تكيسات المبايض.. «متلازمة» البنات المسكوت عنها

متلازمة البنات
متلازمة البنات

علا نافع

فى منتصف كل شهر ينتاب هدى (15 عامًا) خوف ورهبة من اقتراب موعد دورتها الشهرية، إذ تهاجمها آلام صعبة أسفل البطن والثديين تمتد ستة أيام كاملة وتصل لذروتها بالأربعة أيام الأولى، فضلًا عن تغيُّر مِزاجها، ورغبتها فى البكاء والانعزال عن محيطها بل يصل أحيانًا إلى حد التفكير فى الانتحار، ما يؤثر بالسلب فى دراستها وعلاقتها بالأهل والصديقات، ورغم نصيحة بعض أقرباء أمها بضرورة عرض ابنتها على طبيب نساء وتوليد، إلا أنها عارضت ذلك بشدة بحجة أنه من العيب زيارة فتاة صغيرة لطبيب النساء قبل الزواج، مبررة أنها تلجأ لإعطائها الأعشاب الطبيعية كمحاولة لتخفيف الآلام ودون أن يكون لها أى آثار جانبية مثلما تعلمت من والدتها هى الأخرى.

لم تكن هدى الفتاة الوحيدة التى تعانى تلك الأعراض، حيث إن غادة صاحبة الأربعة عشرة عامًا بدأ وزنها يزداد تدريجيًا، وأصبحت تشعر بآلام مبرحة فى كافة أنحاء جسدها طوال فترة الدورة الشهرية رغم عدم انتظامها، فضلًا عن انتشار الشعر الزائد بوجهها وبطنها، والشعور بالكسل وعدم القدرة على ممارسة حياتها اليومية. حاولت غادة مرارًا إقناع والدتها بضرورة زيارة الطبيب، إلا أن الأم كانت تنهرها وتوبخها بحجة العيب، ما دفعها للبحث عن أسباب تلك الأعراض وتوصلت لكونها بسبب متلازمة تكيسات المبايض التى تصيب الجهاز التناسلى وتسبب اضطرابات فى الدورة الشهرية تصل لحد صعوبة الإنجاب أو استحالته عند الزواج.

هدى وغادة من بين الكثير من الفتيات اللواتى يعانين من متلازمة تكيسات المبايض، التى تصيب واحدة من بين عشر فتيات، بحسب إحصائية حديثة لمنظمة الصحة العالمية، دون أن يتم معالجة المشكلة أو حتى الإفصاح عن الإصابة بها، وذلك لطغيان ثقافة العيب على المجتمع المصري، والأهم غياب الكشف الدورى بالمدارس وعدم التوعية بأسباب الإصابة به وكيفية علاجه، مما يزيد من معدلات الشعور بالاكتئاب والقلق التى تصل لحد الانتحار والتفكير فيه بشكل جاد خاصة مع التنمر الذى تتعرض له بعض المريضات نتيجة انتشار الشعر الزائد وخشونة الصوت وهذا لارتفاع هرمون الذكورة المعروف بالأندروجين.

صمت الأطباء

مع بلوغها عامها الثامن عشر بدأت سماح فى ملاحظة انتشار الشعر الزائد بجسدها وخاصة الوجه، إضافة إلى سقوط شعر رأسها بشكل كبير مما دفعها لزيارة أحد أطباء الجلدية الذى وصف لها بعض الأدوية التى تزيد من كثافة شعر الرأس وتثبط نموه فى باقى الجسم، إلا أنها لم تأتِ بأى نتيجة، ومع إلحاحها المتكرر عليه بضرورة إجراء بعض التحاليل لمعرفة السبب الحقيقى، أخبرها بأن السبب الرئيسى هو إصابتها بمتلازمة تكيسات المبايض وفيها يعجز المبيض عن إنتاج بويضات كاملة، ونهرها عند مصارحته له برغبتها فى زيارة أحد أطباء النساء، معللًا بأن علاج ذلك المرض يعتمد على حبوب منع الحمل وتنشيط المبايض وهذا سيكون له آثار سلبية عليها خاصة لكونها غير متزوجة، ونصحها بالمواظبة على جلسات إزالة الشعر الزائد كى لاتصاب بالحرج أمام قريناتها.

حلم مؤجل

حاولت عزة تأجيل حفل زفافها بقدر استطاعتها حيث انتابتها مخاوف من عدم قدرتها على الحمل حسبما أكدت لها الطبيبة، فتكيسات المبايض تعوق حدوث الحمل بل وتمنعه أحيانًا، ما دفعها لطلب الانفصال عن خطيبها بدعوى عدم قدرتها على الإنجاب، لكنه رفض ذلك رفضًا قاطعًا، وبعد الزواج بدأت رحلة العلاج التى مازالت مستمرة إلى الآن، وقد وضعت عزة احتمالية اللجوء لتقنية أطفال الأنابيب بل خصصت ميزانية لإجراء عملية الحقن المجهرى، ويومًا تلو الآخر توجه اللوم لوالدتها لتجاهلها علاج حالتها فى مرحلة مراهقتها بسبب الخوف من انتقادات وتأنيب الأهل والمجتمع.

تبدأ علامات ظهور تكيسات المبايض فى فترة بلوغ الفتيات وتتنوع علاماته مابين كثافة ظهور شعر الجسم وحبوب الشباب المزعجة، هكذا يقول الدكتور محمد عبدالحميد، طبيب أمراض النساء والتوليد، موضحًا: تكيسات المبايض هو أحد الأمراض الأكثر شيوعًا ولا يوجد سبب واضح للإصابة به وهو عبارة عن وجود أكياس حول بويضات المبيض ممتلئة بالسوائل أو على سطح المبيض نفسه، ما يجعل المبيض عاجزًا عن إنتاج بويضات صالحة للإخصاب، وهذا أحد أسباب تأخر الحمل أو العقم بشكل كامل، مشيرًا إلى أنه يمكن علاجه بشكل سريع أو اختفاؤه من تلقاء نفسه ببعض الأحيان شرط صغر حجم الأكياس وأعدادها.

المضاعفات 

ويضيف: بالطبع يؤدى هذا المرض للشعور بالعديد من المضاعفات كالشعور بالكسل والامتلاء بمنطقتى أسفل البطن والحوض، فضلًا عن زيادة الوزن واضطرابات فى الأوعية الدموية والقلب نتيجة ارتفاع مستوى الدهون الثلاثية بالدم، وتزداد خطورته فى حال تأخير تشخيص الإصابة به الذى يصل لحد الانتحار والاكتئاب المزمن، وذلك بحسب إحصائيات الجمعية الأمريكية الوطنية للطب، إذ أشارت إلى أنه يحفز معدل الإصابة بأمراض اضطراب ثنائى القطب، الوسواس القهرى.

وعن تجاهل الكشف المبكر بدعوى العيب يقول: بالطبع هناك الكثير من الأطباء الذين يعتبرون أن علاج الفتيات من المتلازمة قبل الزواج هو أمر مرفوض، لاعتقادهم بأن علاجه سهل ويقتصر على نظام غذائى صحى.

فضلًا عن عقاقير تنشيطية، لكنهم نسوا أن مضاعفاته ذات خطورة كبيرة قد تصل لحد التواء المبيض أو سرطانه، كما يسبب انفجار الأكياس حدوث نزيف داخلى يسبب العقم المبكر، لذا لابد من عدم تجاهل أى علامة تشير للإصابة به مع نشر أساليب التوعية به فى المدارس.

فكرة خاطئة 

أما الدكتورة يسرا لاشين، أستاذ أمراض النساء والتوليد، فتشير إلى أن تكيس المبايض ليس مرضًا إنما متلازمة لها أسباب مختلفة منها العوامل الوراثية، فوجود واحدة من سيدات العائلة مصابة به يزيد من احتمالية انتقاله، إضافة إلى مقاومة الإنسولين فزيادته بالجسم ينشط المبيض ويحفزه على إفراز هرمون الأندروجين أو هرمونات الذكورة، مؤكدة أن بعض الأطباء يشخصون المرض بشكل خاطئ وربطه بالسمنة خاصة مع طبيعة الحياة غير الصحية التى تقبل عليها كثير من الفتيات مما يؤدى لحدوث اضطرابات فى الإباضة.

وتوضح أن الأعراض العامة لهذه المتلازمة تتباين، ومنها زيادة مستوى الشعر الزائد بالجسم وانتشار حبوب الشباب، كما تنقطع الدورة الشهرية شهرًا أو أكثر مع نزول دم الحيض بشكل مضاعف، إضافة إلى الخمول والكسل نتيجة الاضطراب الهرمونى مع آلام قوية فى الجزء الأسفل من الجسم الذى يشمل منطقة الحوض والفخذين.

وعن النصائح العامة للتكيف مع تلك المتلازمة تقول: لابد من اتباع نظام غذائى صحى وتقليل الوزن، إذ إنه يقلل من هرمون الأستروجين بالدم وهو المرتبط بالمتلازمة فضلًا عن ممارسة الرياضة التى ترفع مستوى هرمونات السعادة وتحسن الحالة المزاجية، كذلك عدم تجاهل زيارة الطبيب فى بداية الإصابة به فاكتشافها مبكرًا يجعــــل العــــلاج أسهل وإمكانية إزالة الأكيــــاس بشــكل أكثر أمانًا.

آثار نفسية

وعــن الآثــار النفســية الناتجـة عــــــن المتلازمــــــــة لــــــــدى المـراهــقـــــات يقـول الاستشارى النفسى الدكتـــور أحمــــد أبــــو العــــــلا: توصلت الدراسات والأبحاث إلى أن المراهقات اللاتى يعانين من ذلك المــرض هـــن الأكــثر تعرضًا للاكتئاب والقلــق فضــــلًا عــن الاضطــرابــات المختلفة كالوسواس القهرى وثنائى القطب مما يدفع بعضهن للانتحار كما أشارت الجمعية الأمريكية للطـــب النفســى، مشـــيرًا إلى أن ممارســـة تمـــارين التأمـل واليوجا تخفض من مستوى الكورتيزول المرتبط بالتوتر والاكتئـــاب فـضــــلًا عــن الإرشاد النفسى من قبل المعالجين النفسيين.

نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 24/5/2023

اقرأ أيضًا : للجنس الناعم.. 7 علامات على وجهك تكشف حالتك الصحية