كلمة والسلام

الوفرة والضمير والتجريس

سعيد الخولى
سعيد الخولى

هل يتحول الضمير فى أوقات الوفرة وسهولة العيش إلى ظل يلازم كثيرا من الناس يلذعهم ويرعونه ويجعلون التجريس به عقابا لمن يتناساه ؟

.. الرحالة الشهير ناصر خسرو زار مصر فى القرن الخامس الهجرى وأقام بها فترة ووصف الحياة فيها بدقة فى مؤلفه الشهير (سفر نامة).. أكتفى منه بمشهدين يلخصان كيف كانت مصر وقتها:

(وفى اليوم الثالث من شهر دى القديم «ديسمبر - يناير» رأيت فى يوم واحد هذه الفواكه والرياحين: الورد الأحمر والنيلوفر والنرجس والترنح والنارنج والليمون والمركب والتفاح والياسمين والريحان الملكى والسفرجل والرمان والكمثرى والبطيخ والعطر والموز والزيتون والرطب والعنب والباذنجان والقرع واللفت والكرنب والفول الأخضر والخيار والقثاء والبصل والثوم. والجزر والبنجر) انتهى ما ذكره الرحالة من أنواع شاهدها بنفسه فى يوم واحد بأحد أسواق مصر وفيها: الصيفى والشتوى والربيعى والخريفى، وطبعا لم يكن ما يسمونه الهندسة الوراثية ولا الهرمونات قد أمسكت برقاب المستهلك قبل الزارع المنتج، ومرجع ذلك فى رأيى لاتساع رقعة مصر وتعدد مناخاتها فى وقت واحد وبالتالى تعدد خيراتها دون اختراع الصوب والكيماويات التى زرعت فينا كل أنواع الأمراض مع انعدام ضمير من يستوردونها وانعدام الخوف على صحتنا ممن يسمحون لتلك السموم بالدخول.

أما موقع الضمير لدى التجار وقتها فيقول عنه ناصر خسرو: (وتجار مصر يصدقون فى كل مايبيعونه. وإذا كذب أحدهم على مشتر فإنه يوضع على جمل ويعطى جرسا بيده ويطوف به فى المدينة وهو يدق الجرس وينادى قائلا: قد كذبت وها أنا أعاقب. وكل من يقول الكذب فجزاؤه العقاب) انتهى كلام ناصر وفقط أتساءل: هل هناك رابط فعلا بين الضمير وتوافر المطالب المعيشية ؟ وإذا كانت أسباب معيشتنا متوافرة رغم الغلاء فكم جملاً نحتاج لتجريس الكاذبين من الكبار والتجار وكم منهم سيقول قد كذبت وغششت وسرقت فى الميزان.

رغم أن كثيرين منهم يصدرون محالهم بالحديث الشريف(من غشنا فليس منا).. وبالطبع لا أقصد الجمال التى نعرفها فلم تعد وسيلة تناسب عصر النت والمحمول وشبكات التواصل الاجتماعى واليوتيوبرز ، فالرمز من القصة أهم من الوسيلة، ولو حاولنا تطبيقها فسيكون مارك زوكربيج وفيس بوكه وأنستجرام وغيرهما من وسائط العصر ـ سيكونون الأسعد بملايين ومليارات الفيديوهات التجريسية، وإن اختلط حابلها بنابلها وضاعت معها الحقيقة والغرض الشريف كما يحدث فى ذلك العالم المثير..