د. إلهام سيف الدولة حمدان تكتب: تصحيح المسار في منتصف العمر..سبيلا لإماتة الأحزان

د. إلهام سيف الدولة حمدان
د. إلهام سيف الدولة حمدان

وانقضت أيام معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام ,بعد أن ازدحم بالعديد من الإصدارات في كافة صنوف الكتابة وسط تردد الجماهير العريضة من زوار هذه المناسبة السنوية ،التي ينتظرها الكثيرون لأسباب متفاوتة ، تتراوح بين منتظر لكتابه أن يرى النور كمولود يريد أن يسمع صرخة خروجه إلى الحياة،وبين جماهير عريضة تجد متنفسها في التجوال داخل أروقته. بين مشتر ومتصفح أو أسر تجد في تمضية بعض الوقت داخله نزهة ذات طابع خاص يجلب على أفرادها السعادة والحبور مثل حضور عرس أو حفل زفاف،أما المثقفون فينتظرونه من العام إلى العام ليلتقوا في ندواته ومقهاه الثقافي وحفلات التوقيع ويلتحموا بالقراء والأصدقاء من مصر ومن أنحاء العالم العربي والغربي،لتشهد أرض المعرض كل هذا الزخم وأكثر من تظاهرة ثقافية تبرز فيها القوى الناعمة المصرية .

أما أنا فقد وجدت بغيتي في كتاب له طبيعة خاصة شكلا وموضوعا،من بين كل ما وقعت عليه عيناي وامتدت يد الشراء له من المعروض من تلاوين الكتب، بدءا من مؤلفه الطبيب والمفكر د.بهي الدين مرسي ،ومايتمتع به من قدرات وخبرات حياتية وعملية استقاها من مشوار ممتد أنفقه في خدمة الإنسانية من خلال عمله كجراح حوادث ماينيف عن( ٢٥) عاما ،وكمستشار لوزير الصحة وكخبير للجودة بمستشفى سرطان الأطفال ،وصاحب صالون ثقافي وفكري شهري يستقبل ويرسل الأفكار ويناقش أهم الموضوعات والقضايا التي تشغل بال كل مهموم بأحوال مصرنا المحروسة على كافة الأصعدة طارحا الحلول التنويرية ذات السمة الوطنية التي تنطوي على محب مدله يعشق بلده،ومن ثم يساوره القلق على مستقبلها الذي يسعى بكل قواه ويصبو إلى الإسهام في صناعته ولو..بقلمه وفكره بالغ الاستنارة.. وهو أضعف الإيمان!

استهواني كتاب(تصحيح المسار في منتصف العمر) الصادر عن دار الأدهم ،وهو عمل إبداعي وفلسفي، وإن ذيل العنوان بأنه قراءة نفسية وسلوكية ..وخيري غير مسبوق_ في تقديري_ ؛فقد أبى مؤلفه إلا أن يتنازل بالكامل عن نسبته في بيع الكتاب الذي وصلت طبعاته في أقل من شهر إلى أربع طبعات ، والطبعة الخامسة في طريقها إلى أرفف المكتبات في الأيام القليلة القادمة ، فستذهب المحصلة للكاتب عزيزي القارىء  إلى خزينه مستشفى سرطان الأطفال ، ياله من درس يتوجه به إلى أصحاب القلوب الرحيمة ،بل القاسية قلوبهم أيضا، أزعم أنه أراد أن  يذكرنا جميعا بحقوق المرضى علينا كلحمة في نسيج المجتمع لابد من رعايتهم والاهتمام بهم ،ونحن إزاء تبرعه النبيل هذا نتبين بشكل حقيقي ما  أسبغته عليه مهنته كطبيب من علو إنساني،وزهد عن مطالب دنيوية تلهينا الحياة عن الانتباه إلى ضرورة العزوف عنها كلما أمكننا هذا حتى  لا يسقط في أيدينا ونفقد فرص الخير المتاحة لنشر المحبة والترابط والتراحم داخل المجتمع المصري الذي أصبح بحاجة إلى القدوة الحسنة في مناح عدة!

والكتاب يحمل بين دفتيه مايدخل السعادة على القلوب ويمحو الأحزان ، وهو يدفع برسائل في كل فصل ،ومن أهم هذه الرسائل قوله:(إن الذكريات التي لاتموت..تميت) وهي دعوة صريحة لإماتة الذكريات الحزينة والمؤلمة التي تعشش في قلوب أصحابها فلا يتجرعون من تذكرها سوى المعاناة النفسية والقلبية، وأي قلب هذا الذي يستطيع تحمل الاستمرار في الحزن على من رحل ، فهذا يتماس مع حالتي_على سبيل المثال _منذ فقدت والدي من أكثر من عام ونصف فتلازمني الذكريات ليل نهار فيعاودني احساس عميق مؤلم أشد الألم من عدم وجوده الفعلي بجانبي! وهذا الشعور يمزقني ويكدر حياتي!

وهنا أراه متفقا مع ماصرح به طبيب القلوب العالمي سير/مجدي يعقوب عندما بادرته  إحدى المذيعات في لقاء تلفزيوني بسؤال  مفاده :ماالذي يتسبب في متاعب في القلب؟

كان رده :
 “حاجات كتير لكن أوحش حاجة هو الحزن ..معظم المرضي اللي بتجيلي وعندها مشاكل ف القلب بيبقي سببها الحزن !..الحزن بيوجع القلب ويخلي حتت منه تضعف ..دي حاجات شفناها كتير في السنين اللي فاتت ..قلب بيبقى مكسور .. وده بيأثر عليه ..القلب مبيشتغلش بعد ما حد بيزعل جدا .. عضلة القلب بتضعف من الحزن والكسرة وممكن وقتها الإنسان يموت لو حصل مضاعفات قبل ما العضلة ترجع لوضعها الطبيعي .. “.

ودعوة د.بهي الدين مرسي لطرد الذكريات طريقا لإماتة الأحزان استوقفتني بدءا من صياغته للرسالة ولكونها روشتة بالغة الأهمية لكل مكلوم حزين، قلبه يتمزق كلما لاح في مخيلته من افترق عنه عنوة بفعل الزمن وناموس الحياة ..وهو بدعوته تلك يحثنا على السعادة حماية لقلوبنا التي لاتقوى على المضي قدما في ظل انكسار ومتلازمة أحزان..

ليتنا نستمع إلى رسائله السامية الأخرى التي وضعها حصادا في خاتمة الكتاب_ الذي أتبع فيه منهجا علميا صارما_ يصحح بها مفاهيم كثيرة مغلوطة نمارسها دون وعي منا بعواقبها ..الكتاب يسبر أغوار النفس البشرية ويسهم في دق ناقوس الخطر نحو سلوكيات سلبية تكاد تفتك بالإنسان نفسا وروحا ..في رحاب الكتاب ثراء معلوماتي وتوجيهات مخلصة ترسم خارطة طريق حياتية نحتاجها وهاهو يمد لقرائه يد العون لنمتلك جميعنا الشجاعة والقدرة على تصحيح مساراتنا واختياراتنا كل بحسب مايعد عمره قد انتصف عنده !