وثيقة وشرط جزائي وجلسات عرفية.. كيف تنتهي الخصومات الثأرية في الصعيد| صور

جلسات عرفية
جلسات عرفية

تبذل لجان المصالحات في الصعيد،  قصارى جهدها من أجل إنهاء الخصومات الثأرية، التي تمثل عائقا كبيرا في عملية التطوير والتنمية في قرى الصعيد، كما أن الثأر في الصعيد يتسبب في اتساع دائرة الدم سواء من العائلتين المتخاصمتين، أو ربما من خارجهما، فربما يُقتل أحد المارة الذي يتصادف مروره وقت الاشتباكات.

ومع كثرة الخصومات الثأرية، وارتفاع عدد الضحايا والمصابين،  والحكم على مرتكبي جرائم الثأر بالإعدام أو المؤبد،  بدأت محافظة قنا، في اتخاذ خطوات جادة للقضاء على كافة الخصومات الثأرية، تحت مبادرة "قنا بلا أسلحة.. قنا بلا ثأر"، وتم التنسيق مع كافة الجهات المعنية في تنفيذ هذه المبادرة، والتي تمكنت من إنهاء أكثر من 100 خصومة ثأرية في الآونة السابقة.

تبدأ الخصومة الثأرية بين العائلتين بمقتل أحد أفراد عائلة من العائلتين لأسباب ربما كانت تافهة في بعض الخصومات، فعلى سبيل المثال راح 17 قتيلاً ضحية صراع عائلتي الطوايل والغنايم في مركز أبوتشت، والتي انتهت بتعانق الطرفين بمباركة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بعد صراع دموي بدأ بسبب خلافات على 50 قرشًا زيادة في كارت شحن، كما أن "شوية ميّه" ولهو الأطفال، كان سببا في اشتعال فتيل الثأر بين عائلتي السحالوة والمخالفات بفرشوط، والذي حصد 12  قتيلا، وحول المدينة الأكثر تجارة في قنا إلى مهجورة، وانتهى الصراع بوثيقة صلح وشرط جزائي، وكلمة شرف، تعاهد فيها الطرفان بالصلح وإنهاء الثأر بينهما.

ومن أبرز الخصومات الثأرية التي ما زالت قائمة في قنا، خصومة عائلتي الخطبة والجوالين، والتي راح ضحيتها 9 مواطنين،  بسبب طرنش مياه، وسط مطالبات بإنهاء هذه الخصومة الثأرية وكافة الخصومات القائمة سواء المقيدة أمنيا أو غير مقيدة.

وتبدأ لجان المصالحات أعمالها للحد من اتساع دائرة الدم، ومحاولة إقناع الطرفين بالصلح، وبعد عدة جلسات عرفية ، ووضع بنود ومحاضر للصلح، بالاتفاق مع الأمن، يتم تجهيز سرادق كبير، يُقدم فيه أحد أقارب القاتل، أو القاتل نفسه بعد خروجه من السجن "القودة"، لأحد أقارب المجني عليه، بحضور القيادات التنفيذية والشعبية والدينية وعمد ومشايخ وأهالي القرى، لإعلان إنهاء الثأر ، وتقبل العزاء.

يقول الشيخ محمود عبد الهادي، عضو لجنة المصالحات بقنا، إن دور لجنة المصالحات التي تضم شيوخ وقيادات شعبية ونواب، هو الأكبر في إتمام الصلح في أي خصومة ثأرية، بجانب الأجهزة الأمنية والتنفيذية، ويعرف ذلك باسم «القضاء العرفي»، وفيه يتم الحكم على القاتل أو أحد أقاربه بتقديم القودة لأهل المجني عليه، ودفع الدية وإنهاء المشاكل والخلافات بينهما المتنازع عليها، وكتابة عقود بذلك وتوقيع غرامة على من يخالف الاتفاقات، وإتمام الصلح في سرادق كبير يحضره الآلاف من المواطنين والقيادات الشعبية والتنفيذية والأمنية. 

وأشار عبد الهادي، إلى أن هناك غرامة تقدر بحوالي مليون جنيه كشرط جزائي على من يخالف بنود الصلح ونقض الميثاق، ويلتزم كل طرف بعدم تحرير أي محاضر أو شكاوى إلا بعد الرجوع إلى لجنة المصالحات، فضلا عن الإقرار بأن الطرفين ملتزمين بالتنازل عن كافة القضايا والمحاضر المحررة ، و يلتزم كل طرف تجاه الآخر بعدم التعرض بأي نوع سواء المادي أو الأدبي مع الالتزام بالمعاملة الحسنة ومراعاة حق الجار وحق العشرة الحسنة، كما يلتزم كل طرف بعدم حمل أي نوع من أنواع السلاح وعدم إطلاق أعيرة نارية.

ويلمح الشيخ عبد المعطي أبو زيد، رئيس لجنة المصالحات بقنا، أن دور لجنة المصالحات كبير جدا وشاق، فهم ينحتون في الصخر ويتعرضون لمواقف صعبة للغاية، يتحملون كل الصعاب التي تواجههم من أجل أن تصل اللجنة إلى إنهاء الخصومة الثأرية.

ويتابع : ومن أبرز هذه المعوقات التي تواجه لجان المصالحات، تعنت أهل المجني عليه في قبول الصلح، لأنهم أصحاب حق ودم، والمرأة التي قتل زوجها أو أبيها أو شقيقها أو ابنها، تكون سببا في عدم موافقة الرجال على الصلح، والطرف الثالث المستفيد من الخصومات، في بيع الأسلحة، أو ربما شخص بلطجي أو مغمور من داخل العائلتين، يُستخدم في إطلاق النيران وخلافه حتى يشعر بأن له قيمة.

ويشير أحمد شمندي عضو لجنة المصالحات التابعة لمشيخة الأزهر التي تتدخل لحل الخصومات الثأرية بين أبناء القبائل والعائلات، للحد من الفتنة واتساع دائرة الدم، إلى أن الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، وجه برحلات حج وعمرة على نفقته الخاصة، لأولياء الدم، لتفاهمهم وقبولهم الصلح.

ويتابع شمندي : أن شيخ الأزهر وجه بتعميم الفكرة على جميع من يقبل الصلح، في هدية منه ، لمكافأة من يقبل الصلح،  حتى يعم السلام، وحقنا للدماء، حتى يعيش الجميع في أمن وآمان، ولإنهاء كافة الخصومات الثأرية.

ويوضح أنه كانت هناك خصومة ثأرية بنجع حمادي، وبعد أن تمكنت لجنة المصالحات التابعة لمشيخة الأزهر في التوصل إلى اتفاق لإقناع الطرفين بإنهاء الخصومة الثأرية وهما في الأصل أبناء عمومة، اشترطت والدة القتيل مقابلة شيخ الأزهر، فقبل شيخ الأزهر ذلك واستضافها في ساحته بمحافظة الأقصر.

اقرأ أيضا|الإمام الطيب يتحدث عن أسس المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام

وأضاف : والدة المجني عليه التقت شيخ الأزهر، والذي جبر بخاطرها وطمأن قلبها، بأن ابنها عريس في الجنة إن شاء الله، وأعطى لها بعض النصائح لقبول الصلح وأن التسامح والصلح حث عليه الإسلام، فوافقت على قبول الصلح. 

وقال اللواء أشرف الداودى، محافظ قنا، إن المحافظة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية،  تبذل قصارى جهدها لإنهاء الخصومات الثأرية،  من خلال مبادرة قنا بلا خصومات ثأرية،  ونجحت المحافظة في إنهاء العديد من الخصومات الثأرية، بالتنسيق مع لجان المصالحات.

وأضاف الداودي،  أن الثأر من أبرز معوقات التنمية في الصعيد،  فهو موروث ثقافي خاطئ،  علينا جميعا محاربته، لافتا أن الدولة تولي اهتماما بالقرى التي تنتهي فيها الخصومات الثأرية ، من خلال تطويرها وتوفير الخدمات لأبنائها.