علاء عابد يكتب: شعرة معاوية

علاء عابد
علاء عابد

■ بقلم: علاء عابد

سأل أعرابي معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه: كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلى؟ فقال معاوية: «إنى لا أضع سيفى حيث يكفينى سوطى ولا أضع سوطى حيث يكفينى لسانى، ولو أن بينى وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها».

طبق «معاوية» هذه القاعدة منذ النصف الأول من القرن الأول الهجري، وجسد مبدأه السياسى فى التعايش والتعامل مع المنافسين، وكذلك فى التعامل مع عوام الناس فى حياتهم اليومية، وهو ما نسميه اليوم بفن السياسة ودبلوماسية الحكم، وهى أصلٌ أصيلٌ من أصول السياسة الرشيدة.

تحوّلت «شعرة معاوية» من منهجية سياسية إلى موقف وأسلوب اجتماعى متعدد المواقف، فيقال إن فلانًا من الناس يستخدم «شعرة معاوية» إذا كان يبدل مواقفه ويحاذر المصادمة. وكذلك، مازالت العبارة تظهر فى عناوين الصحف السياسية وعلى ألسن المحلّلين لتصف سياسات الدول الخارجية. وتوسعت العبارة حتى أصبحت تطال مجالات مختلفة تظهر فيها نفس الفكرة.

ويُضرب بـ «شعرة معاوية» المثل فى التعامل مع الناس، ومداراتهم وأخذهم بالحكمة، والكياسة وبُعد النظر، وهى ترسخ لمبدأ عظيم من أصول الحنكة السياسية، ومنهاجًا للحكم العقلانى المتوازن، التى أرسى قواعدها معاوية بن أبى سفيان الذى عده الناس من دهاة العرب.

ومن أقوال معاوية بن أبى سفيان: «لا ينبغى أن تسوس الناس سياسة واحدة: باللين فيمرحوا، ولا بالشدة فيحمل الناس على المهالك».

ويروي عن الصحابي الأحنف بن قيس رضى الله عنه وقد كان يُضرب به المثل فى الخُلق وشِدّة الحِلم أنّ رجلًا شتمه وأساء له فى الكلام، فلم يردَّ عليه ومشى فى طريقه لكن الرجل لم يتوقف ومشى وراءه وهو يزيد فى شتمه، فلما اقترب الأحنف من الحى الذى يسكن فيه، وقف وقال للرجل: «إن كان قد بقى فى نفسك شيء فَقُلْه قبل أن يسمعك أحدٌ من الحيّ فيؤذيك» فخجل الرجل من نفسه وعاد!

ومن فلسفة هذه القاعدة أن من يطبقها يصبح من أعقل الناس، لأنه يعطى كل شيء حجمه ويتلافى ما لا يستحق النظر إليه، فى تعامله مع الناس فى مختلف المواقف بالتروى والحكمة، وحسن التصرف!

وكان الزعيم نيلسون مانديلا مطبقًا لقاعدة «شعرة معاوية»، فيقول: «من عفا ساد، ومن حلم عظم، ومن تجاوز استمال».

ويقول أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه: «أحبب حبيبك هونًا ما، فربما كان بغيضك يومًا ما.. وأبغض بغيضك هونًا ما فلربما كان حبيبك يومًا ما». حافظوا على «شعرة معاوية» فى علاقتكم فالدنيا تدور وينقلب العدو صديقًا، والصديق خصمًا لدودًا!

من يتبع قاعدة «شعرة معاوية»، لا يبالغ فى المجاملات، ولا يبالغ فى الصراحة.

ويتوقف عن مجادلة الجاهل، وإحراج العاقل، ويكون وسطيًا فى تعاملاته.

السياسيون المخضرمون يستخدمون هذه الشعرة، فلا يقطعونها، وكذلك من يقدمون المصلحة العامة على المصالح الشخصية، فسياسة «شعرة معاوية» أسلم طريق للنجاح.