خواطر الأمام الشعراوي | كانوا خصوماً للدعوة ثم أصبحوا قادة

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

يختتم الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية رقم «189» من سورة البقرة : «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، بقوله: يعلم الحق سبحانه وتعالى أن نقل أمة العرب مما اعتادته ليس أمراً سهلاً، لذلك أخذهم برفق الهَوَادة. والذين يقولون: لماذا لم يحارب المسلمون أعداءهم من أول وهلة ولماذا لم يقتلوا صناديد الكفر فى مكة؟

نقول لهم: إن كثيراً من الذين كنتم ترون قتالهم فى بداية الدعوة الإسلامية هم الذين نشروا راية الإسلام من بعد ذلك، ومثال ذلك خالد بن الوليد، الذى كان قائداً مغواراً فى صفوف المشركين، وقاتل المسلمين فى أول حياته، ثم هداه الله للإسلام وأصبح سيف الله المسلول.

وماذا لو قتل هذا القائد الفذ على أيدى المسلمين؟ كان مثل هذا الفعل سيتسبب فى حرمان المسلمين من موهبته، تلك الموهبة التى أسهمت فى معظم الفتوحات الإسلامية فى الشام والعراق.

اقرأ ايضاً| خواطر الإمام الشعراوي | كل إنسان مسئول عن حركته

إذن شاءت حكمة الله أن يستبقى أمثال خالد وهم خصوم للإسلام فى بدء الدعوة لأن الله قد أعد لهم دوراً يخدمون به الإسلام. والذين نالوا من الإسلام أولا هم الذين ستبقى عندهم الحرارة حتى يعملوا عملاً يغفر الله لهم به ما قد سبق.

انظر إلى عكرمة بن أبى جهل كان شوكة فى ظهر المسلمين فى بداية الدعوة، ثم أسلم وأبلى بلاءً حسناً، ولما أصيب فى موقعة اليرموك وأوشكت روحه أن تصعد إلى خالقها نظر إلى قائده خالد بن الوليد وقال: أهذه ميتة تُرضى عنى رسول الله؟. كأنه كان يعلم أن رسول الله كان قد غضب عليه قبل أن يسلم.

وعمرو بن العاص داهية المسلمين الذى لولاه ما فُتحت مصر. فقد كسب بدهائه أهل مصر فامتنعوا عن قتاله، وناظرهم بعد ذلك حتى استل حقدهم على المسلمين، وأبان لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال موصيا «استوصوا بالقبطيين خيرا لأن لهم رحما وذمة» وفوق هذا فقد أرسله النبى صلى الله عليه وسلم إلى بعض العرب يستحثهم إلى الإسلام.

وإذن فمن رحمة الله أنه لم يشأ تشريع القتال من البداية، وإلا لكنا فقدنا كثيراً من قادة الإسلام العظام الذين حملوا لواء الدعوة الإسلامية فيما بعد، وكل إنسان استبقاه الإسلام وهو خصم وعدو للإسلام، قدر الله له بعد الإسلام دورا يخدم به الدين الخاتم.

ومن هنا نفهم الحكمة من تأخير القتال فى الإسلام، لأن الله أراد أن يمحص ويختبر، وألا يدخل هذا الدين إلا من يتحمل متاعب هذا الدين، ومشاقه لأنه سيكون مأموناً على مجد أمة، وعلى منهج سماء، وتلك أمور لا يصلح لها أى واحد من الناس.

وقد كان من الممكن أن ينصر الله دينه من أول وهلة دون تدخل من المسلمين، وكان معنى ذلك أن الناس سيتساوون فى الإيمان أولهم وآخرهم، ولكن شاءت إرادته سبحانه وتعالى أن يجعل لهذا الدين رجالاً يفدونه بأرواحهم وأموالهم لينالوا الشهادة ويرتفعوا إلى مصاف النبيين.

ولذلك جاء الأمر بالقتال متأخراً وبالتدريج؛ لقد جاء الأمر بالقتال فى أول مرحلة بقول الله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».

وسبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتاق هو وصحابته إلى البيت الحرام، وأرادوا أن يعتمروا، فجاءوا فى ذى القعدة من السنة السادسة من الهجرة، وأرادوا أن يؤدوا العمرة. فلما ذهبوا وكانوا فى مكان اسمه الحديبية، ووقفت أمامهم قريش وقالت: لا يمكن أن يدخل محمدٌ وأصحابه مكة.

وقامت مفاوضات بين الطرفين، ورضى رسول الله بعدها أن يرجع هذا العام على أن يأتى فى العام القادم، وتُخلى لهم مكة ثلاثة أيام فى شهر ذى القعدة.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشر أصحابه بأنهم سيدخلون المسجد الحرام محلقين ومقصرين، وشاع ذلك الخبر، وفرح به المسلمون وسعدوا، ثم فوجئوا بمفاوضات رسول الله ورجوعه على بعد نحو عشرين كيلو متراً من مكة وحزن الصحابة، وحتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه غضب وقال للنبى صلى الله عليه وسلم: ألست رسول الله؟ ألست على الحق؟ فرد عليه سيدنا أبو بكر قائلا: الزم غرزك يا عمر إنه لرسول الله.