خارج النص

مأساة «رند».. وغياب المسئولية الطبية!

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

لا يشعر بألم النار إلا من يقبض الجمر، مقولة قديمة تجسد حقيقة أن هناك بعض القضايا لا يمكن أن نشعر بها إلا عندما نعايش تجاربها المؤلمة، وقبل أسبوعين اقتربت من واحدة من تلك التجارب، التى لا تزال تخلف وجعا وألما يعتصر قلوبا ويكسو وجوها كل من أراهم فى أكاديمية أخبار اليوم.

المأساة تكمن فى رحيل الطالبة بالفرقة الثالثة بقسم الصحافة بالأكاديمية، «رند القاضى»، والتى كانت مثالا حيا للأخلاق والاجتهاد والنشاط، فجأة شعرت بألم بالزائدة الدودية، دخلت إلى أحد المستشفيات الخاصة لإجراء جراحة عاجلة، أغمضت عينيها على أمل أن تفتحهما بعد زوال الألم، لكنها لم تفتح عينيها أبدا، ورحلت فى صمت لتترك الجميع، أسرتها، أساتذتها، زملاءها فى صدمة حقيقية.

لا تزال مشاهد الوجع، والدموع الساخنة خلال تشييع جثمانها عصية على النسيان، الجميع يتساءل: بأى ذنب «قُتلت»؟!، الكل يدرك أن ثمة خطأ، لكن أحدا لم يُحاسب؟ وسط إنكار من المستشفى المعالج لأية مسئولية، وتمزق الأسرة بين دعوات التسليم بالقدر، أو الدخول فى دوامة من الإجراءات الرسمية، قد لا تنتهى إلى شيء!

وبعيدا عن الوجع الإنسانى فى قضية «رند» وغيرها المئات وربما الآلاف، فإن سؤالا جوهريا تطرحه هذه النوعية من القضايا، أين قانون المسئولية الطبية؟ لماذا يغيب تشريع بهذه الأهمية فى دهاليز البرلمان لسنوات طويلة، دون أمل فى أن يرى النور قريبا؟!

هذا التشريع ربما يحمل ضوءا بأن تكون هناك إجراءات واضحة يمكن اللجوء إليها عند وقوع خطأ طبى أو إهمال جسيم يتسبب فى الإضرار بالمريض، أو حتى يفقده حياته، وإذا كنا جميعا نرفض أى اعتداء على الأطباء أو الطواقم الصحية من جانب أهالى المرضى، فإن إقرار إجراءات عادلة وواضحة وسهلة التطبيق تحفظ حقوق كل طرف، كفيلة بأن تنزع فتيل الأزمات التى يمكن أن تنفجر فى لحظات الألم وأوقات التوتر التى يعيشها المريض وذووه فى المواقف الطارئة، أو عندما يشعرون أن هناك تقاعسا ما من جانب الطواقم الطبية.  

نعم، هناك اعتراضات وتحفظات جديرة بالاهتمام من جانب نقابة الأطباء على بعض بنود التشريع المقترح، ومن بينها رفض مبدأ الحبس فى الأخطاء الطبية غير الجنائية، أو المبالغة - من وجهة نظر النقابة - فى الغرامات المقررة بالتشريع المقترح والتى تتراوح بين 200 ألف إلى مليون جنيه، بينما تريدها النقابة ألا تزيد عن 50 ألف جنيه.

لكن هل يعنى الاختلاف حول بعض التفاصيل القابلة للتفاوض، أن يظل تشريع بهذه الأهمية حبيس الأدراج، بينما تتواصل المآسى والأزمات، نتيجة غياب ضوابط قادرة على إعطاء كل ذى حق حقه، بحيث لا يكون المريض الحلقة الأضعف، ويهدر حقه فى مواجهة تقاعس أو إهمال فى تقديم الخدمة العلاجية، وأيضا لا يتعرض الطبيب للاعتداء جراء انفلات من أسرة المريض، أو عدم إدراكهم لحقوقهم وواجباتهم.

المريض اليوم يدخل إلى عيادة الطبيب أو إلى المستشفى وهو لا يدرى ماذا يُفعل به، ولا يدرك إن كان هذا هو المسار الصحيح للعلاج أم لا، بل إنه عند وقوع مشكلة أو خطأ ما يعجز عن إثبات حقه، أو الحصول على تقرير طبى دقيق وصحيح بما تم حياله، وإن لم يكن من أصحاب السطوة، فإنه ربما لا يحظى حتى بإجابة ولو شفوية من الطبيب المعالج!!

العدل وحده كفيل بأن يضع كثيرا من النقاط على حروف العلاقة بين المريض والطبيب، والطبيب نفسه يمكن أن يكون هو أو أحد أفراد أسرته يوما ما ضحايا، إذا ما غابت إجراءات تحقق العدالة وتحفظ الحقوق، فى مجال قد يتحول فيه خطأ بسيط إلى مأساة تدمى القلوب.