مستريح الأعشاب في قبضة الأمن

المتهم
المتهم

حبيبة جمال

 «أخبار الحوادث» أول من حذرت، وكشفت بالأدلة واحدًا من أخطر النصابين فى مجال الطب، محتال استطاع الاستيلاء على ملايين الجنيهات من الضحايا، بأسلحة قديمة لا تفقد رونقها مع الزمن، وهى اللحية والسبحة والوجه «البشوش».
نشرنا عبر العدد «١٦٠٨» المنشور بتاريخ ١٩يناير ٢٠٢٣، موضوعًا بعنوان «مستريح الأعشاب الطبية هارب من العدالة.. جمع ١٨ مليون جنيه واختفى»، وعرضنا من خلال التقرير حكاية نصاب جديد انضم إلى قائمة المحتالين الذين استولوا على تحويشة عمر عشرات المواطنين.

احترف التجارة في الأعشاب الطبية وأوهم ضحاياه أنه سيستثمر أموالهم في سلسلة صيدليات كبرى تغطي جميع المحافظات، فوثقوا فيه لدرجة أن معظمهم سحب أمواله من البنوك بعد أن روج بينهم وهم التجارة الحلال وحرمة الفوائد البنكية ليفيقوا من يوم وليلة على خبر اختفاء «الدكتور إبراهيم» وتبخر أموالهم معه.

بعد نشرنا للقصة وسماع قصص الضحايا وكيف أوقعهم في شباكه، ألقت المباحث القبض على المتهم بعد هروبه إلى محافظة الإسكندرية، كيف وقع المتهم في قبضة رجال الشرطة .
المتهم الذى ادعى أنه طبيب ومعالج بالأعشاب، بعدما جمع ما يقرب من ١٨ مليون جنيه من ضحاياه «فص ملح وداب» وكأن الأرض انشقت وابتلعته، وترك ضحاياه في صدمة وحزن، لم يكن أمامهم سوى تحرير محاضر ضده، بعدها تم تشكيل فريق بحث لمعرفة مكان اختبائه وإلقاء القبض عليه وبعد التتبع والتحريات، وجمع المعلومات؛ تبين أنه بعد هروبه عمل داخل إحدى الصيدليات بالمحافظة، معتقدًا أنه أفلت بجريمته وبأموال الضحايا، لكنه استيقظ من أحلامه الوردية ورجال المباحث يقفون أمامه للقبض عليه، وأمام النيابة اعترف أنه أخذ الأموال من ضحاياه لتوظيفها في مجال الأدوية وعمل سلسلة صيدليات، ولكنه خسر تلك الأموال ولم يكن أمامه حلا سوى الهروب، فأمرت النيابة بحبسه، ومن قبل كان شقيق المتهم محبوسا أيضا في نفس قضية النصب، وعندما سألته النيابة ما هي تفصيلات اعترافك؟.. قال «اللي حصل أنا وأخويا وخالي كنا مستأجرين صيدليات وكنا بنديرها وأنا بقف معاهم وأخويا إبراهيم هو اللي يعرف الناس دي وهو اللي نصب عليهم وهو اللي أخد الفلوس عشان يشغلها في تجارة الأدوية والأجهزة الطبية».

اكاذيب
ووجهت النيابة له أيضا سؤالا؛ جاء بأقوال المجني عليهم سالفي الذكر عن قيامك أنت وشقيقك المدعو إبراهيم وخالك المدعو رسمي بالنصب والاحتيال عليهم والاستيلاء على أموالهم لتشغيلها في تجارة الأدوية والإدعاء كذبا عليهم بأنكم أطباء صيادلة فما قولك؟، ليرد قائلا: «محصلش إني قولت على نفسي صيدلي، لكن أخويا إبراهيم كان معروف و»معرف الناس» إنه صيدلي عشان بيعالج بالأعشاب؛ فالناس فكرته صيدلي وهو اللي كان بيتعامل معاهم وأخد منهم الفلوس على أساس تشغيلها في تجارة الأدوية مقابل ربح مادي وكان بيديهم الفلوس لكن بعد كده اختلفوا مع بعض وأخويا إبراهيم ساب البيت».

وبعد إلقاء القبض على المتهم الهارب، تواصلنا مع المحامي محمد كساب محامي الضحايا، فقال: «النيابة وجهت تهمة النصب والاحتيال للمتهمين، وتحولت القضية للمحكمة والتي قضت بحبسهما ٣ سنوات، وتم تأييد الحكم، ولكن القضية لم تنته بعد فالمتهم يواجه قضايا نصب أخرى وهناك ضحايا آخرون ظهروا بعد القبض عليه يصل عددهم لعشرة أشخاص تقريبا، وكنا على ثقة في القضاء المصري النزيه أنه سيعاقب هذا المتهم بالعقاب الذي يستحقه، ولن يتركه يفلت من جريمته».
ليكون بهذا الحكم عنوان الحقيقة، وهذه هي النهاية المنطقية لذلك الشاب الذي نصب وتاجر بأحلام الآخرين.

كواليس حياته
البداية كانت منذ سنوات، عندما تخرج إبراهيم في كلية الشريعة والقانون وكان المسار الطبيعي الذي يفترض أن يتجه إليه هو العمل بالمحاماة أو امتهان مهنة المأذون الشرعي، ولكنه لم يتجه إلى هذه أو تلك واختار لنفسه مسارًا آخر رأى أنه الطريق السريع الذي سيجلب له المال الوفير في وقت قصير، وامتهن تجارة الأعشاب الطبية دون دراسة أو علم شأنه شأن عشرات الفهلوية الذين يفعلون كل شيء وأي شيء المهم أن تمتلئ جيوبهم بالمال ويصبحون من أصحاب الأرصدة البنكية، وحقق بالفعل نجاحًا ملحوظًا في هذه المهنة ولكنه لم يكتف بهذه المكاسب التي حققها وظل يتطلع للمزيد.

بدأ إبراهيم يقدم نفسه باسم «الدكتور إبراهيم»، زاعمًا أنه درس الصيدلة ويستعد لافتتاح سلسلة صيدليات تحمل اسمه بالإضافة إلى مخازن أدوية كبيرة تتولى تسويق جميع أنواع الأدوية من الشركات الكبرى وتوزيعها على الصيدليات والمراكز الطبية، وبدأ يقنع بعض الأشخاص القريبين من دائرة معارفه أنه يستطيع أن يستثمر أموالهم في مشروعاته المربحة، وبدأ يجذب ضحاياه بوجهه البشوش وكلماته المعسولة وترديد بعض الآيات القرآنية التي حفظها حتى يوحي لضحاياه أنه رجل صالح ومتدين وإن أموالهم معه ستكون في أمان؛ والعجيب أن ضحاياه معظمهم يتمتعون بمستوى تعليمي واجتماعي عالٍ؛ ولكن أوقعهم في شباك هذا المحتال سببين؛ الأول اعتقاد بعضهم أن تشغيل أموالهم في التجارة أفضل من الفوائد البنكية رغم التأكيدات المستمرة من جانب دار الإفتاء أن فوائد البنوك حلال مائة في المائة؛ والسبب الثاني الإغراءات الكبيرة التي قدمها لهم إبراهيم في صورة أرباح كبيرة في وقت قصير.
وكان السؤال المحير الذي ألقيناه على الضحايا وحاولنا البحث عن إجابته؛ لماذا لم تتعظوا من قصص المحتالين والنصابين التي تنشرها الصحف ووسائل الإعلام ليلا ونهارا؟!، كانت إجابتهم أن النصاب جارهم منذ سنوات وأسرته بالكامل معروفة لديهم مما يجعله موضع ثقة ولا مجال للشك في تصرفاته.

نقلا من عدد أخبار الحوادث بتاريخ 23/3/2023

أقرأ أيضأ : «جمع 18 مليون جنيه» .. مستريح الأعشاب الطبية هارب من العدالة