فى الصميم

جرائم إسرائيل.. ومأزق أمريكا

جلال عارف
جلال عارف

تتوالى البيانات الرسمية الأمريكية الرافضة لسياسة الحكومة الإسرائيلية التى تضم زعماء عصابات اليمين المتطرف، الموقف الأمريكى يتراوح بين الإدانة والاستنكار والاشمئزاز من تصرفات حكومة أصبحت خطراً على مصالح أمريكا نفسها، كما أصبحت تهديداً مباشراً لمستقبل الكيان الصهيونى (!!)..

لكن كل ذلك يتم فى إطار استمرار التحالف الأمريكى - الإسرائيلى، وتواصل الدعم السياسى والعسكرى الأمريكى للكيان الصهيونى..

والسؤال هو: إلى متى يتواصل الدعم الأمريكى لدولة الاحتلال الصهيونى بكل عنصريتها، ومع طوفان جرائمها ضد شعب فلسطين وخروجها على كل ما تمثله الشرعية الدولية؟!

فى آخر مظاهر الغضب الأمريكى استدعت الخارجية الأمريكية السفير الإسرائيلى ليتلقى «توبيخاً» نادر الحدوث فى العلاقات بين واشنطن وتل أبيب. وتلقى «نتنياهو» الذى يعتزم زيارة العاصمة «واشنطن» تأكيداً بأنه غير مرحب به من الإدارة الأمريكية، كما تلقى وزير ماليته الإرهابى «تسيموتريتش» رسالة مماثلة..

ومع ذلك تتوالى قرارات حكومة اليمين المتطرف الصهيونى التى تسير بالمنطقة نحو انفجار يسعى الجميع - إلا نتنياهو ورفاقه - لتفاديه ورغم كل الرسائل الأمريكية والإدانات الدولية تمضى حكومة زعماء التطرف الإسرائيلى فى تنفيذ سياساتها وتمضى العلاقات بينها وبين الإدارة الأمريكية إلى مأزق حقيقى!!.

الإدارة الأمريكية تجد نفسها فى حرج شديد لأسباب عديدة أولها أنها كانت شريكة أساسية فى كل الاتفاقات التى تنسفها حكومة نتنياهو وآخرها قرارات مؤتمر العقبة ثم اجتماع شرم الشيخ، والآن يصدر قرار العودة إلى المستوطنات التى أخلاها شارون بتعهد مكتوب منه إلى الرئيس الأسبق بوش الابن..

والرسالة الإسرائيلية هنا واضحة: لا شىء يقيد حركتنا أو يمنعنا من الاستيطان والتوسع، وعلى أمريكا - قبل الجميع - أن تقبل بذلك!!.

والمشكلة أن أمريكا لا تستطيع أن تقبل بذلك، وهى ترى أن مصالحها تتأثر سلباً فى المنطقة التى يتآكل فيها نفوذها على عكس قوى منافسة مثل الصين. ثم وهى ترى أن مصداقية ما تطرحه من أنها المدافعة الصلبة عن حرية الشعوب لم يعد ممكناً الحفاظ على ما تبقى منها إذا استمر هذا التناقض بين موقفها من دعم أوكرانيا، وموقفها من جرائم إسرائيل التى ما كان لها أن تستمر لولا دعم أمريكا الذى يمنع العالم من معاقبة إسرائيل!!.

التوقعات - حتى الآن - أن يمضى نتنياهو فى خطته للسفر لأمريكا رغم مقاطعة الإدارة الأمريكية لزيارته وتكرار ما فعله أثناء رئاسة أوباما، لكنه - بالتأكيد - سيجد وضعاً مختلفا. إن آخر استطلاع للرأى داخل الحزب الديمقراطى يقول إن ٤٩٪ يقفون مع الحق الفلسطينى مقابل ٣٨٪ يؤيدون إسرائيل، والجامعات تمضى فى طريق مقاطعة جامعات إسرائيل، والقطاع الأكبر من يهود أمريكا يرون أن إسرائيل قد أصبحت عبئاً عليهم وعلى أمريكا، وعدد متزايد من نواب الكونجرس يرون أن الخطر يتزايد على مصالح أمريكا فى المنطقة مع استمرار عدم معاقبة إسرائيل على جرائمها، والإدارة الأمريكية تدرك أن أكثرية دول العالم تدين ازدواجية المعايير عند أمريكا والتحالف الغربى حين تقارن الموقف فى أوكرانيا وفى فلسطين.

حين ذهب نتنياهو إلى واشنطن متحدياً إدارة أوباما، ووقف ليخاطب الكونجرس متحدياً الإدارة الأمريكية كان الرد هو امتناع أمريكا عن التصويت فى مجلس الأمن ليتم إصدار قرار إدانة قوية لإسرائيل يؤكد على عدم شرعية الاستيطان.. فهل نرى قراراً مماثلاً من بايدن؟

وهل نرى تفعيلاً لوعده بإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس العربية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير فى واشنطن؟..

وهل يكون ذلك خطوة نهائية قبل الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية على حدود ٦٧ بدلاً من الاكتفاء بالحديث عن حل الدولتين.. وترك إسرائيل تغتال الحل، وتحمل أمريكا تبعات ما تفعله في حمايتها، وبدعمها؟!.

لم يعد هناك مفر من قرار أمريكى واضح وصريح يتجاوز «الإدانة» و«الاستنكار والاشمئزاز» من تصرفات إسرائيل، ويتخذ موقفاً ينقذ المصالح الأمريكية ويستعيد المصداقية المفتقدة، وينقذ إسرائيل نفسها مما ينتظرها فى ظل حكم عصابات اليمين العنصرى المتطرف..

ولا يمكن أن تستمر سياسة «ترامب» ومخططه لتصفية قضية فلسطين بعد أن ثبت فشلها الذريع، والذى جعل أمريكا شريكاً فيما ترتكبه إسرائيل من جرائم - وشريكاً - إذا أرادت - فى تصحيح الوضع وإعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة قبل انفجار الموقف فى المنطقة كلها.
فى إشارة تحذير تعرف واشنطن خطورتها.

أوصى مجلس النواب الأردنى بطرد السفير الإسرائيلى بعد ما فعله الوزير الإسرائيلى الإرهابى «تسيموتريتش» فى باريس حين وقف يتحدث فى ظل خريطة لإسرائيل الكبرى تضم كل أرض فلسطين ومعها الأردن، النوايا واضحة والخطر شديد وأمريكا تدرك جيداً أن قرار نواب الأردن لن يكون الأخير وأن ما جاء به «ترامب» وما فرضه من تطبيع «مجانى» لن يكون له مستقبل..

حكومة نتنياهو لا تبالى بسقوط الأقنعة عن وجهها العنصرى والفاشى، لكن أمريكا لابد أن تبالى، وأن تتحرك - ولو لإنقاذ مصالحها - قبل فوات الأوان!!.