بحضور مصري.. أيام الشارقة المسرحية يناقش دور «أبو الفنون» في حماية البيئة

الملتقى الفكري لأيام الشارقة المسرحية
الملتقى الفكري لأيام الشارقة المسرحية

 

يواصل مهرجان "أيام الشارقة المسرحية"، فعاليات الدورة الـ32 المقامة في الفترة من 13 إلى 20 مارس الجاري، ويأتي ضمن الفعاليات، إقامة الملتقى الفكري بعنوان «المسرح والبيئة»، حيث نظم ضمن الملتقى 7 أطروحات لاقتراح أفق مغاير للمسرح في تعاطيه مع منظومة البيئة واستدامة المحافظة عليها، وشهدت جلسات الملتقى التي أدارها الفنان الإماراتي عبدالله مسعود، دسامة في الطرح، وعمقا في الرؤى، أثرتهما أوراق كوكبة من الباحثين.

تناولت الباحثة د.دينا أمين من مصر، في ورقتها "مسرح البيئة والمسرح الملتزم"، وأشارت إلى أنه من المفارقات الغريبة أن فكرة إنشاء "مسرح ملتزم" جاءت من الفلسفات الوجودية، أو أفكار مسرح البرج العاجي في منتصف القرن العشرين، والآن نجد أنفسنا ننادي بأهمية المسرح الملتزم بمفهومه المجتمعي، ليساعدنا في فهم وتخطي أزمة وجودية حقيقية ووشيكة، فحواها "أن نعيش أو نموت جميعا".

وأوضحت د.دينا أمين، أن دفاع العرب تاريخيا عن المسرح الملتزم، اتكأ على مقاومة الاستعمار وترسيخ العروبة ودعم أو فضح الإسلام السياسي، ثم التعليم، ومحاربة قضايا التهميش الاجتماعي، مثل الفقر وحقوق المرأة، أو أزمة الهوية في مواجهة العولمة، وقضايا الهجرة والتهجين، قبل بروز معضلة الانخفاض المتزايد في الموارد الطبيعية على كوكبنا، والتغيرات المناخية الخطيرة المؤشرة على تدهور الأحول البيئية في عالمنا، وفي مقابل تأكيدها أن المسرح الملتزم هو السبيل المنشود لتعزيز الوعي العام، نوهت إلى أهمية المسرح البيئي ومسؤولياته الاجتماعية والدولية، منذ ظهوره بصفته حركة فنية محدودة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وقيام الفنانين المسرحيين البيئيين بمناقشة القضايا البيئية، بحسبانها أكثر شمولا لأشكال الاضطهاد الأخرى مثل العنصرية وقمع الطبقة الدنيا وسياسات الهجرة والإمبريالية والعدوان، وتطور الحركة باتجاه مكافحة اللامبالاة العالمية، والجشع الرأسمالي تجاه التدهور البيئي.

وركزت الباحثة، على وجوب عمل المسرح البيئي عربيا على مستويي نشر الوعي، والدعوة إلى النشاط التفاعلي على جميع المستويات، مقترحة إنتاج وتقديم المسرحيين قصصا تدور حول مواضيع الإساءة إلى الأرض، الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري وانبعاثات الغاز واستخدام البلاستيك، مشددة على انتفاء جدوى تقديم وعي اجتماعي من دون اهتمام مزدوج بين منتج الفن ومتلقيه، ما يستدعي عمليَّة مستمرة من العصف الذهني الجماعي، ورسم مراكز الفكر المسرحية مستقبل دور المسرح في القضايا البيئية.

كما قدم د.محمد شيحة من مصر، في ورقته "المسرح البيئي.. أبعاد جمالية ورؤى فكرية"، 3 محاور، تضمن الأول، الكثير من المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالطابع الاحتفالي للمسرح، مركزا على إسهام المخرج والمنظر الأمريكي ريتشارد شيكنرفي "المسرح البيئي"، كما انطوى المحور الثاني، على دعامة الأرشفة لتوثيق التراث المسرحي بهدف التأصيل والتأريخ، مشيرا إلى أن حفظ مثل هذه الأعمال يعد مادة خصبة للباحثين والمبدعين، ويؤدي إلى حمايتها من كافة المخاطر البيئية، وفي المحور الثالث، تناول مسرح الطفل تبعا لارتباطه بالبيئة، وحاجة الطفل مثل البالغ إلى رؤية الواقع في الأعمال الأدبية والفنية، وربطه ببيئته وتوعيته بوسائل المحافظة عليها وحمايتها، مع مراعاة طبيعة المراحل العمرية المختلفة للأطفال المتلقين، بجانب إبرازه دور المسرح المدرسي في هذا الخصوص، وتناول مسارات المسرح الاحتفالي الطقسي، وشروط مسرح البيئة المحيطة، مشيرا إلى نماذج: مسرحية مثل "قناديل البحر" لنصيرات خليل (2012)، و"صمت المكانس" لفهد الحارثي (2014) و"حواديت الأراجوز" لرندا إبراهيم (2014)، وجميعها حثت على تحصين البيئة ضدّ أي تلويث، وتعزيز القيم الجمالية.

كما تناول الباحث د.فهد الكغاط من المغرب، صيغ وقضايا نقدية بيئية خلال ورقة بعنوان "من المسرح البيئي/ الإيكولوجي إلى المسرح الإيكوصوفي"، حيث وانطلق من توسيع نطاق دلالات مفهوم "الخيال البيئي" إلى مفهوم الخيال في عروض المسرح البيئي أو الإيكولوجي، وفنون الأداء المرتبطة بالبيئة وقضاياها، كما بحث في العلاقات الممكنة بين الإنتاجات المسرحية والمتطلبات البيئية، محددا أنماط المسرح البيئي (مسرح بيئي تعليمي، مسرح بيئي تحريضي، ومسرح بيئي جمالي)، وانتقل إلى الممارسات المسؤولة بيئياً على المستويين الماكروبنيويوالميكروبنيوي، التي من شأن الفرق المسرحيَّة والمؤسسات المديرة لشؤون المسرح، الاهتمام والأخذ بها في السيرورات الإبداعيَّة، وصيغ إنتاج وتقديم العروض المسرحيَّة، كما تطرق إلى مفهوم حديث جدا في النقد المسرحي البيئي، يخص "المسرح الإيكوصوفي"، وما يستدعيه من تصورات وقضايا جديدة تماماً، متصورا أن الاشتغال على الأشكال يتطلب المواد الجديدة في مسرح فلسفة البيئة، وهو مسرح متصل بالبيئة التي لا ننظر إليها بل ننغمر فيها.

وفي ورقته "المسرح أمام التغير المناخي"، أشار الباحث د.جورج مطر من لبنان، إلى أنه وسط ما هو جار حول التدهور البيئي وتداعيات الاحترار العالمي، واختلالات التوازن البيئي، يكمن دور المسرح في لفت الانتباه، نشر الوعي، ترسيخ الإيمان والقناعات والشعور، وأن يكون مثالاً يُحتذى به في تقديم الاستدامة، وذهب إلى أنه وسط التغير المناخي الذي تشهده الأرض وتداعياته الكارثية على التوازن البيئي الحاضن لسلامة حياة الإنسان والعديد من الكائنات الحية، تبرز جدوى المسرح بمختلف أشكاله وتقنياته، في الإسهام بإيقاف التدهور المناخي والتأسيس لحالة مواتية أمام الطبيعة لإعادة التوازن إلى نفسها، وسلوك درب التعافي.

وسجل الباحث، أن المسرح بما يمتلكه من سلطة تواصلية استثنائية تجاوزية، يستطيع أن يحقق التغيير المرتجى في المجتمع وعبره في البيئة، لما يحظى به المسرح الذي يحدث أثر الإيهام والمسرح التعبيري من إمكانات إبداعية هائلة،وأشكال متنوعة ومبتكرة في مخاطبة الفكر، ووضع المتلقي في حالة من التأمل حول الموضوع المطروح، لدفعه نحو تكوين رأي ناضج وقناعة ذاتية، أو حتى في المقدرة على إحداث كلا الأثرين معا، عبر نماذج المسرح التحريضي،والمسرح المخفي، ومسرح الفوروم، أو مختلف أشكال مسرح المقموعين وغيرها، ولفت إلى القدرة الهائلة لمختلف أشكال المسرح على الترويج للخيارات الصديقة للبيئة، وتكوين رأي معادٍ للتلوث البيئي، ونشر التوعية والتحريض الفعال (سواء أكان على المستوى الفكريالذهني أم الفطريالغريزي) على تبني سلوكيات وممارسات مساعِدة في الحد من التغير المناخي، ورسم سيناريوهات حول كيفية مواجهة تداعياته والكوارث الناجمة عنه، داعيا إلى ممارسة ذلك تصويرياً وتعبيرياً وإبداعيا وتفاعليا، وليس بالخطاب الوعظي والنقاش التجريدي.

في ورقته "فاعلية المسرح في رعاية البيئة واستدامة المحافظة عليها"، أشار الباحث د.علي محمد سعيد من السودان، إلى تجربة قوافل التوعية البيئيَّة منذ العام 2001 للجمعية السودانية لحماية البيئة، وهي أهم منظمة مجتمع مدني محلياً، التي اختارت فن المسرح لتحقيق أهدافها، واستعانت في تجاربها بمسرحيين ممارسين من خريجي وطلاب "كلية الموسيقى والدراما"، وأطفال، وغير ذلك، وراكمت خبرات كبيرة، لافتا إلى توظيف تجربة قوافل التوعية البيئية لمسرح العرائس، ومسرح الشارع المعتمد على الارتجال، الذي استوعب نصف سكان قرية "حلة بابكر" على سبيل المثال لا الحصر، مضيفا أن القافلة تطرقت إلى غلاء الفحم واختفائه من السوق، وغلاء الحطب، وذلك لندرته في العرض لصالح شيوع استخدام الغاز، وأسهم المسرح في دفع قيم المشاركة الإيجابيَّة وتعميق مفاهيم المشروع، وأحال إلى تجربتي "التواصل البيئي، ومشروع الحي الصديق للبيئة"، متوصلا إلى أن ذلك أكد فعالية المسرح في رعاية وحماية البيئة واستدامة المحافظة عليها، وعليه أوصى الباحث بإعداد ونشر وتوزيع منهج تقني متطور لتدريب المسرحيين على التعامل معحقل البيئة، وأيضاً تصميم منهج لتدريب المدربين وتمليكه لجهات الاختصاص، كما رافع لتبني مسودة معاهدة "مسرحيون من أجل البيئة" والتوقيع عليها من قبل مؤسسات المسرح المحليَّة والإقليميَّة والدوليَّة، ورعاية صياغة بنودها وواجباتها، فضلاً عن استكتاب النقاد ونشر كتيبات تحوي توثيق وتحليل تجارب المسرحيين في موضوع البيئة، مع الاهتمام برصد ملامح التقنية المستخدمة وآفاق تطويرها، وتأطير التنظير لمنهج خاص بالمسرح البيئي بوصفه فرعاً قائماً بذاته ضمن تيار المسرح التنموي.

وركز الكاتب والباحث محمد المي، من تونس، في ورقته "المسرح البيئي.. هل هي صرخاتنا المنسية؟"، على أن التفكير في البيئة المسرحية أتى انطلاقا من تصور قدرة الفعل الإنساني على التأثير في المناخ والقدرة على تغييره، وأبرز المنظور الفلسفي للفعل الإنساني، ومحرك الإنسان هو موجبات الفكر، لذا فالربط بين المسرح والحياة، لا يجعل المسرح مجانبا لها، بما يفرض عدم سجن المسرح في الأطر المغلقة، وهو ما مارسه الفرنسيجان فيلار عبر مسرح شعبي غلفه بصرخة "ما زال ضروريا أن ندع المسرح يتنفس"، وذكر أن بلورة الأمريكي ششنرلدعوات الخروج إلى الفضاء الخارجي، وإقراره التخلي عن فكرة النص المعد سابقا، مثل أساس المسرح البيئي، وتموقع الجمهور صانعا للمشاهد المسرحية، وهو ما كرسه الكاتب البرازيلي أوجستو بوال ضمن "مسرح المقهورين"، ولاحظ أن جماعة المسرح البيئي استعاضت عن اللغة بوصفها نظاما إشاريا يمكن أن يشكل معوقا تواصليا، غير أن كل تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح، مشيرا إلى محاولة عزالدين المدني الخروج عن المألوف منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، من خلال مسرحية "ديوان الزنج"، وافتتاحها ببيان "استعمال الفضاء المسرحي"، وعثوره على ضالته في علي بن عياد ومسعاه لخلق مسرح شعبي، وخلص إلى أن دعوة المسرح البيئي ليست دعوة إلى الخروج من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة، بل هي في صلب الثقافة، ولكنها ممارسة حرة متزامنة مع فرض فن الشارع نفسه، وخلق أجيال جديدة صاغت وجدانها الملتيميديا والإلكترونيات.

جدير بالذكر أنه، وتتنافس 8 عروض على جوائز "أيام الشارقة المسرحية" هذا العام وهي: «ترنيمة» لفرقة ياس للمسرح و«قائمة الخديج» لجمعية كلباء للمسرح و«الجلاد» لمسرح خورفكان للفنون و«الحي الميت» للمسرح الحديث بالشارقة و«أغنية الرجل الطيب» لجمعية دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح و«تفسير بنت ياقوت» لمسرح دبي الوطني و«ميادير» لمسرح أم القيوين الوطني و«زغنبوت» لمسرح الشارقة الوطني.

ووقع الاختيار على 3 عروض لتقدم على هامش المهرجان، وهي: «احتراق شمعة» لجمعية دبا الفجيرة للثقافة والفنون والمسرح و«سلام يا سلامة» لمسرح دبي الأهلي و«مضارب بني كرش» لمسرح رأس الخيمة.

اقرأ أيضا

"رحل النهار" يفتتح "أيام الشارقة المسرحية" الـ32 غدا