«تبدل الأماكن» قصة قصيرة للكاتب محمود أحمد علي

الكاتب محمود أحمد علي
الكاتب محمود أحمد علي

الشاب المهموم ظل يجوب شوارع القاهرة - يحمل بين يديه كيسه الورقي المنتفخ عن آخره بشهادات التخرج، والعديد من الشهادات التي تثبت أنه خاض دورات تدريبية كثيرة في الحاسوب وفي شتى المجالات - بحثًا عن عمل أي فرصة عمل.

الأمل والتفاؤل يتملكانه، لذلك لم يملّ؛ رغم أن كل من يقابلهم من أصحاب المحلات التجارية يرفضون طالبين فتيات للعمل.

قدماه ملتا الخطى..

عقله شارد..

عيناه زائغتان تنظران هنا وهناك..

يدخل مبتسمًا في وجه أصحاب المحلات، وسرعان ما يخرج مهزومًا حزينًا..

فجأة..

صرخت فيه قدماه للتوقف للحظات..

توقف..

لحظات وعاود سيره وبحثه من جديد..

فجأة..

وجد كلبًا أنيقًا تسحبه سيدة طاعنة في السن..

فجأة..

وجد نفسه مدفوعًا دفعًا إليه حتى اقترب منه..

وجد نفسه يسير خلفه كما ظله..

شعر الكلب بوقع خطواته الحزينة فالتفت ينظر إليه، تبادلا النظرات، الشاب الطامح يعرف جيدًا لغة الكلاب، ولِمَ لا وهو الذي كان يعمل عند أحد الأثرياء لخدمة وإطعام ونظافة كلبه الضخم الذي كان يأكل في اليوم الواحد ما يزيد عن ثلاثة كيلو جرامات من اللحم البلدي الخالص، وما إن فكر الشاب ذات يوم في أن يشاركه طعامه حتى كان نصيبه الطرد من عمله

شر طرده.

الكلب الأنيق رمى الشاب بابتسامة، على الفور بادله الشاب نفس الابتسامة..

بصوت مهموس همس الكلب إلى الشاب:

- أتحقد علىَّ...؟!!

- نعم أحقد عليك..

- لماذا...؟!!

- لأنك تأكل وتشرب وتنام دون عناء..

صمت الكلب للحظات، ثم قال للشاب الذي لم يزل يسير بجواره:

- أتريد أن تكون مكاني...؟!!

- أتمنى ذلك، وسوف أعطيك كل ما معي من شهادات داخل هذا الكيس..

فكر الكلب في أمنية الشاب، ثم همس إلى نفسه:

- ولِمَ لا.. لقد حانت اللحظة المناسبة..

قالها الكلب مبتسمًا..

- لقد مللت هذا القيد.. نعم أنا في راحة ما بعدها راحة.. نعم هم يعتبرونني فردًا من أفراد الأسرة، ولكني أتوق إلى الحرية، أريد أن أسير وقتما أشاء، أذهب هنا وهناك وقتما أحب وأشاء، أريد أن أقود نفسي بنفسي تمامًا مثل كلاب الشوارع أولستُ كلبًا مثلهم...؟!!

هكذا راح الكلب يحدث نفسه في تمنٍّ..

- اقترب منى أكثر حتى لا يسمعني أحد غيرك..

قالها الكلب للشاب الذي اقترب على الفور حتى لاصق جسد الكلب..

- ما رأيك في أن نتبادل الأدوار والأماكن..

قالها الكلب للشاب الذي لم يفهم مقصده..

- نعم نتبادل الأدوار والأماكن.. أنا أكون مكانك حرًّا طليقًا وأنت تكون مكاني كما تحلم وتتمنى..

قالها الكلب موضحًا مقصده..

- يا الله.. أأكون مكانك حقًا.. آكل اللحم البلدي كل يوم وأنام في فيلا، وطبيب يأتي إلىَّ كل فترة للاطمئنان على صحتي، وأتنزه في شوارع القاهرة وقت العصاري.. أنا.. أنا ما طلبتُ أكثر من هذا في حياتي..

- نعم كل هذا وأكثر منه..

- متى وكيف يحدث ذلك أيها الكلب طيب القلب...؟!!

قالها الشاب للكلب في تمنٍّ..

- متى؟!!  الآن.... خير البر عاجله، وكيف؟ أن تفك قيدي

في هدوء وحذر، ثم تربط نفسك بنفسك، وهكذا تصبح مكاني...

قالها الكلب شارحًا كيفية تبادل الأدوار والأماكن..

تبسم الشاب علامة على الرضى..

في اللحظة المناسبة لتبادل الأدوار والأماكن فتحت المرأة العجوز باب سيارتها وأدخلت الكلب الذي ظل يتبادل النظرات فيما بينه وبين الشاب في حسرة وألم.