خواطر الإمام الشعراوي.. «وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ»

خواطر الإمام الشعراوي
خواطر الإمام الشعراوي

يقول الشيخ الشعراوى فى خواطره حول الآية 196 من سورة البقرة «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».

إن النسق القرآنى نسق عجيب، فأنتم تذكرون أنه تكلم عن الصيام. ورمضان يأتى قبل أشهر الحج، فكان طبيعيًا أن يتكلم عن الحج بعد أن تكلم عن رمضان وعن الأهلة وعن جعل الأهلة مواقيت للناس والحج كما أن هناك شيئًا آخر يستدعى أن يتكلم فى الحج وهو الكلام عن القتال فى الأشهر الحرم، وعن البيت الحرام فقد قال سبحانه: «وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ» «البقرة: 191». إذن فالكلام عن الحج يأتى فى سياقه الطبيعي.

وحين يقول الله: «وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ» نفهم منه أن الأمر بإتمام الشيء لا يكون إلا إذا جاء الأمر بفرض هذا الفعل، فكأنك بدأت فى العمل بعد التشريع به، ويريد منك سبحانه ألاّ تحج فقط، ولكن يريد منك أن تتمه وتجعله تامًّا مستوفيًا لكل مطلوبات المشرع له.

وساعة يقول الحق: «وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة»  لقائل أن يقول: إن الحج شيء والعمرة شيء آخر، بدليل عطفها عليه، والعطف يقتضى المغايرة كما يقتضى المشاركة، فإن وجدت مشاركة ولم توجد مغايرة فلا يصح العطف، بل لابد أن يوجد مشاركة ومغايرة.

والمشاركة بين الحج والعمرة أن كليهما نسك وعبادة، وأما المغايرة فهى أن للحج زمنًا مخصوصًا ويشترط فيه الوقوف بعرفة، وأما العمرة فلا زمن لها ولا وقفة فيها بعرفة. ولكن الحق سبحانه وتعالى يقول فى مشروعية الحج: «وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً» «آل عمران: 97».

ولم يأت فى تلك الآية بذكر العمرة، ومنها نعرف أن الحج شيء والعمرة شيء آخر، والمفروض علينا هو الحج. ولذلك أقول دائما لابد لنا أن نأخذ القرآن جملة واحدة، ونأتى بكل الآيات التى تتعلق بالموضوع لنفهم المقصود تمامًا، فحين يقول الحق فى قرآنه أيضا: «وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ» نعرف من ذلك أن العمرة غير الحج، وحين تقرأ قول الله فى سورة براءة: « وَأَذَانٌ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الناس يَوْمَ الحج الأكبر» «التوبة: 3». نعرف أن هناك حجِّا أكبر، وحجِّا ثانيا كبيرًا. ولذلك فآية «وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت» جاءت بالبيت المحرم، وهو القدر المشترك فى الحج والعمرة.

ونعرف أن الحج الأكبر هو الحج الذى يقف فيه المسلم بعرفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «الحج عرفة». وهو الحج الأكبر؛ لأن الحشد على عرفة يكون كبيرًا، وهو يأتى فى زمن مخصوص ويُشترط فيه الوقوف بعرفة.

إذن قوله تعالى: «وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت» الحج هو القصد إلى مُعظّم وهو «حِجُّ البيت»، أما العمرة فهى الحج الكبير وزمانها شائع فى كل السنة، والقاصدون للبيت يتوزعون على العام كله. وذلك قد ثبت بالتشريع بقوله سبحانه: «وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت». وما دام جاء بالأمر المشترك فى قوله: حج البيت فهو يريد الحج الأكبر والحج الكبير.

والحق سبحانه وتعالى يخاطب عباده ويعلم أن بعض الناس سيقبلون على العبادات إقبالاً شكليًا، وقد يقبلون على العبادة لأغراض أخرى غير العبادة، فكان لابد أن يبين القصد من الحج والعمرة، وأن المطلوب هو إتمامهما، ولابد أن يكون القصد لله لا لشيء آخر، لا ليقال (الحاج فلان)، أو ليشترى سلعًا رخيصة ويبيعها بأغلى من ثمنها بعد عودته.

ونحن نعلم أن الحج هو العبادة الوحيدة التى يستمر اقترانها بفاعلها، فمثلاً لا يقال: (المصلى فلان) ولا (المزكى فلان)، فإن كان الحاج حريصًا على هذا اللقب، وهو دافعه من وراء عبادته فلابد ألا يخرج بعبادته عن غرضها المشروعة من أجله، إن الحق يقول: «وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ». وكلمة (لله) تخدمنا فى قضايا متعددة، فما هى هذه القضايا؟ إن المسلم عندما يريد أن يحج لله فلا يصح أن يحج إلا بمال شرع الله وسائله.