وجوه أخرى لـ«تكلفة الإرهاب السياسية».. نشر ثقافة متطرفة وتهديد مدنية الدولة

 تلاعب الإخوان بالقوى السياسية منحهم نفوذاً وإضعافاً للبنية الحزبية
تلاعب الإخوان بالقوى السياسية منحهم نفوذاً وإضعافاً للبنية الحزبية

ظهر التطرف والإرهاب فى مصر منذ فترة مبكرة خلال عملية تشكل الجماعة الوطنية والمجتمع السياسى المصرى. فإذا كانت ثورة ١٩١٩ هى إعلان ميلاد الجماعة الوطنية المصرية الساعية لبناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة.

فقبل انقضاء عقد واحد على ذلك الحدث الكبير حدث أول انشقاق أيديولوجى رافض لقيم الوطنية والحداثة، وبعدها أخذت جماعات التطرف تنخر فى أسس الدولة الوطنية ووصلت إلى حد الخروج العنيف وإشهار السلاح محاولة إسقاط الدولة.

ولمصر تجربة سياسية ثرية، إذ كان التطور السياسى فيها يتقدم بخطى حثيثة تعد بتطور سريع فى اتجاه دولة وطنية ديمقراطية حديثة يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق المواطنة دون تمييز على أساس الدين أو العرق.

وكانت المرأة تحقق مكاسب سريعة فخرجت إلى مجالات التعليم والعمل والحياة العامة. كان كل هذا يحدث منطلقاً من فلسفة إصلاحية أصيلة مرتبطة بالجذور الثقافية ومنفتحة على أفق الحداثة غير المحدود.

ولقد عطل التطرف والإرهاب هذه المسيرة. والنظر إلى التحديات التى تواجه التطور السياسى فى مصر فى مطلع القرن الحادى والعشرين يبين حجم التكلفة السياسية التى دفعها المجتمع لأسباب أهمها التطرف والإرهاب.

وتمثلت التكلفة السياسية التى فرض التطرف على المجتمع المصرى فى أربعة مجالات هى: تقويض الطبيعة المدنية للمجال العام، وتقسيم المجتمع السياسى عبر إنشاء مجتمع وسلطة موازية، ونشر ثقافة مناقضة لقيم الدولة الحديثة، وإضعاف الحياة السياسية والحزبية.. وذلك على النحو التالى:

أولاً: تقويض الطبيعة المدنية للمجال العام

إن جوهر الإرهاب «لا يقوم على التخلص الجسدى من الآخر المختلف، بل على اجتثاث الاختلاف الموجود بين الناس ومن خلال هذا قامت جماعات التطرف بتقويض الطبيعة المدنية للمجال العام عبر اختراق المجتمع السياسى.

حيث قطعت شوطاً طويلاً فى اتجاه إعادة تأسيسه على أساس من قيم وأفكار مستمدة من المقدس الدينى، الأمر الذى أدى إلى إقصاء كل من لا يشارك هذه الرؤية، فتحول المجال العام: السياسى والمدنى.

إلى ساحة لعمل القوة الإرهابية والإقصائية، فيما تم تهميش من يخالفهم الرأى، فلم يعد المجال العام مساحة لحركة المواطنين متنوعى الرؤى والتوجهات وإنما أصبح مجالاً للتابعين المتماثلين.

ثانيا: تقسيم المجتمع السياسى وبناء مجتمع مواز

إن الهدف الأهم لجماعة الإخوان المسلمين التى تأسست فى العام ١٩٢٨ هو بناء مجتمع مواز وبالرغم من أنها نشأت كجماعة دينية ذات أهداف تربوية واجتماعية فإن هدفها وخياراتها وحركتها لم تكن بعيدة عن السياسة قط.

ثالثاً: نشر قيم مناقضة للدولة الوطنية

سعت جماعة الإخوان إلى نشر قيم مناقضة لقيم الدولة الوطنية الحديثة، وهى تتشكل من أربع قيم مانعة كما يلى:

١- «الاعتزال عن المجتمع».

٢- احتكار الحقيقة بديلاً عن الحوار، والشراكة.

٣- الإكراه، حيث يمثل اللجوء للقسر والإكراه المعنوى والمادى أحد مبادئ الفكر والحركة لدى التيارات المتطرفة.

٤- إقامة سلطة الغلبة بديلاً عن دولة المواطنة.

رابعا: إضعاف الحياة السياسية والحزبية

أدركت النخب المصرية منذ منتصف السبعينيات أهمية العودة لنظام التعددية الحزبية كأساس لقيام الدولة الحديثة، لكن كان هناك دائما التخوف من قيام الإخوان بالاستفادة من بيئة التعددية الحزبية للتلاعب بالأحزاب.

واختراقها للاقتراب من هدفها النهائى المتمثل فى الاستيلاء على السلطة، وفرض نموذجها للمجتمع والدولة على البلاد. لذا كانت البلاد تتقدم خطوة فى اتجاه التعددية الحزبية.

وتتراجع أخرى، الأمر الذى أدى إلى احتجاز تطور النظام الحزبى، وإصابته بأعراض شوهته وفرغته من بعض مضامينه الرئيسية.

ولم تكن هذه التشوهات والسلبيات فقط نتيجة للمهارة الإخوانية فى التلاعب بالقوى السياسية والأحزاب، وإنما أيضاً بسبب أخطاء وقعت فيها أطراف   سياسية عدة، ففى سبيل تحقيق مكاسب سياسية تكتيكية قصيرة المدى أفسحت قوى سياسية المجال للإخوان، متصورة أنهم مجرد أداة سيتم استخدامها.

ومن ثم التخلص منها بعد استنفاد أغراضها غير أن النظر إلى الأمور من وجهة نظر المدى الاستراتيجى البعيد يبين أن العكس هو الذى حدث وأن الإخوان نجحوا فى التلاعب بهذه القوى، بطريقة منحت الإخوان نفوذاً أكبر.

فيما تم إضعاف البنية السياسية والأحزاب المدنية وهو الوضع الذى انتهى بنا إلى ثورة ٢٥ يناير، وما تبعها من سيطرة إخوانية على الحياة الحزبية ومؤسسات التمثيل السياسى والحكم إلى أن سقط حكم الإخوان فى ثورة ٢٠١٣.

اقرأ ايضاً |  باحث: طرد الإخوان من تشكيل «مسلمي ألمانيا» يؤكد تحول أوروبا ضد الجماعة الإرهابية

نقلا عن صحيفة أخبار اليوم : 

202302011

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي