هروب وصدفة وانطلاق.. قصة حب صنعت نجومية «محمد منير»

الفنان محمد منير
الفنان محمد منير

مايسة أحمد

محمد منير، حالة خاصة بكل المقاييس، أسطورة لا خلاف عليها، ولا يوجد من ينافسه في منطقته، فموهبته واللون الذي اشتهر به دفعه للمقدمة متفردا.


في حياته الكثير من المحطات، لكن التحولات قليلة، وأشهرها قصة الحب التي لا تمحى من ذاكرته حتى الآن، فكان حبا حقيقيا في بداية احترافه للغناء، بعدما جاء من بلاد الجنوب إلى القاهرة للبحث عن فرصة لموهبته، وكانت ظروفه المادية والاجتماعية بسيطة، ومن سوء حظه أن يلتقي بفتاة من أسرة ثرية جدا تعيش في أحد قصور المعادي الراقية.

 

ومن شدة عشقه لها كان يحرص على المرور يوميا أمامها لعله يراها ولو ثواني قليلة، وأحيانا كان يقف طويلا في الشارع حتى يراها تخرج بسيارتها، حتى لفت نظرها، وبدأت تنتظر مروره ووقوفه أمام قصرها، وكانت تعشق بشرته السمراء وطريقة سيره وألوان ملابسه البسيطة، ومع أول انطلاقاته الغنائية وبداية نجوميته مع قلة موارده المالية، وجد نفسه مدفوعا بعواطفه إلى قصر أسرتها لطلب يدها ورغبته في الزواج منها، وكان رد فعل الأسرة طبيعيا برفض الطلب قبل أن يكمل حديثه، وخرج مهزوما، لأن وجهة نظرهم أنه مطرب وليس له مستقبل اجتماعي مرموق أو مكانة مميزة.

وبالرغم من ذلك لم ييأس وظل قلبه متعلقا بها ولم ينس هواها، ولم ينقطع عن الذهاب يوميا أمام منزلها لتبادله النظرات، إلى أن أصابته صدمة قاسية زلزلت حياته كلها، حين وجد قصرها مهجورا والأضواء مظلمة وخاليا من أهل المنزل، وعلم من الجيران أن الفتاة وأسرتها هاجروا نهائيا خارج مصر، وأصيب بحالة نفسية شديدة وقتها وأغلق باب حجرته على نفسه رافضا الذهاب للحفلات، ووصل الأمر لقراره باعتزال الغناء نهائيا والبحث عن مجال عمل آخر.

لكن حين علم والده الروحي الملحن أحمد منيب بالأمر ذهب لمنزله وأقنعه بأن الله أعطاه موهبة كبيرة وليس من حقه دفنها، ونصحه بالتفرغ لعمله وأن يفرغ حزنه في أعماله الغنائية، وكانت هذه نقطة التحول في حياة “الكينج” الذي انطلق فنيا، وعلى الفور ظهرت أغنيته الشهيرة “شبابيك” عام 1981 للنور، لتكون خير تجسيد لقصة حبه، وكانت سببا في ذيوع صيته ونجوميته، والغريب أنه بعد مرور سنوات طويلة فوجئ بحبيبته ضمن الحضور لإحدى حفلاته، وحين سارع ليحدثها قدمت إليه زوجها وأولادها الثلاثة، فصافحهم وانصرف حزينا.

- هروب
من قصص الحب والزواج في حياة “الكينج”، الفنانة والإعلامية نجلاء بدر، التي فاجأت الجميع بإعلانها أن منير طلب الزواج منها، وإلتقى والدتها لطلب يدها، لأن والدها كان خارج البلاد، لكنه انسحب قبل عقد الزواج مباشرة، وأن العلاقة بينهما كانت محكوم عليها بالفشل لفارق السن الكبير بينهما، كما أن طباعهما مختلفة، وأنه طلب منها في حالة الزواج التوقف عن العمل، وأنه غنى لها أغنية “لما النسيم بيعدي”.


وكانت شائعة إرتباط عاطفي ربطت بين منير ولمياء السحراوي أرملة الفنان الراحل عادل أدهم، بعد تداول عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صورا لهما وهما في حالة عناق حار، لكن منير صرح لبعض الإعلاميين بأن العلاقة التي تربطه بلمياء صداقة قوية منذ فترة طويلة، وتعود لفترة زواجها بعادل أدهم، وأن البعض يسعى للبلبلة وإطلاق الشائعات.


منير عاشق للحرية، ويهوى العزوبية، ويتخوف من الزواج، لذلك يسعى دائما لكسر قيود الزواج، ولم يقترب من أسوار “العش الذهبي” إلا مرة واحدة، وكان الفشل الذريع السريع النتيجة الطبيعية لزواجه الذي لم يستمر سوى 50 يوما.

- الزوجة الوحيدة
بدأت قصة ارتباطه رسميا من فتاة من خارج الوسط الفني من أصل نوبي تعيش بالعاصمة الفرنسية باريس، وتدعى داليا محمد يوسف، حيث تعرف عليها مصادفة عن طريق أحد الأصدقاء المشتركين بينهما في “عاصمة النور” حين كان يعالج هناك، وسريعا ما حدثت شرارة الحب بينهما، والتي لم تستمر سوى أيام قليلة، خاصة أنه كان يبحث عن فتاة من أصل نوبي، حيث أن تقاليد عائلة منير النوبية تفرض عليه الزواج من فتاة نوبية، فرغم نجوميته الشديدة ونجاحه الفني إلا أنه لا يستطيع أن يخالف تقاليد أهله التي تربى عليها، خصوصا أنه شديد الإرتباط بالنوبة.


بعدها طلب الزواج منها، وعلى الفور دارت بينهما قصة حب سريعة لم تستغرق أسابيع، وفاجأ “الكينج” جمهوره بإعلان زواجه في حفل عائلي جدا بحضور أقارب العروسين فقط، ولم يرغب في حضور أحد من أصدقائه من داخل أو خارج الوسط الفني، ولم يتم نشر سوى صور قليلة لعقد الزواج، واستمر الارتباط حوالي 50 يوما فقط، وحدث الانفصال الصادم للمقربين، وشدد منير على المحيطين به عدم الافصاح عنه، إلا أن السر تسرب حينما اجتمع هو مع عدد من أصدقائه المقربين داخل الوسط الفني في حفل تنصيب المشير عبدالفتاح السيسي رئيسا، وحينما سألوه عن زوجته أبلغهم بانفصاله، وأنه لن يتزوج ثانية.

 

- خلف الأسوار
وتردد أن سبب الانفصال إختلاف وجهات نظر الزوجين في عدد من الأمور، وقيل أن فارق السن بينهما أو ثقافة زوجته التي قضت عمرها بالكامل بين لندن وباريس، وإصطدامها مع ثقافة ابن النوبة الشرقي كانت كفيلة بالإسراع بالطلاق.


وتسربت شائعة أخرى أن الخلافات حدثت عقب اكتشافه أن زوجته أخفت عنه وجود شقيق لها نزيل أحد السجون لمدة 10 سنوات، وحين واجهها منير انكرت تماما، لكنه لم يثق في ردها، وكلف بعض أقاربه بتحري الحقيقة، وكانت النتيجة صادمة، وأنها بالفعل كذبت عليه، وإتخذ قراره السريع بطلاقها والابتعاد عنها بلا رجعة، لأنها فقدت ثقته نهائيا، وقام بحجز غرفة لها بأحد الفنادق لتقيم بها حتى تعود لفرنسا، وحاولت كثيرا الإعتذار له، لكنه كان قد أغلق صفحة الزواج نهائيا.

- العائلة
نعود بالزمن إلى 10 أكتوبر 1954، وهو يوم ميلاد محمد منير، من الزوجين أمينة محمد حسن ومحمد أبا يزيد جبريل متولي، أحد كبار الموظفين في محافظة أسوان، وذلك بقرية منشية النوبة بأسوان، منير لم يذكر طوال مشواره الكثير عن حياته الشخصية، لكنه يحكي بإمتنان وتبجيل عن أخيه الأكبر فاروق، الذي كان يعمل مرشدا سياحيا ويتقن أكثر من لغة، وكان بمثابة الأب له، وأخوه سمير، وشقيقاته البنات سميحة وخديجة وأميرة.


كان فاروق أبا يزيد هو مرشد منير في طريقه الفني، فكان عاشقا للفن والغناء النوبي، ويعلم بعذوبة صوت أخيه الأصغر، ويتمتع أيضا بعذوبة الصوت، ووجد في منير الحلم الذي طالما تطلع إليه، فكان الأب الروحي لمنير، وتولى توجيهه، ورسم طريقه منذ البداية، فقرر أن يستثمر فيه حلمه الذي لم يتحقق بالتحاقه بمعهد الموسيقى، فكان هو دليله نحو الشعراء والمغنيين الذين شاركوا في انطلاقة منير، والذي كان يبحث عن فرصة ينتقل بها إلى القاهرة، فأنهى الثانوية العامة في أسوان، ولم يقبل أن يدخل كلية إلا في العاصمة، لذلك التحق بكلية الفنون التطبيقية قسم التصوير والسينما.

- الإنطلاق
جاء يوم السفر المنتظر وقبل أن ينطلق القطار، منحه أخوه الأكبر فاروق 3 جنيهات مصروفا شهريا يعينه على حياة الإغتراب في العاصمة، ووصل منير لمحطة مصر بالقاهرة وقال في نفسه: “أنا هابقى حاجة زي ما وعدت أبويا”، ودرس السينما التي يحبها وتعلّم التصوير، لكن قلبه كان معلقا بالغناء، وفاروق يعلم ويدبر لأخيه فرصة تناسب صوته الفريد الحنون، فكان على صلة بجميع مطربي النوبة، وعلى رأسهم أحمد منيب، وكذلك صديقا لشعراء الجنوب، ومن بينهم عبد الرحيم منصور، وما إن استمع منصور ومنيب إلى منير، حتى شعرا أنهما وجدا ضالتهما في هذا الشاب الصغير، وأدركا أنهما في طريقهما إلى صنع أسطورة غنائية حقيقية.
وقبيل تخرج منير في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، استمع إليه الشاعر الثوري زكي مراد، وأعجب به، وبدأ منير في تكوين صداقات بالوسط الموسيقي.
كان الثلاثي “منير ومنصور ومنيب” يجتمعون معا في لقاءات يرعاها فاروق بهدف الخروج بكلمات مأخوذة عن الأغاني النوبية، لكن يكتبها منصور بعد إعادة صياغتها بلهجة مصرية مفهومة، ويلحنها منيب، ويغنيها منير، لكن لا يمكن أن يحدث الانتشار سوى باكتمال المشروع وتبني شركة إنتاج لمنير.

- الصدفة
طلب فاروق من صديقه منصور أن يقدم منير إلى بليغ حمدي، في ذلك الوقت كان شقيقه منير ما زال طالبا في كلية الفنون التطبيقية، وعندما حضر بليغ ليستمع لفاروق وهو يغني، كان منير يقف في الخلف يردد ما يقوله شقيقه، وبعد الانتهاء من الأغنية صرح بليغ بأن الولد الصغير منير هو الأفضل، وكانت تلك الصدفة بداية ولادة نجم متفرد في عالم الغناء، حيث قام بليغ بتلحين أول أغنية له وهي “أشكي لمين” عام 1977، والتي كانت ضمن ألبوم لمنير “علموني عينكي”، الذي أنتجه الراحل هاني ثابت صاحب شركة “سونار”، والذي جاء بعد محاولات للبحث عن ملحنين قادرين على استغلال خامة الصوت التي تحمل ملامح نوبية، فلم يكن هناك وقتها أفضل من بليغ، الذي وضع لمنير ألحانا تقليدية لم تستوعب موهبته.

 

لكن كانت بداية الرحلة الحقيقية لـ”الكينج” مع الموسيقار هاني شنودة، الذي فور أن سمع صوته علم أنه “نجم”، وتعاونت فرقته “المصريين” مع أحمد منيب في صنع موسيقى تليق بصوت منير وكلمات عبد الرحيم منصور وسيد حجاب، فخرج ألبومه “علموني عينكي”، الذي تقاضى عنه منير 300 جنيه، أنفقهم منير على أصدقائه، فكان دائم التواجد في سهرات الفنانين في منازلهم، وجمعته صداقة قوية بعلي الحجار الذي صاحبه أيام التجنيد بالجيش.


وكان واضحا أن الألبوم الأول مميز ومختلف، لكنه لم يصنع النجاح الكافي، واستمر تعاون منير وشنودة، الذي انضم إلى فرقته حديثا الموسيقي يحيى خليل، الذي عاد إلى مصر بعد سنوات قضاها في الولايات المتحدة يدرس الموسيقى ويعزف في أشهر نوادي الجاز، وتم إنتاج الألبوم الثاني “بنتولد” عام 1978، بأغاني كتبها مجدي نجيب وسيد حجاب وعبد الرحيم منصور.

 

نجح الألبوم الثاني في إثبات أن منير موهبة متكاملة، وأن ما يقدمه لا يشبه أي منتج فني آخر مما يقدمه زملائه، وهو ما جعله يثق أن نجاحه سيأتي من التركيز على اختلافه، وأن يحقق ما يروي عطشه للمزيد: ”كنت بحلم برؤية موسيقية مختلفة في الأغنية العربية، ويحيى واحد من الموسيقين اللي يمتلكوا وجدان مصري إلى جانب سفره لأمريكا”، فتعاون معه، وانضم لفرقته التي أسسها عام 1979، وكانت تضم علامات موسيقية، منهم “فتحي سلامة، عزيز الناصر، مايكل كوكس”.

نقلا من عدد أخبار النجوم بتاريخ  ٩/٢/٢٠٢٣

اقرأ أيضأ

 مفيدة شيحة: عمرو دياب وتامر حسني «سمن على عسل» والفن بخير