«روزالين».. قصة قصيرة للكاتب الدكتور ناصر فؤاد

الدكتور ناصر فؤاد
الدكتور ناصر فؤاد

أخيرا انتهت جموع المهنئين بعد أكثر من شهر من تكليفه بهذا المنصب الوزاري، ياليت والدي موجود ليراني أجلس على مقعد وزاري مماثل لمقعده الذي تركه بالموت .

قدر عجيب أن يجعلها رحلة كفاح متطابقة تماما لرحلة والده، أستاذ جامعي، فرئيس لجامعة ثم مقعد الوزارة .

آخر موعد اليوم احتفالية بسفارة دولة من الدول العظمي .

انطلق موكبه البسيط وسبقه رجال مراسم وزارته للتأكد من كل شئ، وبعد انتهاء الاحتفالية والكلمات المتبادلة وعلى مائدة العشاء، جلس بجوار معالى السفير الذي أخبره برغبة أحد رجال الأعمال بدولته في مقابلته لعرض مشروع جديد، ولكن طلب مقابلة شخصية أولية كجلسة عصف ذهني، وافق فورا نظرا للمصالح المتبادلة بين الدولتين والدعم الكبير سواء خبرات أو مشاريع من دولة معالي السفير، واتفقا على أن تحدد سكرتارية الوزير أكثر من موعد حتى يختار المستثمر أفضل المواعيد للطيران وحجز الفنادق، وبما لا يتعارض مع مواعيد الوزير وجدوله المزدحم.

دكتور نيدلا رون افتسم، اسم غريب كأنه تركي أو من طاجستان، ولكنه اعتقد أنه من المهاجرين الذين تجنسوا بجنسية الدولة العظمى.

في موعده المحدد حضر المستثمر متأنقا على أحدث خطوط الموضة، وبعد كلمات الترحاب والسؤال عن هل زرت المناطق السياحية والأثرية، سأله: ما هي طبيعة مشروعك وكيف يمكنني أن أساعدك؟

باغته المستثمر ليس لدي مشروع  محدد ولكني أطلب منك الاستماع جيدا وتفهم موقفي ومساعدتي.

لم يتعود أن يكون فظا فينهي اللقاء، ودار في ذهنه توصية السفير والعلاقات والمساعدات الممنوحة ولكنه بلباقة قال: أمامنا ٤٥ دقيقة هل ستحتاجها كلها أم أقدم المواعيد التالية.

جاءه الرد بهدوء شديد .. أنت من سيحدد بعد أن تسمع.

أدهشه الرد وخاصة كلمة أنت، وليس سيادتك أو معاليك كما جرى العرف، ضغط على أعصابه وقال:

- إذا فلنبدأ

- لعلك لم تعلم أن والدتي جاءت إلى مصر منذ حوالي ٥٥ سنة، في بعثة علمية لإحدى الجامعات في بلدنا، بالتعاون مع جامعة مصرية، بعد أن عانت كثيرا من فقدانها ٣ أطفال أثناء الولادة، وهجر زوجها لها، وبعد أن نصحتها إحدى الغجريات من قارئ الطالع، بضرورة البحث في الشرق في أرض الحضارات، عن البذرة المتشبسة بالحياة والاحتفاظ بها.

هنا قاطعه الوزير ... سيدي لستُ وزيرا للثقافة لننتج فيلما عن حياة والدتك .

فقاطعه المستثمر وبحده: أرجوك دعني أكمل كلامي دون مقاطعة ولن أتجاوز الزمن المحدد.

لقد تم تكليف أحد الأساتذة في الجامعة بأن يكون مرافقا وملازما لوالدتي، وسيصدر البحث باسمهما معا، طبعا لم يكن من الصعب أن تتشبث والدتي بالفرصة، وسافرت مع زميلها المصري لرحلة بحثية بسيوة، وهناك ازدادت معرفتهم ببعض وحدث بينهم تلاقي روحي كبير، وبعد أسبوع حصلت أمي على البذرة المتشبسة، وفور تأكدها تركت المشروع وعادت إلى وطننا دون وداع لوالدي، وفعلا جئت للحياة وأنت تعلم جيدا أننا في وطننا لا نهتم بمن هو الأب، وظلت تلك الحقيقة مخفية عني، إلى أن صارحتني بها والدتي قبل وفاتها، وحينما أصررت على معرفة من هو أبي ردت علي:

انظر لنفسك ولعنوان شخصك في المرأة تجد والدك.

ظللت أبحث عن والدي إلى أن وقع قدرا في يدي جريدة بها خبر تعيينك وزيرا، وكيف أن والدك كان وزيرا ألقيت الجريدة فإذا أرى اسمي في انعكاس المرآة  نيدلا رون افتسم .

هنا فقط عرفت لماذا اسمي غريب لقد كتبت أمي اسمي على اسم والدي ولكن معكوسا ... مسطفا نور الدين.

إنه والدك .. نعم نحن إخوة .. أنا أخوك الأكبر .. لا أرغب في أي شئ، فلدي من المال والثروة والسطوة، أكثر منك بكثير ولا أريد إلا أن نتعامل كأخوة عن بعد .. لقد كتبت اسمك في وصيتي، جئت أخبرك فقط بذلك، وهذه صور والدي وأمي روزالين ...

برقت أعين الوزير ففعلا هذه صورة والده، ولكنه لا يعرف من هي في أحضانه، ومن هي الجالسة معه وشعرها مسدل على كتفيه ..

كم أنا أحمق أخيرا عرفت سر، لماذا والدي أصر على تسمية أختي الكبرى روازلين، رغم اعتراض أمه والعائلة

وأنا من حبى لأختي أسميت ابنتى روزالين..