إنها مصر

الانتصار العظيم

كرم جبر
كرم جبر

«نحن عدنا بعد ست سنين، وهتفنا مرحبًا سيناء، أما شدك للرجوع حنين؟».. ولم تذق عيون مصر النوم لحظة واحدة منذ احتلال سيناء سنة 1967، وظلت تنتظر ساعة العبور العظيم.

غنينا لبيوت السويس «يا بيوت مدينتي، استشهد تحتك وتعيشي أنتي».. «وأحلف بسماها وبترابها ما تغيب الشمس العربية طول ما أنا عايش فوق الدنيا».
وظلت مصر والمصريون في حالة استعداد قصوي لاستعادة قطعة غالية من أرض الوطن، والدرس المستفاد هو: بزوغ إرادة المصريين في أوقات المحن.
هناك حكمة فرعونية قديمة تقول: «إن الشعب المصري يتحول إلي روح واحدة في جسد واحد في أوقات الخطر»، وبالفعل أصبحت مصر روحًا واحدة في جسد واحد.

ربط المصريون الأحزمة فوق بطونهم، ووفروا من لقمة عيشهم، واختفت الشكوي من الأزمات بمختلف أنواعها، لأن لنا هدفًا واحدًا هو: استعادة الأرض.
اختفت الجريمة وساد الهدوء الشديد الشارع المصري، لأن الوطن كله كان يهيئ نفسه لساعة الصفر، يوم يستعيد كرامته وكبرياءه..

فلا وقت للشكوي.
كان مستحيلا أن تصبر مصر أكثر من ست سنوات، لأن البلد كله كان متفرغًا للاستعداد للحرب، وتخصيص كل موارده للمجهود الحربي.

اختفت الشكوي رغم الأزمات الطاحنة في كل شيء، ورغم الطوابير الطويلة للحصول علي كيلو سكر أو فرخة أو علبة سجائر، أو زجاجة زيت.

كل شيء يهون من أجل سيناء الحبيبة التي ضاعت في 6 ساعات، مثل الطفل الصغير الذي اختطفه عدو شرير من أحضان أمه.

المصريون من الشعوب القليلة التي لا تطيق أن تقع قطعة من أرضها تحت الاحتلال، وقرروا أن يُضحوا بكل غالٍ ونفيس، لاستعادة الأرض والعرض.
التضحية بدمائهم وأرواحهم، وليس هناك في الدنيا أغلي من ذلك، وسيناء بالذات هي أكبر جزء من أرض الوطن ارتوي بدماء وأرواح الشهداء.

هي البوابة التي يأتي منها الغزاة علي مر التاريخ، وهي أيضًا مقبرة الغزاة، وتتحول أرضها وسماؤها إلي سجادة من نار تحرق المحتل.

كانت إسرائيل تتصور أن مصر لن تقوم لها قائمة، وأن أمامها مائة سنة لتعيد بناء جيشها، وتكون قادرة علي الحرب من جديد، لكن فرحتها لم تدم طويلا، فبعد أيام قليلة من الهزيمة كان الجنود والضباط المصريون يلقنونها درسًا قاسيًا في معركة «رأس العش».

وأدركت أكثر وأكثر أن بقاءها في سيناء مستحيل بعد حرب الاستنزاف، والبطولات الفذة للمقاتل المصري الذي نفَّض عن جبينه غبار الهزيمة.

الإسرائيليون كتبوا عن الفزع وبطولات الجيش المصري أكثر مما كتبنا نحن، لأنهم تجرعوا مرارة الهزيمة، وأوشكت دولتهم علي الانهيار، وصفوا حرب أكتوبر بأنها «الصدمة والرعب»، وكانوا يتوهمون أنهم يعيشون حلمًا جميلا.

فى العاشر من رمضان كان الانتصار العظيم «سيناء.. نحن عدنا بعد ست سنين» ولم يكن ممكنًا أن تصبر مصر علي فراقك أكثر من ذلك.