خواطر الإمام الشعراوي| الأجر في الدنيا

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

تنشر جريدة "الأخبار" خواطر الإمام الشعرواي، اليوم، حول سورة البقرة فى قوله تعالى فى الآية 217 « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

إن القرآن استخدم هنا كلمة (حبط)، وهى تستخدم تعبيرا عن الأمر المحسوس فيقال: (حبطت الماشية) أى أصابها مرض اسمه الحباط، لأنها تأكل لونا من الطعام تنتفخ به، وعندما تنتفخ فقد تموت.

والنبى عليه الصلاة والسلام يقول: «إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا أو يلم». إنه صلى الله عليه وسلم يحذرنا من أن الخير قد يندس فيه شر، مثلما يحدث فى الربيع الذى ينبت فيه من النبات الذى يعجب الماشية فتأكله فيأتيها مرض (الحُباط)، فتنتفخ ثم تموت، أو (يلم) أى توشك أن تموت.

وكذلك الأعمال التى فعلها الكفار تصبح ظاهرة مثل انتفاخ البطن، وكل هذه العمليات الباطلة ستحبط كما تحبط الماشية التى أكلت هذا اللون من الخضر، ثم انتفخت فيظن المشاهد لها أنها سمنة؛ وبعد ذلك يفاجأ بأنه مرض. لقد أعطانا الله من هذا القول المعنى المحسوس لتشابه الصورتين؛ فالماشية عندما تحبط تبدو وكأنها نمت وسمنت، لكنه نمو غير طبيعى إنه ليس شحمًا أو لحما، لكنه ورم، كذلك عمل الذين كفروا؛ عمل حابط، وإن بدا أنهم قد قاموا بأعمال ضخمة فى ظاهرها أنها طيبة وحسنة.

ويقول بعض الناس: وهل يُعقل أن الكفار الذين صنعوا إنجازات قد استفادت منها البشرية، هل من المعقول أن تصير أعمالهم إلى هذا المصير؟. لقد اكتشفوا علاجا لأمراض مستعصية وخففوا آلام الناس، وصنعوا الآلات المريحة والنافعة.

ونقول لأصحاب مثل هذا الرأي: مهلاً، فهناك قضية يجب أن نتفق عليها وهى أن الذى يعمل عملاً؛ فهو يطلب الأجر ممن عمل له، فهل كان هؤلاء يعملون وفى بالهم الله أم فى بالهم الإنسانية والمجد والشهرة، وما داموا قد نالوا هذا الأجر فى الدنيا فليس لهم أن ينتظروا أجرًا فى الآخرة. لذلك يقول الحق: «والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَاءً حتى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب» «النور: 39».

وإن الكافر يظن أن أعماله صالحة نافعة لكنها فى الآخرة كالسراب الذى يراه الإنسان فى الصحراء فيظنه ماء، ويجد نفسه فى الآخرة أمام لحظة الحساب فيوفيه الله حسابه بالعقاب، وليس لهم من جزاء إلا النار.

وينطبق عليهم ما ينطبق على كل الكافرين بالله، وهو «وأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ». هذا وإن الحق سبحانه وتعالى يوضح حقيقة الأمر للمؤمنين به وبرسوله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيهم مناعة إيمانية ضد آمال الكافرين فى الإضرار بالمؤمنين، فيعلمنا أنهم لن يدخروا وسعا حتى يردوكم عن دينكم؛ لأن منهج الله دائمًا لا يخيف إلا المبطلين؛ فالإنسان السوى الذى يريد أن يعايش العالم فى سلام ويأخذ من الخير على قدر حركته فى الوجود.

ولا ترهقه سيادة مبادئ الإسلام، إنما تُرهق مبادئ الإسلام هؤلاء الذين يريدون أن يسرقوا عرق وكدّ غيرهم وهم يبذلون كل الجهد ويستخدمون كافة الأساليب التى تصرف المسلمين عن دينهم، ولكن هل يُمكّنهم الله من ذلك؟ لا؛ فلا يزال هناك أمل فى الخير إن تمسكت أمة الإسلام بالمنهج الحق.

اقرأ ايضاً | خواطر الإمام الشعراوي | الأشد من حرمة القتال

نقلا عن صحيفة الاخبار : 

202302010