خبير آثار يرصد محطات في مسار العائلة المقدسة.. من سيناء إلى أسيوط

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

مع اقتراب احتفال مصر بعيد دخول العائلة المقدسة إلى مصر أول يونيو القادم يأخذنا خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار فى رحلة علمية روحانية يرصد خلالها معالم وجهود الدولة فى تطوير مسار العائلة المقدسة عبر كل محطاتها من رفح إلى الدير المحرّق بأسيوط.

فى البداية يوضح ريحان أن المصادر التاريخية القبطية من القرن الرابع الميلادي مثل (ميمر البابا ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية الـ23) ومن القرن السابع الميلادى مثل (ميمر الانبا زخارياس أسقف سخا) أكدت أن مجىء العائلة المقدسة بسطة "تل بسطة" فى الزقازيق كان يوم 24 بشنس الموافق 1 يونيو والذى تحتفل فيه مصر كلها بدخول العائلة المقدسة إلى مصر وقد ظلت بها 3 سنوات و11 شهر كما جاء فى بردية باللغة القبطية القديمة عثرت عليها بعثة جامعة كلوم الألمانية.

أقرأ أيضا : مصطفى جاد يكتب: احتفالات مسار العائلة المقدسة على قائمة اليونسكو

وقد جاء فى القرآن الكريم فى سورة المؤمنون آية 50 "وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ" ويشير الدكتور ريحان أن المقصود بالربوة التي أوت إليها العائلة المقدسة هي أرض مصر وهى أرض بها نبات وربما تكون هذه الربوة بمدينة الفرما بشمال سيناء أو تل بسطة بالزقازيق، خاصة وأن الفرما هى المدينة التى استقبلت نبى الله إبراهيم وزوجته السيدة سارة حين قدومهم إلى مصر واستقبلت أخوة يوسف الصديق وقد قال لهم أبوهم نبى الله يعقوب  "وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ" سورة يوسف آية 67 وربما تكون أبواب مدينة الفرما، لذلك جاءت العائلة المقدسة من نفس الطريق الآمن الذى جاء منه أنبياء الله إبراهيم ويعقوب عليهم السلام.

ونوه الدكتور ريحان بأن الرحلة قطعت 3500كم فى مصر ذهابًا وإيابًا وقد جاء السيد المسيح وعمره أقل من عام أى جاء مصر طفلًا وعاد صبيًا وقد باركت العائلة المقدسة العديد من المواقع بمصر من رفح إلى الدير المحرق تضم حاليًا آثار وآبار وأشجار ومغارات ونقوش صخرية.

 

محطات العائلة المقدسة

جاءت العائلة المقدسة عن طريق شمال سيناء وباركت خمسة مناطق رئيسية فى مصر، سيناء، الدلتا، وادى النطرون، منطقة حصن بابليون وموقع القاهرة حاليًا وصعيد مصر وكانت نهاية الرحلة بدير المحرق بالقوصية محافظة أسيوط وعبرت إلى منطقة درنكة بأسيوط أثناء العودة.

 

ويشير الدكتور ريحان إلى مسار الرحلة بسيناء حيث بدأت من (رافيا) رفح، رينوكورورا (العريش)، أوستراكين (الفلوسيات)، القلس (تل المحمدية)، بيلوزيوم (الفرما)، وأصبحت محطات الرحلة مراكز تجمعات رهبانية أنشئت بها الكنائس والأديرة ومراكز أنشطة تجارية وبعضها موانئ هامة، وبعضها نقاط عسكرية لحماية قوافل التجارة وبعضها نقاط جمارك.

 

المحطة الأولى بسيناء هى رافيا (رفح) تبعد 50كم عن العريش وذكرت فى النصوص المصرية القديمة (را – بح)  وقد كشف بها عن أعمدة من الجرانيت الأسود وكسر من حجارة البناء الصلبة وكسر آنية الفخار والزجاج على أنواعها والفسيفساء وهرّابات الماء وقطع النقود الفضية والنحاسية من عهد الرومان والبيزنطيين والعصر الإسلامى.

 

المحطة الثانية بيتلون (الشيخ زويد) تبعد 25كم شرق العريش، وتقع شمال القرية جبانة قديمة فيها قبة الشيخ زويد الذى سميت القرية على إسمه ويقولون أنه من الصحابة وقد قام عالم الآثار الفرنسى كليدا بإجراء حفائر بالشيخ زويد عام 1913وعثر على فسيفساء ترجع إلى العصر الرومانى معروضة الآن بمتحف الإسماعيلية .

 

 المحطة الثالثة رينوكورورا (العريش ذكرت بهذا الإسم فى العصر الرومانى وأنها كانت مكانًا ينفى إليه المجرمون بعد جدع أنوفهم ولهذا أصبح اسمها رينوكورورا ومعناه المقطوعى الأنوف، أما العريش فهو الإسم الذى أطلقه عليها العرب والظاهر أن أهلها قديما كانوا يسكنون فى مظال من القش اليابس كما يفعل أهل البادية اليوم فى الصيف فسميت أماكنهم بالعريش وهذا الإسم ما يزال يطلق هناك على مظال القش إلى الآن

 

 

المحطة الرابعة كنائس أوستراسينى (الفلوسيات) وتقع فى الطرف الشرقى من بحيرة البردويل 3كم من شاطئ البحر المتوسط 30كم غرب العريش وكانت أوستراسينى منطقة عامرة فى العصر المسيحى وكان لها أسقف وعندما أراد الإمبراطور جستنيان تحصين مناطق سيناء ضد غزو الفرس كانت أوستراسينى من بين المناطق التى أقيمت فيها الحصون ووصلت المبانى فى عهده إلى البحر وأصبحت المدينة مركزًا لكرسى دينى هام.

 

واكتشف الآثارى الفرنسى كليدا عام 1914 كنيستان بالفلوسيات، الشمالية  لا تزال بقاياها تدل على تخطيطها مستطيلة طولها62م من الشرق للغرب وعرضها 22م وكانت أرضيتها مغطاة بالرخام بسمك 10سم وقد استخدم فى بنائها الحجر الكلسى الرسوبى الناتج من الترسيبات البحرية التى تنتشر بالساحل الشمالى بشمال سيناء وخاصة غرب العريش بالإضافة إلى الحجر الجيرى المجلوب من منطقة المغارة جنوب العريش والرخام والجرانيت من أسوان أو روما أو أثينا وهى كنيسة على الطراز البازيليكى مكونة من صحن أوسط وجناحين جانبيين، كما تضم الفلوسيات بقايا كنيسة غربية.

                                                                                                 

المحطة الخامسة كاسيوس (القلس) تقع على شاطئ البحر المتوسط فوق المنحنى الذى تقع على جنوبه بحيرة البردويل على مسافة 38كم غرب الفلوسيات وكان بها حصن ومعبد ودير، المحطة السادسة جرها (المحمدية) تقع على شاطئ البحر عند الطرف الغربى لبحيرة البردويل.

 

تل الفارما "البلوزيوم"

 

ويتابع الدكتور ريحان بأن بيلوزيوم (الفرما) تعد من أهم المحطات بشمال سيناء ومنها انطلقت العائلة المقدسة إلى الدلتا، وتبعد الفرما 35كم شرق مدينة القنطرة شرق على شاطئ البحر المتوسط عند قرية بلوظة وتبعد الآثار المكتشفة بالفرما 5كم عن الطريق الرئيسى طريق القنطرة – العريش 

وكان للفرما دورًا عظيمًا فى تاريخ المسيحية حيث تنسك فيها القديس إبيماخس الشهيد ثم توجه إلى الإسكندرية فى عهد الإمبراطور داكيوس فقبض عليه الحاكم أبليانوس وقتله عام 251م  وفى عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى 409-450م قام فيها عالم يدعى إيسودوروس الذى كتب عدة مقالات فى الدين وجهها إلى أعدائه وأحبائه وأطلق عليه إيسودوروس الفرمى وهو من مواليد الإسكندرية.

 

تضم الفرما مجمعًا للكنائس بتل مخزن الذى يقع فى الجزء الشرقى من مدينة الفرما وقد وصف كليدا التل عام 1909 وأول حفائر به قامت بها منطقة شمال سيناء للآثار الإسلامية والقبطية عام 1988 ومن خلال ثلاثة مواسم حفائر تم اكتشاف كنيسة بازيليكا  يتقدمها آتريوم يتكون من فناء مساحته 31.50م طولًا، 15م عرضًا يفتح عليه مجموعة من الحجرات وهى على طراز البازيليكا وتضم حجرات جانبية ربما تكون مخصصة للزوار من الحجاج المسيحيين

وتقع كنيسة الفرما فى الجزء الشمالى من المدينة  وكشفت عنها حفائر منطقة جنوب سيناء للآثار الإسلامية والقبطية عام 1985حيث تم كشف بناء يتكون من وحدتين معماريتين مختلفتين فى التصميم ولكنهما مرتبطتين ببعضهما البعض والمبنى كله يشكّل وحدة معمارية متكاملة لكنيسة كما تم الكشف عن معمودية تقع بالجهة الشمالية الغربية خارج المبنى الغربى  وهى عبارة عن بناء من الطوب الأحمر على شكل صليب متساوى الأضلاع داخل دائرة قطرها 4.70م كانت جدرانها مكسوة بالرخام من الخارج تتضح بقاياه فى جوانب الحوض وكانت أرضيتها مبلطة بالفسيفساء للعثور على عدد كبير من قطع الفسيفساء الرخامية والحجرية بألوان مختلفة فى نفس المكان، كما كشف عن بازيليكا ضخمة تعد أكبر من بازيليكا دير مارمينا بكنج.