أديب المراهقين.. لا يعرف الفرق بين القصة والرواية!

الروائي أحمد مراد
الروائي أحمد مراد

كتب: حسن حافظ

أثار الروائي أحمد مراد موجة من السخرية من قبل أدباء ونقاد وقراء، بعدما خرج بتقسيم جديد للتفرقة بين الرواية والقصة، بالقول إن القصة لا بد أن تقوم على الحقائق فى حين تقوم الرواية بشكل حتمى على الكذب والتأليف والتخيل، ما أثار موجة سخرية من أديب يفترض أن يكون على إلمام بالمصطلحات الأدبية والتعريفات المعتمدة للرواية والقصة التى لا تدخل فى السفسطة والتعريفات اللغوية التى تنكر مفهوم فقه اللغة وتطور المصطلحات على مدار قرون، فاللفظ المستخدم فى مستوى معين وفى لحظة تاريخية معينة قد يتطور ليستخدم بمعنى آخر فى زمن آخر، لكنها معلومات لا يعلمها أحمد مراد على ما يبدو فوقع فى فذلكة جعلته محط سخرية قطاع واسع.

هل اعتمد مراد على مقال ملغم لعباس العقاد فأوقعه فى الخطأ؟

أحمد مراد الذى يحقق نجاحا بين قطاع من المراهقين والقراء الشباب، خرج مع الإعلامي عمرو أديب وبرنامجه «الحكاية»، ليلقى بدلوه فى التعريف بالرواية والقصة، لكن مراد خلط عن عدم معرفة فيما يبدو بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللفظي لمعنى الرواية والقصة، فجاء تعريفه لكلٍ منهما مثيرا للسخرية والهجوم من قبل قطاع عريض من كل المهتمين بعالم الكتابة، خصوصا أن مراد يفترض وهو كاتب الرواية الشهير ومن أكثر الكتّاب مبيعا، أن يكون لديه المعرفة الكافية بمثل هذه التعريفات الاصطلاحية التى يتم تدريسها لطلبة الثانوية العامة ومعروفة وموجودة فى كتب النقد الأدبي والنظريات الأدبية وقواميس اللغة.

كلام مرتبك!
حديث مراد جاء مرتبكا بغير معنى عندما حاول أن يفرق بين الرواية والقصة القصيرة، فعاد إلى معنى واحد من المعاني الموجودة فى أصل الكلمة فى المعاجم، مستبعدا التعريفات الأخرى من ناحية، ومتجاهلا تطور مدلول اللفظ والمصطلح من ناحية أخرى، إذ قال إن القصة فى زعمه مشتقة من قص الأثر، وبالتالى فهى تقوم على الحقيقة، بينما الرواية عنده تحكى شيئا خياليا قائما على الكذب، ليصل لحكم نهائي وهو أن «القصة حقيقية والرواية خيالية كاذبة»، وهو هنا يقع فى خطأ واضح، لأن الرواية فى اللغة تعني الحفظ لذا أطلقت الرواية على من يروى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كان المقصود من الرواية هو الكذب لما اختار العرب هذه اللفظة لوصف من ينقل الأحاديث النبوية الشريفة.

ولن نذهب إلى معاجم اللغة القديمة لنتتبع تطور المصطلحات تاريخيا، وسنكتفى بالتعريف الذى يقدمه المعجم الوسيط الصادر عن معجم اللغة العربية، الذى يقول فى تعريف (القصص): «رواية الخبر والخبر المقصوص، وقص الأثر.

وفى الأدب: فن أدبي نثرى، يعد من أكثر فنون الأدب انتشارا وشعبية. يتفاوت فى الطول بين القصة القصيرة والرواية والملحمة.

ويصور الأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مستلهما الواقع أو الخيال أو جامعا بينهما»، فخطأ مراد البيِّن أنه لا يعلم أو تجاهل عن عمد الدلالات الأخرى للفظ الواحد.

مصدر الخلل!
لكن من أين أتى أحمد مراد بهذا الفهم الناقص؟ الإجابة عند عباس محمود العقاد، الذى كتب مقالا نُشر فى عدد يوليو 1949 من مجلة الهلال، تحت عنوان (القصة والخرافة)، وهو مقال يظهر منه أن المصطلحات الأدبية لم تكن استقرت بعد عند طيف من الأدباء والمفكرين ومنهم العقاد نفسه، الذى عُرف كمفكر وكاتب سياسي وشاعر، ولم يجرب كتابة القصة إلا مرة واحدة، الذى رغم ما يشوب كلامه من اضطراب إلا أنه ينطلق من منطلق يعكس منطلق أحمد مراد، فالعقاد يقول صراحة إن «اللغة العربية تنفرد عن سائر اللغات بأن فيها أحسن اسم لفن القصص»، وهو يقارن بين لفظ (FICTION)، الذى يعنى فى أصله التلفيق والتزوير، بينما ينتصر للأصل الاشتقاقي للقصة والرواية، والمقال مبنى على حذلقة لغوية من العقاد وقع فيها مراد الذى يبدو جليا أنه تأثر جدا بمقال العقاد، واستعاد مفرداته فى حديثه التلفزيونى، خصوصا أن الحوار مع الإعلامي عمرو أديب كان عن قصة (سارة) للعقاد.

التعريفات المعجمية للرواية والقصة تقدم الفهم الصحيح للمصطلحات

حين تكون كاتباً!
العديد من كتّاب الرواية والشعر والقصة تصدوا لكلام أحمد مراد بالرد والتفنيد، ومن هذه الردود ما كتبه الشاعر إبراهيم المصري، الذى قال: «إن سألك أحد ما هو القطار؟ وكانت إجابتك أنَّ القطار هو «القافلة من الإبل» فإنَّ الإجابةَ صحيحةٌ بالطبع، لكنها إجابةٌ معجمية. الأمر ذاته ينطبق على سؤال ما هى السيارة؟ مجموعة من الناس تسير.

والقَصُّ إِذَن سيكون وفق ذلك هو (قصُّ الأثر) أو (التَّتبع) كما فى حال أم موسى وأخته {وقالت لأختِه قُصِّيه}، أى تتبعيه. لكن حينما تكون كاتباً ويسألك أحدهم عن القصة القصيرة، فإنَّ تعريفها بقصِّ الأثر، سيكون إجابة غير صحيحة، ما لم تكن مرتبطة بدلالة فى التعريف الأدبى والإبداعى للقصة القصيرة.

وعليه، لا تكون إجابات المعجم، إلَّا فى ارتباطها بدلالات معاصرة، وإلَّا تكون اللغة ورطة فى تحديد المفاهيم وسياقاتها الحديثة، وقد يكون القطار هو القافلة من الإبل معجمياً، ولكنه الآن وسيلة المواصلات بالسكة الحديد»، وشدد على أن تعريف أحمد مراد غير صحيح «وإنما انحراف بالوعى عن الفهم، لأنّ الأمر ليس متعلقاً بمفهوم (القَص) فى تعدد دلالاته، وإنما تحديداً بالقصة القصيرة، وإلَّا لماذا لا يكون التعريف هو (المعسل القَص)؟».

اقرأ أيضًا |

 أزهري: صلاة التسابيح تكفي العبد إذا قام بها مرة في العمر

القول الفصل
ذهبنا إلى أهل النقد والدراسات العلمية بحثا عن قول فصل بين مراد والساخرين منه، فقال الدكتور نجيب عثمان أيوب، أستاذ الأدب العربي ونقده بجامعة حلوان: «فى البداية لابد أن نشير إلى وجود إشكالية فى المشهد الثقافى المصرى، وهى حديث المبدع فى مجال بعينه فى أمور أخرى لا تخصه، فالتعريفات هى تخصص أساتذة النقد والأدب، فالأديب عليه  أن يركز فى كتابة الروايات ويبدع فى مجاله، ويترك عملية النقد وصياغة القواعد الأدبية لأهلها، وإذا انتقلنا إلى حديث أحمد مراد، سنجد أن القص هو الوصف، وقص الأثر معروف ولا يزال يمارس حتى يومنا هذا، لكن القص له مدلول آخر فى مجال الأدب، ولا يمكن الخلط بين المدلولين، وهما على خلاف المعنى المستخدم لنفس اللفظ فى القرآن الكريم، ولأن أحمد مراد كونه غير متخصص فى اللغة أو فى النقد الأدبى نجده يخلط بين المعنى الموروث المعجمى وبين المفهوم الحديث لمعنى القص والقصة الذى يختلف تماما عن المدلولات القديمة».

وتابع أيوب: «مفهوم القصة والرواية تطور وجاء لنا مع الاحتكاك بالغرب ومفهوم الرواية والقصة الحديث، إذ تم ترجمة المصطلحات الغربية إلى العربية وتم نحت مصطلح الرواية والقصة لتعبر عن هذا المنتج الثقافى الحديث، ولم يتوقف هذا الجيل من العرب عند المعنى اللغوى القديم لهذه الألفاظ بل عبر عن معنى اصطلاحى جديد يعبر عن الاستخدام الجديد فى اللغة بين المعاصرين، وفرقوا بين القصة القصيرة والرواية، فالأولى قائمة على الخيال وتغطى عادة فترة زمنية محددة وأقصر، وتعتمد التكثيف وعقدة واحدة فى الأغلب، وتعتمد على عدد شخصيات محدود، أما الرواية فتعتمد على فترات زمنية مفتوحة وهى أطول عادة، ويمكن أن تضم أكثر من عقدة درامية وحبكات فرعية وعدد شخصيات أكبر».

مفهوم سلفي!
وشدد أستاذ الأدب العربي على قاعدة مهمة يعرفها كل دارس للأدب العربى وهى «أن الاشتراك فى اللفظ لا يعنى الاشتراك فى نفس المعنى»، وتابع: «تتعاور الألفاظ على معنى واحد، وهذا يعرف باسم الاشتراك اللفظى، وتتعاور المعانى على لفظ واحد وهذا يدعى التعدد الدلالى، وبالتالى لا بد أن نفرق بين الموروث المعرفى اللفظى عندنا سواء كان فى المعاجم أو فى الشعر الجاهلى، وبين الثورة الحديثة فى اللسانيات والعلوم الإنسانية التى أنتجت تركيبات جديدة تعبر عن مفاهيم جديدة أكثر معاصرة وفهما للواقع، وإلا سنكون كمن يتعامل مع التراث بطريقة السلفية الفكرية، ونتجمد فى المفاهيم القديمة وننكر على اللغة تطورها بالتوازى مع تطور أهلها على المستوى الفكرى والإبداعي، ومن هنا مشكلة أحمد مراد استخدم المفهوم السلفى لمعنى القص فى اللغة معجميا، وحاول وضعه فى علبة كبريت، واستبعد مختلف التعريفات الأخرى الموجودة التى استخدمها العربى المعاصر فى التعبير عن مستجدات فكرية، بما يكشف عن قدرة اللغة العربية على استقبال المستجدات واستيعابها لغويا».