المحكمة تبرئ متهمًا من الاغتصاب والقتل بعد 6 سنوات من الجريمة

المتهم البرئ بين أهله وجيرانه بعد البراءة
المتهم البرئ بين أهله وجيرانه بعد البراءة

ببدلة حمراء ونفس مكسورة؛ يقبع المحكوم عليهم بالإعدام داخل زنازينهم الضيقة ليلهم كنهارهم لا أمل لهم في النجاة من مصير محتوم.

كابوس واحد يطاردهم في كل ليلة ولا يشاهدون غيره .. حبل المشنقة يتدلى من سقف حجرة الإعدام، يفيق مذعورًا ويتحسس رقبته ليتأكد أنها في مكانها لم تغادره.

قد يقول قائل إن المحكوم عليه بالإعدام مجرم يستحق هذا المصير ولا يستحق أي تعاطف وهذا صحيح، ولكن ماذا عن الابرياء الذين لم يرتكبوا جرمًا وساقتهم الظروف لهذا المصير وينتظرون معجزة حقيقية للنجاة من موت حتمي.

ولكن المعجزة تتحقق ويتم إنقاذهم في اللحظات الأخيرة من حبل عشماوي .. قصص وحكايات واقعية أغرب من الخيال لمحكوم عليهم بالإعدام ظهرت براءتهم وخلعوا البدلة الحمراء وعادوا للحياة من الباب الضيق .. هؤلاء هم العائدون من الموت.

«محكمة جنايات المنيا أصدرت حكمها يوم الأحد الموافق 9/8/2015م بالإعدام شنقًا على المتهم أحمد محمد محمود يوسف بتهمة قتل واغتصاب المجني عليها خلود محمد.

محكمة جنايات المنيا يوم الخميس الموافق 17/12/2020م تصدر حكمها ببراءة المتهم أحمد محمد من تهمة قتل واغتصاب المجني عليها خلود».. بين الحكمين ست سنوات كاملة أمضاها المتهم البريء متنقلًا ما بين زنزانة عادية إلى عنبر الإعدام قبل أن يخرج لسماء الحرية. شعاع النور المتسلل من فتحة الشباك الضيق أعلى الزنزانة التي قضى فيها ستة أعوام، يمنحه في كل صباح أملا جديدًا، ينجح أحيانا في القبض على حلمه بإلغاء حكم الإعدام الصادر بحقه... ستة أعوام امتلأ قلبه رعبًا، عندما يسمع خطوات أقدام قادمة نحو غرفته، فينزوي بأحد الأركان، يحتمي بحيطان الزنزانة...ستة أعوام من الموت البطيئ الذي ظل يعانيه حتى تم إلغاء حكم الإعدام وبراءته في قضية هي الأولى من نوعها.

تفاصيل تلك القضية بدأت في يوم ٢٢ من شهر مايو لعام ٢٠١٤م، عندما استيقظت قرية القمادير على جريمة بشعة، بعدما تم العثور على جثة زوجة مقتولة داخل شقتها، جريمة بشعة أثارت حالة من الفزع والرعب في نفوس الأهالي، وأبكت الجميع خاصة وأن الزوجة كانت تحمل بين أحشائها جنينًا وعلى وشك الولادة، إنها خلود، تلك الفتاة التي تبلغ من العمر  ١٨ عامًا، والتي تزوجت منذ عامين من نجل عمها، الذي سافر للخارج من أجل لقمة العيش، كانت خلود مازالت تدرس في المرحلة الثانوية، ويوم الجريمة كانت عائدة من امتحان، وقتها شعرت بالتعب فاتصلت على زوجها تستأذنه أن يتركها لكي تجلس ذلك اليوم في منزل والدها، ولكنه أصر أن تعود للبيت، حاولت مرارا وتكرارًا أن تقنعه، ولكنها في النهاية رضخت لأوامره بأن تعود لعش الزوجية، ولم تدر أنها ستكون الليلة الأخيرة في حياتها، عادت وأثناء جلوسها داخل الشقة، اقتحمها اثنان تجردا من كل معاني الإنسانية والرحمة، حاولا اغتصابها ولكنها قاومت حتى آخر نفس، فكان جزاء شرفها أن تقتل بدم بارد، حيث تم ضربها بعصا خشبية ثم خنق بسلك الدش وفي النهاية طعنات بالسكين، بل تم اغتصابها بعدما أصبحت جثة هامدة، وتركها الاثنان وفرا هاربين، معتقدين أنهما سيفلتان من العقاب، تأخرت خلود عن نزولها لتناول وجبة العشاء مع والدة زوجها، فصعدت تنادي عليها ولكنها وجدتها غارقة في دمائها، فتم إبلاغ الشرطة، وتم تشكيل فريق بحث لكشف لغز الجريمة، أيام وليال والمباحث يعملون على قدم وساق، حتى تم القبض على شقيق زوجها الصغير والذي يدعى حمدي، واعترف بارتكابه الواقعة بالاشتراك مع آخر، كان المتهم الثاني هو أحمد، بطل قصتنا الذي ظلم وزج به داخل السجن بدلًا من المتهم الحقيقي، ولكن عدالة السماء أنصفته وأخذ براءة بعد ستة أعوام مكثها داخل السجن.

المتهم البريء
أحمد، شاب بسيط من عائلة بسيطة جدًا، يعيشون جميعا في بيت ريفي صغير بمركز سمالوط، متزوج ولديه من الأبناء اثنين، كان يعمل موظفًا في إحدى الشركات، ومع صعوبة المعيشة، قرر العمل في الكهرباء من أجل توفير لقمة العيش وتوفير كل ما يحتاجه أطفاله، حياتهم كانت هادئة، لم يكن لديه أي عداوات مع أحد، ولم يدخل القسم ولو لمرة واحدة، أحلامه كانت بسيطة جدًا هو أن يعيش بهدوء وبالحلال، لكن يبدو أن بعض الأشخاص استكتروا عليه العيش في هدوء وقرروا قلب حياته رأسا على عقب وحرمانه من رؤية طفليه وهما يكبران أمام عينيه يوما بعد يوم..

أحمد كان مثله مثل غيره من أهالي القرية الذين سمعوا عن مقتل خلود، لكن الغريب أنه وبعد مرور ١٥ يوما على تلك القضية وأثناء ذهاب أحمد لعمله وجد رجال المباحث يلقون القبض عليه وهو لا يعرف لماذا، ولكن عندما وصل القسم وجد الطفل الذي يدعى حمدي يبلغهم بأنه شريكه في القتل، ليقف أحمد مصدومًا وهو يسمع اعترافات ذلك الطفل، ليصرخ أنا بريء ولكن لم يسمعه أحد، حتى جاء الحكم القاسي وهو الإعدام، ليبدأ أحمد مشوارا جديداً في حياته وهو يرتدي البدلة الحمراء وينتظر تنفيذ الحكم في أي لحظة، ليخبرنا قائلا: «كنت أموت من الخوف والرعب في اليوم ألف مرة لمجرد فتح باب الزنزانة، أوقات بيكون الإعدام أرحم».

ستة أعوام حنين لزمن الحرية، شوق للأهل والأقارب، رغبة جامحة في طي صفحة الماضي، ستة أعوام داخل السجن مرت عليه كالدهر، عاش فيهم مرارة شوق الأبناء الذين يكبرون بعيدًا عن عينيه، وجد نفسه أسير صراعاته النفسية الداخلية، قضى سنوات من عمره خلف القضبان بعد أن كان شابًا يحلم بتأسيس أسرة والعيش في هدوء، لكن أحلامه سرعان ما تبخرت بعد أن تحول إلى مجرم متهم في جريمة بشعة، ظل يصرخ لسنوات «أنا برئ»، ولكن لم يسمعه أحد، لم يفقد الأمل وكانت دعواته لا تنقطع ليلا ونهارا.

الطريق للبراءة
حتى تولى المحامي أسامة الجمل قضية أحمد، قرأ أوراقه بتمعن شديد، وأدرك وقتها أن أحمد بريء، حتى عندما سمع من أهالي قريته كانت آراؤهم جميعا أنه فوق مستوى الشبهات، فقرر الدفاع عنه، واستند في دفاعه على مذكرة النيابة فجميع الأدلة الفنية لا تنطبق على أحمد وإنما تشير فقط إلى الحدث الذي اعترف على أحمد، واعترافه ليس دليل اتهام، كما دافع المحامي أيضا بخلو أوراق الدعوى من ثمة دليل قائم بذاته يقطع صحة إسناد الفعل لأحمد، حتى تيقنت المحكمة هي الأخرى من براءته وحكمت بالبراءة، ليولد المتهم من جديد وكأنه أصبح لديه شهادتي ميلاد.