بين روسيا والغرب.. أوكرانيا «البلد الحائر» وسط القوى العظمى  

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

عند الحديث عن العلاقات الروسية الأوكرانية، لا يمكن إغفال تاريخ الإمبراطورية الروسية بحد ذاتها وانهيار وضعف أوضاعها في نهاية عام 1917 وسط أهوال الحرب العالمية الأولى، ولذلك حدثت الكثير من أعمال الشغب والفوضى التي انتهت بتنازل القيصر الروسي نيكولاس الثاني في ذلك الوقت عن العرش.

الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها وقتها أكدت لدول الحلفاء أنها مازالت ملتزمة بالمشاركة في الحرب، الأمر الذي أثار سخط الكثيرين، وتفاقمت الأوضاع حتى وصل لما عُرف بـ«ثورة فبراير» التي انتهت بسيطرة القوات البلشفية على الأوضاع في روسيا.

كانت القوات الثورية في ذلك الوقت تريد وقف مشاركة روسيا في الحرب، ولذلك وقعت مع دول المحور عام 1918معاهدة «برست ليتوفسك» والتي تخلت بموجبها عن بعض الطموحات التوسعية، ولعل من أهم بنودها الاعتراف بسيادة أوكرانيا، مقابل إنهاء مشاركة روسيا في الحرب العالمية الأولى.

استقلال ..لم يتحقق
كان الاستقلال رغبة كبيرة لدى عدد من سكان أوكرانيا، الذين أرادوا تأسيس دولة مستقلة، إلا إن ما حدث هو تأسيس أكثر من حكومة في عدة مدن تنافست فيما بينها على السيطرة على أوكرانيا.. كان أكثرها قوة حكومة جمهورية أوكرانيا الشعبية ومقرها كييف، و حكومة جمهورية أوكرانيا السوفيتية، ومقرها خاركيف.

وشهدت روسيا -وبالتالي أوكرانيا- حرب أهلية دامت لمدة 4 سنوات بداية من عام 1917 وحتى عام 1923، قُضي فيها تقريبا على  كل محاولات الأوكرانيين في الاستقلال خلال فترات متباعدة.

وعلى الرغم من تحريض البلاشفة على انتفاضة كييف لدعم الثورة، إلا إن المجموعة البلشفية انقسمت بسبب ضعف دعم السكان المحليين والمجلس المركزي المناهض للثورة. 

وانتقل معظمهم إلى خاركيف وتلقوا الدعم من المدن والمراكز الصناعية في شرق أوكرانيا.. وفي وقت لاحق، اعتبر بعض مفوضي الشعب هذه الخطوة خطأ جسيمًا.. وأصدروا بلاغًا نهائيًا للاعتراف بالحكومة السوفيتية.

وبعدها نشبت حرب ضد جمهورية أوكرانيا الشعبية من أجل تثبيت النظام السوفيتي في البلاد، وبدعم مباشر من روسيا السوفيتية، انتهت تماما القوات الوطنية الأوكرانية.

وبعد معاهدة بريست ليتوفسك، سلّمت روسيا السوفيتية جميع الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها، لكن عندما أُجُبر البلاشفة على مغادرة أوكرانيا، انحلّت حكومة أوكرانيا السوفيتية في 1918.

جزء من الاتحاد السوفيتي
في  بداية عام 1919 تشكلت حكومة سوفيتية أوكرانية ثانية، لكنها تكونت في الغالب من الروس، وغير الأوكرانيين، كما فرضت هذه الحكومة سياسات روسية لم تلتزم بالاحتياجات المحلية للسكان الأوكرانيين.

وأُرسِل ما يصل لـ3000 عامل من روسيا لأخذ الحبوب من المزارع المحلية بالقوة إذا لزم الأمر لإطعام المدن الروسية، لكنهم قوبلوا بالمقاومة. 

في ديسمبر 1919 تشكلت حكومة ثالثة، والتي بدأت أعمالًا عدائيةً جديدةً ضد القوميين الأوكرانيين بعد أن فقدوا كل دعمهم العسكري.

 لم تتغير الأوضاع في أوكرانيا رغم تعاقب السنوات حتى عام 1922، حتى وجدت نفسها في النهاية ورغم محاولات المقاومة والاستقلال «الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأوكرانية» تقف جنبًا إلى جنب مع الجمهوريات الروسية، والبيلاروسية كواحدة من الأعضاء المؤسسين للاتحاد الاشتراكي السوفيتي.

ظلت أوكرانيا جزءًا من الاتحاد السوفيتي حتى حله عام 1991، عندما أعلن آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف استقالته، وتم إنزال العالم الأحمر من فوق مبنى الكرملين، حيث كان ذلك في نفس القوت إعلانا باستقلال دول الاتحاد، ومن بينها أوكرانيا.

وفي عام 1994 تم توقيع مذكرة بودابست للضمانات الأمنية، بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتتعلق المعاهدة بنزع السلاح النووي الأوكراني ووضع ضمانات أمنية لاستقلال أوكرانيا.

الثورة البرتقالية
ثورة البرتقال، أو الثورة البرتقالية هي سلسلة من الأحداث شهدتها أوكرانيا خلال الانتخابات الرئاسية الأوكرانية عام 2004 التي قيل أنها كان «فاسدة» و غير نزيهة.

خرج المحتجين في كل مكان في العاصمة كييف بين أنصار المرشحين في ذلك الوقت الرئيس فيكتور يوشيشينكو  و رئيس الوزراء فيكتور يانوكوفيتش.

انطلقت الاحتجاجات إثر تقاريرٍ من عدة مراقبين محليين بأن نتائج الاقتراع زوِّرت من قبل السلطات لمصلحة رئيس الوزراء، إلا أن الاحتجاجات نجحت وانتهت أخيرا

عندما ألغي الاقتراع الأصلي بموجب حكم المحكمة الأوكرانية العليا بإعادة التصويت في 26 ديسمبر.

جرت عملية التصويت الثانية تحت مراقبة مشدَّدة حتى أُعلِن أن التصويت الثاني «نزيهًا وحرًا». وأظهرت النتائج النهائية نصرًا واضحًا ليوشتشينكو، الذي حصل على ما يقارب 52% من الأصوات، مقابل 44% حصل عليها يانوكوفيتش.

وأعلِن يوشتشينكو فائزًا رسميًا وانتهت الثورة البرتقالية مع تنصيبه رئيسًا في 23 يناير 2005 في كييف.

لكن الثورة البرتقالية لم تكن محببة لروسيا أو أنصارها في ذلك الوقت على الرغم من أنها كانت ثورة سليمة تماما ولم يسفر عنها أي من أعمال العنف أو الضحايا.

وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2010، أصبح يانوكوفيتش رئيسًا لأوكرانيا خلفًا ليوشيشينكو  إلا إنه لم يظل في الحكم طويلا، حيث خَلع من منصبة بعد أربع سنوات إثر مواجهات عنيفة في فبراير 2014 وقعت بساحة الاستقلال في كييف وأدّت إلى وفاة أكثر من 100 شخص.

روسيا بدلا من الغرب
كان السبب الحقيقي لبدء موجة الاعتراض والاحتجاجات ضد يانوكوفيتش ظهور توجهاته الواضحة ورغبته في تعزيز علاقات بلده مع روسيا بدلا من تقويتها مع الغرب والاتحاد الأوروبي، أدى ذلك لانطلاق عدد من المسيرات التي كانت سلمية في البداية إلا إنها انتهت بعنف شديد تزامن مع تهديد الرئيس في ذلك الوقت لاستخدام العنف في السيطرة عليها، كما أفادت بعض التقارير أنه واجه ضغط روسي من أجل إنهاء المظاهرات بشكل حاسم ونهائي.

انتهت المظاهرات بعد إعلان البرلمان إعفاء يانوكوفيتش من مهامه، الأمر الذي وصفته روسيا بأنه انقلاب على شرعية البلاد.

أزمة القرم 2014
ظل إقليم القرم بعد استقلال أوكرانيا تابع لها تحت حكم ذاتي، وهي الحالة التي اعترفت بها روسيا وتعهدت بعدم المساس بها، إلا إن الميل الأوكراني للغرب منذ بداية التسعينات أثار القلق الروسي.

كما أن أحداث الإطاحة بالرئيس يانوكوفيتش أثارت قلق عدد من المنتمين للقومية الروسية الامر الذي دفعهم للتظاهر اعتراضًا على الأحداث وطلبًا للمزيد من التكامل مع روسيا، بالإضافة إلى حكم ذاتي موسع أو استقلال للقرم عن أوكرانيا. 

تطورت الأحداث حتى استيلاء عدد من القوات الروسية على المجلس الأعلى لشبه جزيرة القرم والعديد من المباني الأخرى المهمة استراتيجيًا وتم إنشاء حكومة سيرجي أكسيونوف الموالية لروسيا في شبه جزيرة القرم وتم دمجها رسميًا من قبل روسيا بعد إجراء استفتاء للانفصال رسميًا عن أوكرانيا والانضمام إلى روسيا.

وقال الرئيس بوتين في ذلك الوقت إن تدخل الجيش الروسي لدعم الميليشيات الانفصالية في القرم، كان ضروريًا «لضمان الظروف المناسبة لشعب شبه جزيرة القرم ليتمكن من التعبير عن إرادته بحرية».

لم يتوقف الأمر عند القرم، حيث ترددت أصداء القوميين الروس في عدد من المناطق الأخرى، وعلى رأسها ولايات دونيتسك ولوجانسك.

تفاقمت التوترات بين البلدين بشكل كبير وسط شد وجذب روسي-أوكراني-أمريكي انتهي بعملية عسكرية واسعة في 24 فبراير 2022 ، أمر فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بدخول أوكرانيا نتيجة تصاعد التوترات بين البلدين ليبدأ فصلا جديدا من الشد والجذب بين البلدين.