خواطر الإمام الشعراوي | مواقيت للناس

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

يستكمل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية رقم «189» من سورة البقرة: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» بقوله: هكذا نعرف معنى «مَوَاقِيتُ لِلنَّاس»، فنحن بالهلال نعرف بدء شهر رمضان، ونعرف به عيد الفطر، وكذلك موسم الحج وعدة المرأة، والأشهر الحرم، إن كل هذه الأمور إنما نعرفها بالمواقيت.

وشاء الحق أن يجعل الهلال هو أسلوب تعريفنا تلك الأمور وجعل الشمس لتدلنا على اليوم فقط، وإن كان لها عمل آخر فى البروج التى يتعلق بها حالة الطقس والجو، والزراعة، ولذلك قال: «هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً» «يونس: 5». وانظر إلى الدقة فى الأداء وكيف يشرح الحق للإنسان ماهية النور، وماهية الضوء.

إن الشمس مضيئة بذاتها، أما القمر فهو منير؛ لأن ضوءه من غيره؛ فهو مثل قطعة الحجر اللامعة التى تنعكس عليها أشعة الشمس فتعطينا نوراً. إن القمر منير بضوء غيره، ولذلك يقول الحق فى آية أخرى: «وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً» «الفرقان: 61». والسراج فى هذه الآية هو الشمس التى فيها حرارة، وجعلها الحق ذات بروج.

اقرأ ايضاً| أنامل ذهبية.. لوحة بالخط الكوفي الفاطمي

أما القمر فله منازل وهو منير بضوء غيره؛ وفى ذلك يقول الحق: «هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب» «يونس: 5». إذن، فعدد السنين وحسابها يأتى من القمر، وفى زماننا إذا أرادوا أن يضبطوا المعايير الزمنية فهم يقيمونها بحساب القمر؛ فقد وجدوا أن الحساب بالقمر أضبط من الحساب بالشمس؛ فالحساب بالشمس يختل يوماً كل عدد من السنين.

ولنفهم الفرق بين منازل القمر وبروج الشمس. إن البروج هى أسماء من اللغة السريانية، وهو: برج الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والعذراء، والأسد، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، وعددها اثنا عشر برجا.. هذه هى أبراج الشمس، ويتعلق بها مواعيد الزرع والطقس والجو.

ويجب أن نفهم أن لله فى البروج أسراراً، بدليل أن الحق سبحانه وتعالى جعلها قسماً حين يقول: «وَالسَّمآء ذَاتِ البروج». ولذلك تجد أن التوقيت فى الشمس لا يختلف؛ فالشهور التى تأتى فى البرد، والتى تأتى فى الحر هى هي، وكذلك التى تأتى فى الخريف، والربيع، وبين السنة الشمسية والسنة القمرية أحد عشر يوما، والسنة القمرية .

وهى التى تستخدم فى التحديد التاريخى للشهور العربية ونعرف بداية كل شهر بالهلال: «إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً» «التوبة: 36». ولذلك كانت تكاليف العبادة محسوبة بالقمر حتى تسيح المنازل القمرية فى البروج الشمسية، فيأتى التكليف فى كل جو وطقس من أجواء السنة، فلا تصوم رمضان فى صيف دائم، ولا فى شتاء دائم، ولكن يُقَلِّبُ الله مواعيد العبادات على سائر أيام السنة، والذين يعيشون فى المناطق الباردة مثلاً لو كان الحج ثابتا فى موسم الصيف لما استطاعوا أن يؤدوا الفريضة، ولكن يدور موسم الحج فى سائر الشهور فعندما يأتى الحج فى الشتاء ييسر لهم مهمة أداء الفريضة فى مناخ قريب من مناخ بلادهم.

وهكذا نجد أن حكمة الله اقتضت أن تدور مواقيت العبادات على سائر أيام السنة حتى يستطيع كل الناس حسب ظروفهم المناخية أن يؤدوا العبادات بلا مشقة. إذن فالمنازل شائعة فى البروج، وهذا سبب قول بعض العلماء: إن ليلة القدر تمر دائرة فى كل ليالى السنة، وذلك حسب سياحة المنازل فى البروج.

إذن فهناك بروج للشمس، ومنازل للقمر، ومواقع للنجوم، ومواقع النجوم التى يقسم بها الله سبحانه فى قوله: «فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» «الواقعة: 75-76». ولعل وقتا يأتى يكشف الله فيه للبشرية أثر مواقع النجوم على حياة الخلق وذلك عندما تتهيأ النفوس لذلك وتقدر العقول على استيعابه.