أوروبا تلتقط أنفاسها مع تراجع أسعار الغاز الطبيعي بعد عام من الذعر

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

هبطت أسعار الغاز في أوروبا لأدنى مستوى منذ منتصف 2021 حينما شرعت روسيا في تقليص إمداداتها قبل غزوها لأوكرانيا، ما يساعد على عكس اتجاه التضخم وجلب الراحة للمستهلكين.

تراجعت أسعار العقود الآجلة للغاز بنحو الثلثين العام الجاري، ولم يخفف الهبوط فحسب الضغوط على ميزانيات الأُسر، وإنما أضعف واحداً من أهم كروت المساومة في يد الرئيس فلاديمير بوتين وهو القدرة على خنق إمدادات الغاز للمنطقة.

في ظل توقع بعض المتداولين انزلاق الأسعار إلى المنطقة السلبية في وقت ما من الصيف الجاري، إلا أن المشهد الحالي يختلف أشد الاختلاف عمّا كان عليه في مايو من العام الماضي، حيث كانت أسعار العقود أعلى أربعة أضعاف مما هي عليه الآن لدرجة أن الدول اضطرت لإحياء توليد الكهرباء من الفحم للحفاظ على التيار بعد أن خفضت روسيا إمدادات الغاز.

سادت حينها أيضاً مخاوف بشأن نقص المعروض، وما إذا كانت أوروبا ستقدر على بناء مخزونات الغاز قبل الشتاء. والآن أصبحت المخزونات أعلى من المتوسط وقد تصل إلى ذروتها خلال الصيف وقبل الموعد المحدد.

اقرأ أيضا :يونيبر الألمانية توقف خسائر شراء الغاز الروسي بفضل تراجع الأسعار

تراجعت العقود الهولندية الآجلة القياسية لثمانية أسابيع متتالية إلى ما دون 25 يورو لكل ميغاواط/ ساعة، وهو أقل مستوى منذ مايو 2021.

علاوة على ذلك، ساعدت واردات الغاز الطبيعي المسال التي حلت محل الإمدادات الروسية بشكل كبير، وكذلك الشتاء المعتدل نسبياً، ما يعني أن المنطقة لم تكن بحاجة لاستنزاف المخزونات بكثرة. أصبح المخزون الاحتياطي في أوروبا ممتلئاً بنسبة 67% تقريباً، أي أعلى من متوسط الخمس سنوات الذي يناهز 50%، أما المخزونات الألمانية فوصلت إلى 73%، وفق بيانات رابطة "غاز إنفراستركتشر يوروب" (Gas Infrastructure Europe).

يلعب الضعف الاقتصادي أيضاً دوراً في الأمر، حيث تسبب في تقليص استهلاك الطاقة، كما فقد التعافي في الصين الزخم، ودخل التصنيع الأوروبي في ركود عميق وفاجأ الانكماش ألمانيا في الربع الأول، ودفعها للركود.

بخلاف ذلك، سعت أوروبا جاهدة لبناء مصادر طاقة متجددة أكثر، لذا ساعدت مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الجديدة والظروف الجوية الجيدة في تقليل الحاجة إلى الغاز لتوليد الكهرباء العام الحالي، وبالتالي خفّ الطلب أكثر.

في هذا الصدد، يقول جورج زاكمان، زميل بارز في مركز الأبحاث "بروغل" (Bruegel) في بروكسل، إن هبوط الأسعار يمثل "أنباء ممتازة لأوروبا ويثبت أن زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال وكذلك تقلص الطلب نجحا سريعاً في موازنة السوق الأوروبية بعد أن منعت روسيا إمداداتها".

على صعيد الأسر، تبدو فوائد هبوط الأسعار واضحة، وقد يتباطأ التضخم في منطقة اليورو إلى 6.3% في مايو لأدنى مستوى منذ ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. في تقرير، مقرر صدوره يوم الثلاثاء، يقول اقتصاديون في "نومورا" إنهم يتوقعون رؤية "وصول الأسعار الأقل للطاقة بالجملة إلى المستهلكين على نطاق واسع عبر منطقة اليورو".

لكن حتى بعد رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة، أثبتت المقاييس الأساسية للتضخم أنها أكثر ترسخاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى انعكاس تكاليف الطاقة على أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد الأوسع، والآن مع تراجع التضخم الرئيسي، سينحسر ضغط الأجور لكن هذه العملية تستغرق وقتاً.

بالنسبة لمعظم القطاعات، بدأت الأزمة عندما غزت روسيا أوكرانيا في فبراير 2022، أما فيما يخص الطاقة، ظهرت المشكلات قبل عامين عندما بدأت موسكو تقليص الإمدادات، ورفضت زيادة عمليات التسليم إلى أوروبا عبر أوكرانيا. الآن، أصبحت أوكرانيا هي آخر طريق متبقٍ لنقل الغاز الروسي عبر الأنابيب إلى أوروبا الغربية بعد الأضرار التي لحقت بخط نورد ستريم المغلق المؤدي إلى ألمانيا في سبتمبر.

تراقب السوق عن كثب طلب الصين على الغاز، إذ ربما تنخفض أسعار الغاز الأوروبية أكثر إلى أقل من 20 يورو للميغاواط/ساعة، إذا ثبت أن هناك ضعفاً شديداً في واردات الغاز الطبيعي المسال الصينية، وفق المحللين في "إنرجي أسبكتس".

في أوروبا نفسها، لا تؤدي الأسعار المنخفضة الحالية إلى زيادة الطلب الصناعي، الذي هبط العام الماضي أثناء ارتفاع تكاليف الطاقة. ويعد أحد أكبر التساؤلات بالنسبة لمتداولي الغاز هو إذا ما كان هذا الطلب سيعود ومتى في محاولة منهم لتحديد قاع السوق. يقول البعض إن بعض خسائر الطلب ستكون دائمة.

تعليقاً على ذلك، قالت بريندا شافر، زميل بارز في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن: "دمار الطلب تعبير ألطف عن انهيار القطاع الصناعي… على خلفية أسعار الطاقة العالية في أوروبا، تعرضت العديد من الصناعات، خاصة كثيفة الاستهلاك للغاز، إما للانهيار أو الانتقال لخارج أوروبا". وأضافت: "هذه الصناعات لن تعود حتى إذا هبطت أسعار الطاقة".