تفاؤل حذر بعد الانتخابات الكويتية

صورة من إحدى لجان فرز أصوات الناخبين فى الكويت
صورة من إحدى لجان فرز أصوات الناخبين فى الكويت

هناك بعض الحقائق التى يمكن أن تغيب عن المتابعين للمشهد السياسى فى الكويت تسبب فى سوء فهم ما يجرى هناك ونتوقف عند بعضها الأول أن هناك ثلاث جهات رئيسية فى الكويت تمثل أعمدة الدولة منذ الاستقلال وما بعده وهى أسرة الصباح الحاكمة والقبائل وأشهرها العوازم والراشدية والمطران والعجمان والجهة الثالثة المؤثرة فى اتخاذ القرار وإدارة المشهد هم طائفة التجار وهناك حرص من كل جهة على التوافق التام بينهم مع الإقرار بسعى كل جهة للحفاظ على مصالحهم ولهم رموزهم الرئيسية ولم تخل نتائج الانتخابات الأخيرة التى جرت وقائعها الثلاثاء الماضى من أكثر من دليل على الحفاظ على هذه التركيبة الرئيسية وإن كانت اسرة آل الصباح الحاكمة جرى العرف على عدم الدفع بأبنائها فى الانتخابات وإن كان بعض الفائزين قريبين من الأسرة ومنها- ثانيا -أن هناك فرقا بين مجلس الأمة والبرلمان الكويتى الأول يتم اختيار أعضائه الخمسين بالانتخاب

المباشر الحر من المواطنين من تقسيم البلد إلى خمس دوائر انتخابية يتم اختيار عشرة نواب من كل دائرة من خلال ٢٠٧ مرشحين كما جرى فى الانتخابات الأخيرة بينما يزيد عدد أعضاء البرلمان إلى ما بين ٦٣ أو ٦٦ عضوا بإضافة وزراء الحكومة وعادة ما تتشكل الحكومات ما بين ١٣ إلى ١٦ وزيرا لهم حق التصويت وجرى العرف على أن يتم توزير نائب من مجلس الأمة ويطلق عليه الوزير المحلل وكل التوقعات تشير إلى أن الحكومة الجديدة عند تشكيلها عقب بدء عمل مجلس الأمة قد تشهد توزير  أكثر من نائب فى محاولة لاستخدامهم كجسر للحوار بين الحكومة ومجلس الأمة لضمان التهدئة الأمر الثالث فرغم أن قلة عدد سكان الكويت بصفة عامة ومحدودية من لهم حق الاقتراع فالرقم ل ايصل إلى ٨٠٠ ألف نسمة فهى تاريخيا ساحة واسعة تشهد نشاطا وحركة لتيارات سياسية غلب عليها التيار القومى بعد الاستقلال فى الستينيات ودخل عليها التيار الدينى بتعدد تياراته سواء المحسوبون على الإخوان المسلمين وجماعات السلف وهناك تيار شيعى ومجموعات الليبراليين.  


ومن خلال الالتزام التام والمعروف من القيادة السياسية فى الكويت ببنود ومواد الدستور والقانون فقد بدأت على الفور إجراءات مرحلة ما بعد الانتخابات ومنها رفع مجلس الوزراء مرسوما دعوة لولى العهد لافتتاح دور الانعقاد العادى الأول من الفصل التشريعى السابع عشر لمجلس الأمة الكويتى وذلك فى العشرين من هذا الشهر وفى نفس اليوم  الأربعاء الماضى وبعد إعلان النتائج صدر أمر أميرى بقبول استقالة الحكومة مع الاستمرار فى مهمة تصريف الأعمال كما بدأت مرحلة السعى إلى جس النبض بالنسبة لشكل مجلس الأمة من خلال مشاورات مكثفة من خلال جلسة او اجتماع تنسيقى فى ديوانية أحد النواب اليوم الأحد  للاتفاق على تشكيلات اللجان والتوافق على اسم نائب الرئيس فى ظل تعدد المرشحين للمنصب.    


وبعد فإن ذلك يفيد فى التعرف على شكل المسار السياسى فى الكويت فى المرحلة القادمة التى قد تكون الأهم بعد استمرار حالة التأزم الذى وصل لدرجة اللجوء إلى خيار حل مجلس الأمة أربع مرات خلال أربع سنوات مع قبول استقالة الوزارة فى العديد من المرات مما تسبب فى حالة شلل سياسى انعكس على بطء عمليات التنمية والتعامل مع التحديات الاقتصادية وهناك عدد من المؤشرات التى يمكن من خلالها استخراج صورة ذلك المشهد ومن ذلك
أولا: تراجع فى نسبة الإقبال على المشاركة فى الانتخابات من ٦٥ بالمائة فى الانتخابات الماضية سبتمبر من العام الماضى إلى حوالى ٥٦ بالمائة ويمكن فهم ذلك على ضوء العديد من العوامل منها حالة العزوف الشعبى نتيجة تعدد الانتخابات بالإضافة لعدم قدرة المرشحين رغم جهود حملاتهم الانتخابية على الحشد فى ظل ارتفاع درجة الحرارة وبدء موسم الإجازات. 
ثانيا: مازالت المعارضة قادرة على تحسين أوضاعها فحسب النتائج الرسمية فقد حصلت على أقل قليلا من الثلثين من عدد المقاعد بـ ٢٩ مقعدًا من أصل ٥٠ هم عدد أعضاء مجلس الأمة وبالنسبة إلى طبيعية انتماءات الأعضاء فقد تقلصت مقاعد الشيعة من تسعة إلى سبعة أعضاء فقط معظمهم من المستقلين من غير المنتمين إلى جمعيات سياسية  واحتفظت الحركة الدستورية الإسلامية بمقاعدها الثلاثة فى استمرار لتقليص نفوذ جماعة الإخوان والتى وصل أعضائها أحيانا إلى ٢٠ بالمائة من الأعضاء كما حافظت القبائل الرئيسية على كوتة كل منها فى المجلس دون تغيير ووصل تمثيلهم إلى حوالى ٢٣ نائبا  كما تراجع تمثيل التيار الليبرالي.  


ثالثا: لابد من الإشارة هنا إلى أنه رغم فوز ٣٨ عضوا من مجالس سابقة إلا أن ذلك لا ينفى حقائق مهمة منها تراجع ترتيب أعضاء بارزين فى قائمة العشر المنتخبين فى كل دائرة وكذلك دخول ١٢ نائبا جديدا وهى كتلة وازنة تستطيع أن يكون لها دور مهم فى المجلس الحالى بعد رفعهم لشعارات إصلاحية وتستطيع أن يكون لها دور مهم فى الانتقال بالكويت من مرحلة الجمود السياسى والاقتصادى نحو مزيد من التنمية والتطوير مقارنة بما يحدث فى بقية دول مجلس التعاون الخليجي.    


رابعا: أن التوجه العام إلى التهدئة فى العلاقة بين رئاسة مجلس الأمة والحكومة خاصة أن الجهتين ليستا فى وارد المواجهة بعد الحالة التى وصلت اليها الأزمة السياسية وأسفرت عن الذهاب إلى انتخابات لأربع مرات خلال أربع سنوات يضاف إلى ذلك التغيير المتوقع فى رئاسة مجلس الأمة بزيادة فرص انتخاب أحمد السعدون بديلا عن مرزوق الغانم وكانت علاقته المتشنجة مع رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح سببا مهما من أسباب حالة الجمود السياسى وسبق أنه هاجمه وقال إنه لا يصلح للمنصب والمؤشرات تكشف عن أحمد السعدون الذى أعلن منذ لحظة إعلان فوزه ترشحه للمنصب وهو يملك ٣٣ صوتا مع تردد مرزوق الغانم عن الترشح فى ظل تراجع حظوظه وكتلته التى يسعى إلى تشكيلها بعد الفشل الكبير لأحد أهم مؤيديه وهو عبيد الوسيمى الذى لم يتمكن من الفوز ورفض الطعن فى النتيجة وكذلك أسماء مهمة منها ثامر السويط وصالح عاشور والصيفى الصيفى كما أن الكتلة التى يعتمد عليها لا تملك رؤية موحدة بل مشاريع خاصة مما تدفعها إلى التعاطى إيجابيا مع الوزارة القادمة بإعادة تكليف أحمد نواف الأحمد الصباح للمهمة من جديد. من المتوقع أن التشكيلة الوزارية لن تتغير كثيرا لأنه أصلا راعى فى تشكيلاتها السابقة مطالب المعارضة وإن كانت قد تشهد مزيدا من توزير النواب لتسهيل مهمة الحوار بين الوزارة ومجلس الأمة وتفادى المواجهات.