محمد عدوي يكتب: كرة ثلج

محمد عدوي
محمد عدوي

يدمن البعض الأكاذيب، يجد في الترويج لها متعة حقيقية، يرى في انتشارها نصرا، ربما يفعل ذلك بهدف ما أو وفقا لأجندة ما، ربما يفعل ذلك مأجورا مغرضا، أو لأسباب كثيرة معروفة، لكن الأزمة في هؤلاء الذين  يلتقفون الكذب ويحولونه إلى كرة ثلج حقيقة تكبر مع الأيام فتصبح الكذبة واقع وتصبح الشائعة حقيقة وتكذيبها وتفنيدها صعب، تكبر كرة الثلج بالترويج للأكاذيب بدون وعي وتنتشر بقوة السوشيال ميديا هذه الأيام انتشار النار. 

منذ الإعلان عن مسلسل “تحت الوصاية” هناك يد خفية تستهدف أبطاله وصناعه، البداية بصنع حكاية لا أساس لها من الصحة عن أحداث العمل الذي قيل أنه يشوه أهالي دمياط لمجرد تصوير الأحداث هناك، ومنذ أيام ومع طرح بوستر المسلسل والدعاية الخاصة به وظهرت نجمة العمل بهيئة الشخصية التي تقدمها، انهالت الأكاذيب عن نوايا بطلة العمل منى زكي، البعض أدعى - دون أن يرى شيئا سوى البوستر الدعائي - إن منى تشوه صورة المحجبات، والبعض الآخر ذهب إلى ما هو أبعد وأخطر، وهو تشويه الإسلام أصلا.
 
كتب أحدهم “منشورا” على “فيس بوك” مرفق به صورة الشخصية التي تقدمها منى، وراح يكيل الإتهامات، وذهب إلى ما ذهب، مؤكدا أن النجمة المحبوبة تعمل وفقا لأجندة ما غرضها هدم قيم الدين!!، وبدأ الرأي الشاذ الذي لا يستند إلى شيء سوى صورة وهيئة الشخصية في الانتشار، حتى أصبح كرة ثلج، وأصبحت منى “تَريند”.

بدأ البعض في تكذيب الشائعة، تفنيد الكذبة، توضيح الأمر بنشر قصة المسلسل وتفسير الصورة التي ظهرت بها منى، لكن دون جدوى، كرة الثلج تكبر ولا تتأثر، بل إنها كلما تعرضت لشمس الحقيقة كانت لا تذوب !! 

ما تتعرض له منى زكي في السنوات الأخيرة ليس مفهوما، منى التي كان البعض يصفها بأنها “بنت الجيران” لقربها من كل بيت، والتي استطاعت أن تصبح رقما مهما بموهبتها وإصرارها واختياراتها وحرصها الشديد على التنوع، وجدت نفسها في مرمى النيران، لا لشيء سوى إنها أرادت أن تخرج من الصورة النمطية التي وضعها الناس فيها لسنوات، وأرادت أن تستثمر موهبتها في أعمال مختلفة، تقتحم بها تابوهات، فهمت المعنى الحقيقي للفن، وأرادت أن تسير في هذا الاتجاه. 

يرى البعض أن ما يحدث لمنى مدبر، ويرى البعض الآخر أن ما يحدث ربما يخدمها من باب الدعاية المجانية لعملها المقبل، وآخرون أن استهدافها فصل من فصول استهداف الفن المصري، الخطة التي يسعى لها البعض والتي تحتاج دائما إلى “فورم” يتعاطف معه البسطاء، ويروجون له بتلقائية حتى يكبر ويصبح “كرة ثلج”، وليس هناك أفضل من الدين والقيم والأخلاق لينفذ منها هؤلاء.

بعيدا عن كل هؤلاء تبقى المشكلة الحقيقية، يبقى تأثير كرة الثلج والانتشار السريع للأكاذيب، يبقى الفعل البغيض الذي نعاني منه كل يوم، تبقى الأزمة الحقيقة التي نعاني منها في مصر منذ انتشار وسطوة السوشيال ميديا، تبقى الأكاذيب التي تنخر في البناء وتريد أن تراه متصدعا بأي ثمن، تبقى في هؤلاء الذين باعوا المنطق بدون ثمن والعقل بدون أي مقابل، تبقى الحالة التي تصيب كل من يعمل وينتج ويقابل عمله بالتشويه المتعمد والتضليل المحكم. 

أيام قليلة ويعرض المسلسل ويرى الناس حقيقة ما روج البعض له، كذب ما ذهبوا له، أيام قليلة ويعلم الجميع أنهم أضاعوا وقتا في صناعة “كرة ثلج” باطلة، أنهم تورطوا في مخطط عفن، أنهم كانوا أداة في يد حفنة من البؤساء المغرضين المأجورين. 

ما تعرض له مسلسل وأبطال “تحت الوصاية”، وحالة العداء المسبقة، والتربص المستمر، نتعرض له كل يوم، “كرة الثلج” التي تكبر من الأكاذيب وتنمو بفعل هؤلاء الذين لا يفكرون لحظة قبل “الشير” و”الريتويت” صاحبت الدولة المصرية منذ سنوات، ومازالت، ورغم أن الحقيقة واضحة وضوح الشمس، ورغم المجهودات التي تبذل لدحض الافتراءات والشائعات والأكاذيب كل يوم، ورغم التنمية والإنجازات التي يراها كل ذي عين. 

متى يفيق هؤلاء؟، متى يعمل العقل ويسيطر المنطق؟، متى ننتظر لنرى المسلسل قبل الحكم عليه؟، متى يعي الناس أن هناك من يريد لهذا البلد شرا؟، متى يعي الناس أن كرة الثلج التي يجب أن تكبر بجد هي تلك الموجودة في الواقع ونراها ونفتخر بها، لا تلك التي يريد البعض أن يصدرها كذبا؟