دراسة أكاديمية تناقش العلاقة بين الإعلام والمؤسسات الثقافية

د. أحمد نوار، د. نسمة البطريق، عائشة المراغى، د. هويدا مصطفى
د. أحمد نوار، د. نسمة البطريق، عائشة المراغى، د. هويدا مصطفى

العلاقة بين وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية.. أضحت علاقة جدلية. تأثرت بوسائل الاتصال الحديثة، الحريصة على تطبيق خريطة عمل تضمن لها المكاسب المرجوة من تأسيسها من خلال بث برامج التسلية والترفيه، والتى غالبا ما تتعارض مع دور وأهداف المؤسسات الثقافية المعنية ببناء الإنسان،  تلك الغاية الغائبة تماما عن أهداف وسائل الإعلام.

وقد لفتت هذه الإشكالية المعنيين ب البحث العلمى، حيث تم- مؤخرا - مناقشة دراسة متفردة، سلطت صاحبتها الضوء على العلاقة بين الإعلام والمؤسسات الثقافية، وكانت هذه الدراسة هى رسالة ماجستير حصلت عنها الزميلة عائشة المراغى على الدرجة بتقدير امتياز، موضوعها «وظائف التليفزيون وتحقيق غايات المؤسسات الثقافية فى مصر» دراسة كيفية وكمية.

تمت مناقشتها بكلية الإعلام جامعة القاهرة، باشراف د. نسمة البطريق «مشرف رئيسى،  الراحل د. بركات عبدالعزيز «مشرف مشارك»، د. أحمد نوار أستاذ الجرافيك بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان ورئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق، د. هويدا مصطفى عميد كلية الإعلام بجامعة فاروس «مناقشين».

وتعنى الدراسة برصد وتحليل وتفسير العلاقة بين وسائل الإعلام (خاصة التليفزيون) والمؤسسات الثقافية، ومدى قيام التليفزيون بوظائفه فى دعم غايات المؤسسات الثقافية، وإلى أى حد يدرك القائمون على العمل – فى المجالين – أدوارهم الوظيفية بشكل صحيح، مما ينعكس بدوره على المجتمع وأفراده، الذين انصرفوا عن متابعة البرامج الثقافية فى القنوات العامة والخاصة على حد سواء، وترتب عليه إهمال هذه القنوات لتلك النوعية من البرامج لأنها لا تحقق الربح المأمول.

ومن هنا تستهدف الباحثة التوصل لنتائج محددة توضح الدور المنوط به كلا من المؤسسات الإعلامية ونظيرتها الثقافية، مما قد يسهم فى تيسير مهمتهما للقيام بها بشكل أفضل، ووضع مقترحات تحقق التكامل بين عملهما وتحافظ على علاقة متوازنة بين المؤسستين.

ومن خلال تحديد دور التليفزيون فى خدمة المؤسسات الثقافية، تحديد العلاقة المتبادلة بين التليفزيون والمؤسسات الثقافية ومدى تفاعلهما، تحديد المعوقات التى تواجه التليفزيون والصعوبات التى تتعرض لها المؤسسات الثقافية، فى أداء كل منهما لمهامه تجاه الآخر.

وتحديد مدى تأثير السياسات العامة للمؤسسات الثقافية والتليفزيونية على قيام كل منهما بدوره فى المجتمع، تحديد مدى تأثير نمط ملكية التليفزيون على مدى اهتمامه بالبرامج الثقافية، وتحديد مدى وجود صناعات ثقافية فى مصر وما يمكن أن تدره من ربح.

وفى إطار الإجراءات المنهجية للدراسة؛ قسمت الباحثة التراث العلمى ذى الصلة بموضوع البحث إلى ثلاثة محاور رئيسية هي: الدراسات التى تناولت دور الثقافة تجاه المجتمع، الدراسات التى تناولت دور الإعلام تجاه المجتمع ، والدراسات التى تناولت العلاقة التبادلية بين الإعلام والثقافة.

ومنها توصلت الباحثة إلى أن العلاقة بين المجتمع ومؤسساته الثقافية فى مصر ضعيفة وهشة، إلا أن الدراسات المعنية بمصر لم تحدد إذا ما كان مصدره خللًا فى هذه المؤسسات الثقافية أم لأن الإعلام لا يؤدى دوره فى تحقيق التواصل بينهما، أما الدراسات الأجنبية فحملّت الطرفين؛ الإعلام والمؤسسات الثقافية، مسئولية الفجوة الموجودة بينهما وضعف علاقتهما.

واعتمدت الدراسة فى إطارها النظرى على نظرية «المسئولية الاجتماعية» مع الاستعانة بفروض بعض النظريات والنماذج الأخرى التى تتوافق مع أهداف الدراسة، حيث يتكاملون فى تحديد دور وسائل الإعلام – ومن بينها التليفزيون.

وفى التثقيف وإمداد أفراد المجتمع بالمعلومات الصحيحة، وكذلك وظائفه كمؤسسة مجتمعية تجاه النظم الأخرى، ومن بينها المؤسسات الثقافية؛ التى تتحمل بدورها مسؤولية تجاه المجتمع والإعلام.

وبناء عليه وضعت الباحثة تصورًا نظريًا خاصًا بدراستها يفترض أن التليفزيون والمؤسسات الثقافية والمجتمع؛ يشكِّلون دورة ثلاثية تتابعية، فالمؤسسات الثقافية تعّد مغذيًا ثقافيًا قويًا للتليفزيون الذى يعتمد على ذلك فى إحداث تأثير كبير، إن كان إيجابيًا بات ضمانًا لاستقرار المجتمع الذى بدوره يمنح الثقة للمؤسسات الثقافية لتواصِل دورها تجاه وسائل الإعلام. وأن المؤسسات الثقافية تقوم بإعداد منتج ثقافى ومعرفى تمِّد به التليفزيون.

والذى يؤدى دوره الرقابى على هذه المؤسسات لضمان ذلك، فى إطار ما تكفله له تلك المؤسسات من حرية وحماية. وأن المجتمع يعتبر هو المورد الثقافى الرئيسى للتليفزيون، حيث يمده بمختلف أفكار وآراء واتجاهات أفراده، وفى المقابل ينتظر هذا المجتمع عائدًا ثقافيًا ومعلوماتيًا.

وضمن عوائد أخرى متعددة، ويتأثر بالمؤسسات الثقافية التى تتأثر به بدورها. وأن المنتج الثقافى والمعرفى الذى تقدِّمه المؤسسات الثقافية للتليفزيون إذا كان هابطًا أو مرتفعًا، فإن العائد الثقافى الذى يقدِّمه بدوره للمجتمع يكون هابطًا أو مرتفعًا على الترتيب، كما يتأثر هذا العائد أيضًا بمدى هبوط أو ارتفاع ما يأتيه من المجتمع من أفكار وآراء واتجاهات

تنتمى الدراسة إلى الدراسات الوصفية، وتعتمد الباحثة فى تطبيقها على منهجين؛ الكيفى من خلال مقابلات متعمقة مع (9) من خبراء الإعلام والثقافة للتعرف على أسباب الفجوة بين المؤسستين، والمسح من خلال دراسة ميدانية تستخدم الاستبيان كأداة لمعرفة مدى إدراك العاملين فى المجالين الثقافى والإعلامى للأهداف المطلوب منهم تحقيقها فى كل مجال، تم تطبيقه على عينة عمدية قوامها 300 فرد. وقد توصلت إلى النتائج التالية:

• التليفزيون هو المصدر الأكثر ثقة مقارنة بالوسائل الرقمية التى أصبحت أكثر استخدامًا، لكنه لا يساهم فى تحقيق غايات المؤسسات الثقافية.

• القنوات التليفزيونية لا تهتم بتقديم مواد ثقافية، وحين تقدمها تكون جزءًا مكمِّلًا للخريطة البرامجية دون قناعة بجدواها، وبالتالى دون تخطيط جيد أو اختيار لعناصر مناسبة لإعداد وتقديم وإخراج هذه المواد. أى أن الاهتمام ظاهريًا، غير مفعّل ولا تتحقق معه الغايات المنشودة من المؤسسات الثقافية والقنوات التليفزيونية تجاه المجتمع.

• المؤسسات الثقافية لا تؤدى دورها فى تشكيل الوعى المجتمعى ورفع مستوى الذوق العام، نتيجة غياب الرؤية والأهداف الواضحة.

• تعانى المؤسسات الثقافية الحكومية من «روتينية» العمل الذى يتسبب فى ضعف الابتكار والإبداع، بينما تعانى الكثير من المؤسسات الثقافية الخاصة من النفعية وتغليب الأهداف التجارية على المجتمعية.

• المعوِّق الأكبر الذى يمنع التليفزيون من أداء وظائفه الثقافية هو التمويل، ويليه السياسات التحريرية للقنوات، واختلاف الرؤى والأفكار بين المؤسسات الثقافية من جانب والقنوات التليفزيونية من جانب آخر، وعدم وجود أرضية مشتركة تسمح بالتعاون المثمر بينهما.

• المسؤولون فى المؤسسات الثقافية لا يحرصون عند توقيع البروتوكولات على وضع شروط حول كيفية بث المواد وما يجب أن تكون عليه، وإنما يحتكمون فقط للعرض المادي.

• الإعلام لم يعد يحتاج لوزارة، وإنما لمؤسسات إعلامية مستقلة.

• ضرورة تبنى ودعم فكرة تليفزيون الدولة، لأنه الوحيد الذى من المفترض أن يقدم خدمات وليس تليفزيون تجارى، على عكس القنوات الخاصة التى لا تعير انتباهًا سوى لمعيار الربح المادي.

• من أشد الأخطار التى تهدد الإعلام الثقافى فى مصر هى الصورة الذهنية السلبية لدى صنّاع القرار فى القنوات التليفزيونية الخاصة، الذين يستقطبون الكفاءات والكوادر المتميزة للعمل فى مجالات أخرى غير الثقافية.

• تفتقد المؤسسات الثقافية والقنوات التليفزيونية للتغذية العكسية، فلا يوجد متخصصون منوط بهم تقييم ما يقدم من مواد ويبث للوقوف على السلبيات والعمل على تلافيها، والإيجابيات من أجل تعظيم الاستفادة منها.

وأوصت الباحثة فى نهاية دراستها بما يلي:

• أن تتبنى الدولة مشروعًا قوميًا قوامه توافق المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة من جانب، والقنوات التليفزيونية الحكومية والخاصة من جانب آخر، حول أهداف مجتمعية مشتركة تضمن التعاون التام بين المؤسسات الثقافية والتليفزيون.

• وضع خطة لتطوير اتحاد الإذاعة والتليفزيون، الذى لا غنى عنه من أجل حماية المجتمع وهويته، ودعم خطط التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

• وضع خطة لتطوير قناة النيل الثقافية كجزء من المشروع القومى، إذ أنها القناة الثقافية الوحيدة فى مصر.

• دفع القنوات التليفزيونية الخاصة للتعاون من أجل إنشاء قناة ثقافية أو أكثر قادرة على إثارة اهتمام الجمهور، ثم تغذيته بما يحتاجه ثقافيًا وليس ما يرغب فيه.

• توفير فرص للعاملين على إنتاج المواد الثقافية بالقنوات التليفزيونية لقضاء فترات معايشة داخل المؤسسات الثقافية.

• تنظيم ورش عمل مشتركة بين العاملين فى المؤسسات الثقافية والقائمين على إنتاج المواد الثقافية فى القنوات التليفزيونية.

• تأسيس وحدة تابعة للهيئة الوطنية للإعلام لقياس نسب مشاهدة المواد التليفزيونية والإعلان عنها دوريًا.

• وضع ضوابط تضمن تنفيذ البروتوكولات المُبرمة بين المؤسسات الثقافية والقنوات التليفزيونية بما يخدم المجتمع بالدرجة الأولى.

• مراجعة القوانين والتشريعات للوقوف على ما تتطلبه المرحلة الراهنة من تغييرات بها لضمان التعاون بين المؤسسات الثقافية والقنوات التليفزيونية فيما يخدم المجتمع.

اقرأ ايضاً | خالد ميري: برنامجي يستهدف استعادة هيبة المهنة

نقلا عن مجلة الادب : 

2023-3-11