَانِ يَحْكِي

        وذَاكِرَةُ الضِّفَافِ له تُرَاجِعْ

ومِنْ حُضْنِ القَطِيعِ تَفِرُّ  شَاةٌ

         لهَا  فِي  دُورِ بلْدَتِنا وَقَائِعْ

عُيُونُ الطِّفْلِ فِي الحَارَاتِ تعْدو

       تُشَارِكُهَا إِذا انْعَطفتْ مَسَامِعْ

ونَعْجَتُه الشَّريدَةُ إنْ أَنَابتْ

     فقَدْ لَبَّىٰ الصِّرَاعُ يدَ المُصَارِعْ

وصُفْصَافِي يُحدِّثُهُ عَرَاءٌ

        وثَغْرُ مُنَاخِه الشِّتْوِي جَائِعْ

سَلامُ الحُبِّ يُلْقِيهِ رَبِيعٌ

         وتُنْشِدُه  عَلَىٰ الدُّنْيَا بَدَائِعْ

عَصَافِيرٌ يُضَاحِكُهَا نَسِيمٌ

          وسُنْبُلَةٌ لَهَا تَهْفُو الطَّبَائِعْ

ونوَّارٌ مِن البُستانِ أَوْحىٰ

        أَرِيجَاً مِنْ جَمَالِ اللهِ خَاشِعْ

تعَبِّئُهُ أُنُوفُ الكَوْنِ سَكْرَىٰ

      ونحْنُ المُشْتَرِي مَا  ثَمَّ  بَائِعْ

وَكَيْفَ طَبِيعَةٌ كَتَبَتْ لُغَاها

    ونحْنُ  القَارِئونَ لَها الرَّوَائِعْ

إذا لعِبَتْ يُلَاعِبُها صِبَانَا

     وإِنْ حَزِنَتْ تُجَاوِبُها المَدَامِعْ

       *********

وكُتَّابٌ بَرَاعِمُهُ تَهَجَّتْ

     ولا يَدْرُونَ مَنْ حَفْصٌ ونَافِعْ

وهَذا آخِرُ القُرآنِ  نَتْلُو

         أَم الأَجْزاءُ  ثَالِثُهَا ورَابِعْ

هوَ القرآنُ تبْنِينَا يَدَاهُ

             فنَبْنِي خَلْفَه كُلَّ البدَائِعْ

وأشْجَارٌ ستَغْرِسُها نُفُوسٌ

         وتُرْضِعُنا أمَانِيها الطَّوَالِعْ

وكيْفَ تَهِشُّ مَدْرَسَتِي سُرُورَاً

         بحُضْنٍ لا يَمَلُّ ولا يُمَانِعْ

تَسُوقُ إلىٰ الصَّغِيرِ ضِيَاءَ شَمْسٍ

       صَغِيرٌ إنَّمَا فِي الأُفْقِ وَاسِعْ

توَاضَعَ للسَّماءِ بِكُلِّ جُنْحٍ

     شُعَاعُ الفَجْرِ يَرْفعُه التَّوَاضُعْ

***********

وهَلَّ "النَّحْوُ" لِي قَمَراً جَلِيَّاً

       وفِي فَمِه القَصِيدةُ والمَطَالِعْ

عَلىٰ كَتِفِي حَمَلتُ الحَرْفَ شَهْمَاً

   يُواسِيكم ، يَزُورُ ذَوِي المَوَاجِعْ

يُبَلِّلُ عِشْقُهُ أنْحَاءَ نَفْسِي

     ويقْطُرُهُ  غَمَامَاً   في البَلَاقِعْ

وإنْ زُرْتُ الحَقِيقَةَ لَسْتُ أُجْفَىٰ

   أنا  فِي البَيْتِ تعْرِفُنِي المَوَاضِعْ

ويَسْكُنُني مِن الأَحْلامِ نَهْرٌ

    وخَلْفَ النَّهْرِ تصْطَفُّ المَنَابِعْ

تُعَلِّمُني القَبِيلةُ أنَّ سَيْفي

          إذا سقَطتْ يَدَاه فلَنْ يُدافعْ

وأنَّ الحَرْفَ إنْ سَقَطتْ رُؤَاهُ

       فَسَوْفَ يَمُوتُ تَارِيخاً وَوَاقِعْ

أنا المَوْعُودُ فانْتَظِروا مَجِيئاً

      فشَمْسِي لا تُمَالِيءُ أوْ تُخَادِعْ

لهَا إِلفَانِ : حُبٌّ يصْطَفِينِي

      ويَهْتِفُ خَلْفَه القَلَمُ المُطَاوِعْ

رَحِيقِي دُونَ ميلادٍ سَيَأْتِي

  وإِنَّ صَامَتْ عَن الزَّهْرِ المَزَارِعْ

دَعُوا  "بَرْدِيسَ" تُخْبرُنا رُبَاها

      هِيَ الصَّدَّاحُ يُنْشِدُ والمَسَامِعْ

هِيَ ابْنَةُ"مِصْرَ"قَدْ رَضِعَتْ هَوَاها

    وغَيرَ الأُمِّ ما اخْتَارتْ مَرَاضِعْ