زهرة يسري تكتب: مدينة في فمي

زهرة يسرى تكتب : مدينة فى فمى
زهرة يسرى تكتب : مدينة فى فمى

زرقاء وباهتة

فى فمى مدينة

عالم من العظام الطافية وكلمات لا أحسن مخارجها. 

تنعدم الجاذبية فلا يوارى الموت الوجوه بالتالى تنعدم الذكريات. 

مدينة بلا أبواب. بلا صناديق تعبأ بالظلال. 

اقرأ ايضاً| عمر سامح يكتب: صُحبة أحباب  

يجلس الموتى على المائدة بملابس النوم فى بيوت تهاجر وشبابيك تغير موضعها. 

يأكلون مع الأحياء فى طبق واحد. السجائر مشتعلة والأبواب مفتوحة.

فى الخارج حلت الجاذبية كعقاب أبدى.

أطبقت فمى على الناجين.

موصولون بحبال أحركها فوق السطح. 

موصولون بأصابعى التى لم أغلقها على قلبك. 

فى الخارج وتحت المطر النادر شق الرعد السماء ليلتقط صورة لى. 

الأربعاء المرج 

رأيت نفسى فيه، معلقا خلف الزجاج. القميص الأزرق بخطوط صغيرة بيضاء توحى بسرب من الطيور. 

تخيلت مسبقا عدد المرات التى سيحملنى فيها بعيدا عن مقعد التلميذ المعاق. 

جيهان تصعد طوابقها الخمسة وسط ضباب من بيوت حمراء بفتحات معدة لتكون شبابيك يخرج منها الضوء. 

شد المتوحد قميصى: 

يطير الطائر ويصحبنى معه.

يهز رأسه بعنف ليطرد ذرات الغبار عن رأسه فأعرف أنه يرانى. أهز رأسى مثله فتتحول البديهيات إلى مادة سهلة الهضم. 

تقول جيهان: انظرى إلى الأمام. فأرى الدهون عالقة فى سقف المطبخ. تلقى بالمفتاح فأضعه فى جيبى مع مفاتيح لأبواب لم تعد موجودة. لن ترى جيهان بيتى القريب من البحر. ولن أصعد دوائر الغبار لأدخل من شبابيك يخرج منها الليل. 

أقرأ على المتوحد الشعر، فيقول: يطير الطائر. جملة مفيدة.

 الأحد/ la Torse

قطعت الغابة مرتين 

العداؤون حول بحيرة البط يقطعون الصباح عشرات المرات 

الجرى فى الغابة صباحاً 

الجرى فى الغابة ليلاً

الجرى مجاز الأحد الأخضر

الجرى إلى نهاية لا تعرفين متى بدأت

الجرى على سجادة الخريف المشتعلة

الجرى أثناء النوم على سرير أرجوانى ثم النوم فى طرد خفيف الوزن على سلم الطائرة الكهربائى 

الجرى خلف حائط الكنيسة حيث يتلو القس صلاة الصباح على ثلاثة متقاعدين.

الجرى يمد يدا عليك اللحاق بها..

الخميس / فوق السحاب

صنعت الأصدقاء من أصابعى 

من أمواج السماء وغيوم البحر

أنقذنى المجاز من سياط الأب وداوتنى الصور

لست الطفل يبكى

ولا الأم تعطى ثديها 

ولا الأب يهدهد بصوت استعار من خيوط الفجر

يكتبون على صفحته البيضاء ما لا أراه فى

التضاد يجرح المعنى

والصفحة البيضاء لم أكنها 

ولا السطور الأولى للغيب

لا أشبه نفسى 

اقترب من النهاية وفى يدى أكياس التسوق أضعها آخر السطر 

الثلاثاء/ عودة

ترتفع النافذة العالية

أراقب البحر.. ذلك الآتى الذى لا يصل 

أراقب ما بعد الخروج 

عاد الناس إلى بيوتهم 

فتح البيت فمه ليلفظ صرخته 

ترفرف الستارة البيضاء على المنحدر  

على فم الحوت ترقد فى بطنه مدينة كاملة

هناك تحرك سعادة الجيران أوتار الضوء فيهتز النهار كيد غير واثقة

اللحن نشاز لا يسكر والبرية ركنت فى جراج تحت بيتى 

بحبل حول عنق سحابة ألقى مصيرك للريح

أغير مربط أبديتك وأقودك نحو ضلوعى 

أطلال أنا الشاهد عليها 

تقبض الأصابع على المقود وتنام

تنغلق على الكهف يوم الجمعة 

على القطة السوداء فى آخر الفنجان 

على طنين مكنة الخيال

على البحر يتقدم فى رأسى ويتراجع 

كالسوط ينهال علىّ

يتربص بالشخص الذى هو أنا 

من يلحق بالمكان الباقى

ينده المؤذن خمس مرات: الرجاء ربط الأحزمة

أضع رأسى على أصابعى

أنا صرخة البيت والنافذة قلبى المفتوح 

السبت / Paris

الحناء فى شعر المومياء عنوان وليس قصيدة

تنمو ملتصقة بالحائط. تنشب أوراقها فيه ثم تجف كملاحظة عابرة فى رأس عابر. 

جملة اعتراضية هى ما أردت قوله من كل تلك الحواشى وما أردت نسيانه فالتصقت بجدار الرأس حصوة فوق حصوة.. جدار عازل صد الموج العاتى على سرير أبى. 

الإثنين / المدرسة 

تهتز على فروعها. الأوراق الناجية من إعصار الخريف. أجراس بلا صوت. تفقد الطيور بوصلتها. تصطدم بزجاج النافذة. واحدة وراء أخرى، مخلفة زوبعة من الريش وبقعا حمراء تزعج ليلى عاملة النظافة. مساحيق التنظيف صديقة البيئة لا تزيل البقع. أردد على قيس تصريف فعل ذهب فى الماضى البسيط. تحلق نوارس على مقبرة الطيور فى الفناء الخلفى حيث تمطر السماء المعلقات، فأسأل المدرس: ماذا تفعل النوارس فى مدينة بلا بحر.

 الأربعاء/ يدى

لم أكن وحدى. كانت تتدلى من كتفى. قريبة لهذا الحد غريبة لهذا الحد.

أمسكت بها كأم ومشيت.

أمسكت بها فأمسكت بيدى أسماء الزمان وأسماء المكان.

أمسكت بيدى كفة الكلمات وأمسكت بيدى كفة المعانى. 

أمسكتُ بها.

وقلت أخيرا وجدتها.

أصابع خمسة. عروق وشرايين وأوردة لو زرعت الآن لن تنبت زهرة. شوارع وحارات وبيوت. تاريخ حدث فى لحظة. صار أبدك تمتطيه لتمشى عليه لحظة بلحظة. فلمَ لم تموتى مرة واحدة لتمسك بيدى الطفلة الجالسة فيك. تمسك بيدها الأم الجالسة فيها. ثم الأخ الملفع بسحابة تمر فوق مدينة. يخرجون من رأسك يبحثون عن أسمائهم وأصواتهم. أصوات حادة ورخيمة. أصوات ليس لها صاحب وأصوات تشف عن أصحابها. صرير أصوات تتخذ أماكنها فى الأركان. صوت على شكل فازة وآخر صورة لهدير البحر وثالث يخرج من الشقوق على هيئة نباتات تتسلق. تمتد التحيات الأخيرة على السلالم سجادة حمراء للمولود المنتظر. ما اسم بنتك يا هالة فيرد الشيخ يخرج الحى من الميت. تمسك بيدك هالة وابتسام وأياد أخرى .. 

نمشى ببطء كأننا نجر مدينة بشوارعها وحواريها.. أحيائها وأمواتها. أنهارها وصحاريها..

تهتز الغوايش ويرن الخلخال فى قدم الجدة

يتبعك شيخ ضرير وكلب يحمل فى فمه جثة طازجة

الجمعة/ مطار القاهرة

كان الخروج سهلاً، مجرد فتحة باب تعبرها.

صار طقوسا للحفاظ على الكائن. تفتح ذراعيها كمن يفتح باب نفسه. يطل الكائن برأسه ثم يفسح طريقا ويخرج. يمشى بين الناس كما يمشون. يتسوق كما يتسوقون. يستمع إلى الموسيقى ثم يصفق للراقصين كما يصفقون. ينظر بإعجاب إلى كلب الراعى ويبتسم لأمهات يضعن الأطفال فى عربات مزينة بالبالونات.. وأحيانا لا يخرج فتختفى العربات المزينة ويختفى الراقصون ويختفى كلب الراعى. وحدها الموسيقى تتسلل مع الهواء إلى رأسه. 

السبت/ كورنيش المعادى

لا تثبت على حال

تخرج على أقدام مدفوعة بالريح. تطوف الشوارع. الجو حار صيفاً بارد شتاءً. النهار طويل والليل طويل ولا شىء بينهما يختصر الغروب. الشوارع خيوط فى يدها. تنثل كل يوم خيطا تلفه حول نفسها ثم تلقيه على تراب الحارة فتدور النحلة آلاف المرات تنفض عنها الرماد حتى يبان النصل الحاد لعظامها. تلفه حول نفسها ثم تلقيه على بلاط الغرفة.. كم يوم درات حول نفسها وكم ليلة؟ لتتوقف فى النهاية مائلة على جنبها مهملة بالقرب من وريد.

كانت من المشائين وأصبحت بلا قدم.

الثلاثاء/ بطن الحوت

القمر لا ينادى

أمام نافذتك نخلة وقمر

كانت دنيا أخرى تفتح لك أبوابها   

هنا القمر مؤنث والشمس مذكر

هنا القمر يشرق كل يوم فى سقف رأسك

رأسك الصغير بحجم مجرة بعيدة

تحنى جذعك وتلوى رقبتك لترى النجوم تهوى فى غمضة عين

تجلسين فى المستطيل الضيق لحضوره.

يأخذ المستطيل مكانه فوق الترابيزة فتجلسين بين الفازة وصدفة تضعينها على أذنك: هنا زهرة تنادى هل تسمعنى؟ هو الآن على الحائط خلف قضبان النافذة فتصلبين نفسك فى مربعه الضيق لتنعكس الخطوط على جسمك. أنت الآن خلف القضبان رأسك غارق فى الظلام. هو الآن على حافة النافذة. هو والقضبان صاروا شيئاً واحداً. هو الآن يمتد على أرض الشارع.. هو الآن بطن الحوت ضغطة من كعب قدميك وتسبحين فى ظلامه..

الثلاثاء/ فمك

رأيتك تخيط فمك

تركت عروةً

حين تنادينى تهب الريح

سمعتك تقول: سآتى برمال الصحراء وأفرشها تحت قدميك.

فقلت بالأحرى أكتب لى جواب حب محروقة جوانبه، من ذلك الذى يبدأ بحبيبة قلبى وينتهى بحبيبك إلى الأبد.

الخميس/ صحرا

كانت الريح فاسدة

وكان ظلك أكبر منك

حجب القمر رأسي

فصرت جثة الشخص الذى لا يسمى

السبت/ ياسر علام

السبحة الزرقاء فى جيبى. أعد على حباتها محطات المترو من المرج إلى المنشية.

من المرج إلى الخانكة. كيلو البطاطس بالعدد. الشوارع المتفرعة فى تلافيف المخ. يجلس آخرون على مقاهينا يشربون شاينا ويتكلمون عن الحب والحياة. فأعد على حباتها الحب وأعد على حباتها الحياة. أعد على حباتها أربعين عاما وأقول أنا الآن حرة. ليس تماما ولكننى حرة. مات أبى وماتت أمى إذا أنا حرة. حرة تماما فى التذكر وإلقاء اللوم. حرة فى عدم التذكر حرة فى إرسال اللعنات. أقرأ الفاتحة على روح أمى فى كنيسة العذراء وأضىء لها كل الشموع. اسمها نادية محمد عبد الغنى مكتوب على ورقة بفرة فى صندوق النذور. حرة فى العودة بعد الثامنة مساءً وأساور التتبع فى قدمى تحصى عدد الخطوات والشوارع. السبحة الزرقاء فى جيبى أعد على حباتها ضحكات الحظ ودعوات الأمهات. أعد على حباتها فقط لعد حباتها لإلهاء الأصابع عن قلق معلق فى صدر السماء. قلق قديم انظر إليه وأقول: وجهى صار قبضتك.

الإثنين/ تعويذة

أكتب لكِ الشعر 

أكتب الشعر منكِ أكتبه لأحييكِ وأميتك وأبعثكِ

أكتب الشعر لأسمع صوتى. أكتبه لأنه صوتى.. لأننى أسمع كل الأصوات فيه 

أكتب الشعر لكِ

أكتبه منكِ أكتبه لأحييكِ وأميتك وأبعثكِ

أكتب الشعر لأنه كذب صادق وحقيقة كاذبة 

الخميس/ كوباية شاى

للوقت أشكاله

وقت الشاى بخاره يتصاعد أمامك ووقت الثلج بحار ومحيطات ووقت البحار سحابة

ووقتك يتجمع فى الزوايا تكنسينه وأنتِ ساخطة

الجمعة/ شارع الفلكى

تجرى أمينة رزق وراء الأتوبيس فى شارع الفلكى وقاطع التذاكر ينظر إلى البوك متسائلا فى أى فيلم رآه.

الأربعاء/ تمرينات الصباح

شمس تشرق وتغيب ثم تشرق وتغيب

طريق يعيد نفسه يبدأ وينتهى ليبدأ وينتهى

بذرة أصبحت ثمرة ثم بذرة أصبحت ثمرة

أم تشبه جدتها وجدة تشبه أمها

أداة التشبيه كأداة التشبيه 

الأحد/ وإن قلت اليقين أطلت همسى    

ترانا؟

نحن ثلاثة وأكثر

ممر ببابين متقابلين

مرآة خلف كل باب

كُتب عليه بيت زهرة 

أرفع رأسى: هل ترانى وأنا أجرى إليك. 

نحن ثلاثة وأكثر

انطلق من نقطة البداية إلى نقطة النهاية التى تصبح بداية من جديد

 أو من قديم

أو فيما بينهما

يرتفع الحائطان والممر ضيق بلا سقف أرفع رأسى وانظر إلى ما يخيل إلى أنه أنت 

المرآة أمامى 

المرآة خلفى

أجرى إليك

نحن ثلاثة وأكثر

هنا زهرة فى بطن الحوت

هل تسمعنى؟