«يظن العالم أن مدينة تدمر الآثرية حررت وعادت للسوريين بعد استردادها من أيدي تنظيم داعش الإرهابي، ولكن نظام بشار الأسد لا يختلف كثيرا عن داعش، فتدمر انتقلت من نظام طاغ لآخر لا يقل عنه طغيانا».
بهذه الكلمات، سرد أحد السوريين حقائق ربما تكون غائبة عن البعض تخص مدينة تدمر التي نجح النظام السوري في استعادتها من أيدي تنظيم داعش.
قدم الشاب السوري محمد الخطيب شهادته لصحيفة الاندبندنت البريطانية، وصرح بأنه من مواليد مدينة تدمر لكنه انتقل لحمص من أجل الدراسة، ولكن حين علت الأصوات بضرورة الثورة رأى الشاب ضرورة العودة إلى المدينة الأم.
في تدمر، أسس الخطيب وبعض أصدقائه جبهة سميت "جبهة التنسيق بتدمر" والتي كانت معنية بتنسيق وقيادة المظاهرات السلمية المنادية بالحرية وتحسين الوضع بالبلاد، إلا أن الأوضاع تفاقمت وتصاعدت بشكل سريع وخرجت عن نطاق السيطرة بعد اشتعال المظاهرات وعدم قدرة الأمن على مواجهتها مما تسبب في مواجهات دامية فقد على إثرها العشرات حياتهم.
بعد أشهر من الاحتجاجات ومحاولة منه في فض المظاهرات بالقوة، أرسل الأسد نحو 50 دبابة وقرابة الـ3000 جندي للسيطرة على الوضع بتدمر، وبعد ستة أيام من دخولهم المدينة ألقي القبض على الشاب وأصدقائه وتم استجوابهم وتوجيه عدة تهم لهم.
أثناء الاستجواب تعرض الخطيب للضرب والإهانة والسباب وعلم وقتها أن القادم أسوأ بكثير على الرغم من أن المظاهرات التي نظمها واشترك بها كانت سلمية.
لم يقف الأمر عند الإهانات والسخرية فقط بل امتدت تلك الرحلة المؤلمة ليتم نقل الخطيب وزملاؤه إلى العاصمة دمشق، حيث خضع لأنواع لا تحصى من التعذيب في مكان يعرف باسم فرع الأمن رقم 291، وظن أنه سيمكث في هذا المكان طيلة حياته ولكن عقب مرور 7 أشهر تم الإفراج عنه ليعود إلى مدينته.
حين عاد إلى تدمر وجد أن كل شىء بالمدينة تغير وأن الوضع أصبح من شىء لأسوأ وخشي أن يقع في قبضة النظام السوري من جديد لذا فقد قرر مغادرة تدمر والتوجه لتركيا.
في تركيا ظل الشاب بتابع أوضاع مدينته الحبيبة التي سقطت تحت أيدي داعش في مايو 2015، حينها حزن بشدة بعد وقوع المدينة وأهلها تحت براثن الظلم والاستبداد والفاشية التي لا ترحم، فمخالفة نظامهم مصيرها إما العقاب الشديد أو القتل.
ازداد الوضع سوءا بعد دخول نظام الأسد في مواجهة مباشرة مع داعش من خلال قصف المدينة بالطائرات لاستهداف معاقل التنظيم، إلا أن تلك الضربات استهدفت المدنيين فدفع الكثير منهم روحه إضافة إلى هدم العديد من المنازل مما ترتب عليه قيام أهل المدينة بتركها والاتجاه لمدن شمال وشرق سوريا، لدرجة أنه حين استعاد النظام المدينة لم يكن بها سوى 100 مواطن فقط.
واستطرد الشاب حديثة مؤكدا أن الكثيرون يريدون العودة إلى المدينة بعد استردادها لكنهم يخشون رجال النظام وميليشياته، كما أنهم يخشون معاقبتهم على التعاون مع داعش أو تنفيذ أوامرهم حين كانت المدينة تحت أيديهم كما فعلوا مع آخرين في العديد من المدن، لذا فإن شعور الخوف لا يزال موجودا الفارق أن المتسبب في هذا الإحساس تغير.
حقيقة أخرى قد تكون غائبة عن العالم، وهي أن بشار الأسد خرج للعالم متباهيا باسترداد المدينة الآثرية من عبث الداعشيين ولكن استرداده لها لا قيمة له، فالمدينة نتيجة للقصف وإلقاء القنابل أصبح قدر كبير منها مدمر إضافة إلى ضياع الآثار الثمينة.
وأختتم الخطيب رسالته بقوله "نحن أهل تدمر، نرى الأسد وداعش مجرمون ولا فارق بينهم، كلاهما ارتكب انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية، قتلوا الأبرياء، هجروا مئات الآلاف، عذبوا واعتقلوا النشطاء السياسيين مثلما حدث معي"، "لم تتحرر تدمر بل انتقل من طغيان لآخر، رسالتنا للغرب والمجتمع الدولي لا تعموا أعينكم عن جرائم الأسد، فكما تريدون معاقبة داعش عليكم معاقبته هو الآخر، فهو جوهر الأزمة في سوريا".