«مهرجان الأقصر» يدعو للحفاظ على التراث السينمائي الأفريقي

مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية
مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية

سلط مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الـ12، الضوء على أهمية الحفاظ على التراث السينمائي الأفريقي، فاتحا ذلك الملف المهم من خلال ندوة أقيمت اليوم الأربعاء، بعنوان "مناقشة آليات الحفاظ على التراث السينمائي وفنون الترميم الأفريقي"، والتي ناقش خلالها عدد من السينمائيين والمسؤولين موضوع الندوة.

وتحدثت في الندوة المخرجة عزة الحسيني مدير المهرجان، وبيسون فول جونسون رئيس مركز السينما في كوت دي فوار، وكارو توريه مدير اتحاد المبدعين والحفاظ على التراث في كوت ديفوار، ودياجا تومبان رئيس مكتب التراث السنغالي، ومدير صندوق إنتاج الأفلام بالسنغال عزيز سيسيه، وأدارها الناقد محمد سيد عبد الرحيم، بحضور سيد فؤاد رئيس المهرجان، وعدد من النقاد والمهتمين بصناعة السينما.

وقال محمد سيد عبد الرحيم في بداية الندوة، إن مهرجانات السينما العالمية تهتم بالماضي والحاضر والمستقبل فيما يخص صناعة السينما، مؤكدًا أن موضوع الندوة من أهم الموضوعات التي تطرح نفسها في هذا المجال، وفرصة لمعرفة أن التراث ليس ماديا فقط بل تراث فني وسينمائي. 

وشددت عزة الحسيني، على أن هذه قضية مهمة للغاية وفكرت فيها إدارة المهرجان منذ وضع شعار الدورة الحالية "السينما خلود الزمان"، فالشريط السينمائي يحمل دائما تخليد للحظة زمانية مكانية، والندوة من الندوات الرئيسية في المهرجان لطرح تساؤل حول كيف نحافظ على هذا التراث؟ فليس هناك سينماتيك أو أرشيف للفيلم الأفريقي وكنا عندما نريد عرض أفلام أفريقية بالمهرجان نذهب للسينماتيك الفرنسي نطلب منها أفلام لبرامجنا، وبالنسة لنا في مصر ليس لدينا أرشيف حقيقي للحفاظ على هذا التراث، والناقد عصام زكريا طرح بقوة هذا الموضوع في الأسابيع الماضية، وتتميز مصر بصناعة سينما عريقة تمتد لـ120 سنة، ولدينا آلاف الأفلام المنتجة، وبدأ إنتاج السينما في أفريقيا منذ نتصف الستينيات وإنتاجها غزير للغاية، 

وأضافت عزة الحسيني: نريد كإدارة مهرجان تبني مبادرة لتشجيع السينمائيين والدول على التعاون في ترميم الأفلام، ولدينا في مصر نموذج يتمثل في شركة أفلام مصر العالمية هي الوحيدة التي رممت معظم أفلامها. 

وأكد محمد سيد عبد الرحيم، أنه كلما أنجزنا المشروع في وقت أقرب كلما كان أقل تكلفة وأصبح أسهل في العثور على الأفلام التي تحتاج إلى ترميم، والسينما المصرية أنتجت نحو 5 آلاف فيلم روائي مصري، وللأسف هناك مئات الأفلام مفقودة تماما، ونحتاج إلى وضع الأفلام المرممة في متحف لنتمكن من مشاهدتها، مضيفا أنه كانت هناك بعض التجارب المختلفة لترميم الأفلام مثل جهود أفلام مصر العالمية بالتعاون مع السينماتيك الفرنسي، وأيضا من خلال الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر بالتعاون مع الهند، وهناك أخيرا في مصر تم انشاء وحدة لترميم الأفلام وهذه خطوة عظيمة. 

َولفت الناقد محمد سيد عبد الرحيم إلى أن موضوع "اللخبطة" في عدد الأفلام المصرية المنتجة يرجع في الأساس إلى مشكلة عدم وجود أرشيف للسينما، إذ أن هناك نقاد يرون أننا انتجنا 3 آلاف فيلم، والبعض يؤكد أنهم 5 آلاف، فيما ذهب آخرون إلى أن العدد يزيد إلى 6 آلاف، أي أن هناك نحو 2500 فيلم لا نستطيع تحديد ما إذا كانوا موجودين بالفعل أم لا، وهذا جزء من مشكلة الارشيف والعثور على الأفلام وترميها. 

وحول تجربة السنغال في الحفاظ على التراث قال دياجا تومبان رئيس مركز الحفاظ على التراث السينمائي بالسنغال: بدأنا التجربة في الحفاظ على التراث عام ٢٠١٩ وحافظوا على ٣٨٧ شريط سينمائي في حالة جيدة، وأنشئوا مبنى مخصوص للحفاظ على التراث بمساعدة ٢ خبراء من إيطاليا، ودخلوا في شراكة مع سينما تاك تولوز في فرنسا لترميم 4 أفلام قصيرة.

فيما قالت رئيس مركز السينما في كوت ديفوار بيسون فول جونسون دي مونديه إن منظمة اليونسكو طرحت عام ١٩٩٠ مبادرة للحفاظ على الذاكرة في العالم، وفي هذا الإطار أرسلت خبراء لتعليم الشباب الإيفواري ترميم الأفلام، وفي عام ١٩٩٥ وقت احتفالهم بمرور 50 عاما على السينما الإيفوارية، رمم السينماتيك الأفريقي التابع للسينماتيك الفرنسي ٧٠ فيلما من كوت ديفوار، لكن الموضوع صعب للغاية ومكلف إذ تتكلف دقيقة ترميم الدقيقة الواحدة نحو 1500 يورو.

وأضافت أن المكتبة العامة الفرنسية مع المركز السينمائي الفرنسي، تولت "رقمنة الأفلام" وعملوا ترميم ل ٤ شرائط سينمائية، وأيضا بدأت َمحادثات مع قرطاج لعمل ترميم للأفلام، ملقية الضوء على أن هناك مشكلة تواجههم تتعلق بمن لديه حقوق الاستغلال، وأيضا مشكلة العثور على هذه الشرائط كما أنها تعرضت لسوء في التخزين اتلفتها، موضحة أنه صدر قانون وزاري عام 2022 لإنشاء كيان للحفاظ على وترميم الأفلام.

ومن جانبه قال كارو توريه مدير اتحاد المبدعين والحفاظ على التراث في كوت ديفوار إن جهودهم في هذا المجال انطلقت من مبادرة اليونسكو للحفاظ على ذاكرة العالم، ومن وقتها لديم خبراء متخصصين وخبراء في الترميم، ويركزوا على التوعية بالحفاظ على التراث علي مستوى جميع الوزارات، أي أي وزارة لديها انتاجات سمعية بصرية يتواصلوا معها للحفاظ على هذا الأرشيف، وليس فقط في مجال السينما.

ولفت شريف مندور إلى أننا في مصر نمتلك تاريخا سينمائيا عريقا الأول، إذ عرض أول فيلم في مصر عام 1897 قائلا: اتشرف بأنني أحد السينمائيين الذين عملوا على أرشفة الأفلام المصرية الترميم الأفلام، موضحا أنه ساهم في ترميم مئات الأفلام رقميا.

وأوضح شريف مندور أن هناك نوعين من الترميم، الأول رقميا عن طريق اخد الصور وعملها مسح إلكتروني ليأخذها كأنها صور كومبيوتر ليتم معالجتها رقميا لأمر الذي يتناسب مع العصر الذي نعيشه،  أما النوع الثاني فهو "الترميم البصري" أي نحضر الفيلم نفسه ونستعين بمرممين ليفعلوا ما يشبه ما ينجزه مرممي الآثار، أي يتم التعامل مع كل كادر بمفرده، لكنه يستغرق آلاف الساعات كما أنه مكلف للغاية.

وأشار شريف مندور إلى أن أخر فيلم رممه هو "بورسعيد" وكان متهالكا بالكامل. واستغرق الأمر ٨ أشهر، مركزا على أن مصر تمتلك فرصة ذهبية لترميم الأفلام الأفريقية لأنها تكلف الدول الأفريقية نحو 1500 يورو في الدقيقة في يبلغ تكلفتها في َمصر ١٠٠ يورو للدقيقة فقط، موضحا أنها فرصة لإرساء تعاون بين مصر والدول الأفريقية في هذا المجال.

وتوجه مدير صندوق إنتاج الأفلام بالسنغال عزيز سيسيه بالشكر إلى إدارة المهرجان على إقامة هذه الندوة المهمة لأن الحفاظ على التراث يعد عملية بحث دائمة عن الأفلام، مشيرا إلى أنهم عرضوا لأول مرة عام 2010 في السنغال فيلم صدر عام ١٩٦٦، بفضل جهود مواطن سنغالي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية عرف أنهم يبحثون عن الفيلم وذهب إلى روسيا للحصول عليه.

وأشار سيسيه إلى أن السنغال تعتبر مركز مهم للسينما، حيث تم عرض أول فيلم هناك عام ١٩٠٠، وفي عام ١٩٠٢ تم انتاج أول فيلم سينغالي خالص، وخلال الفترة من سنة ١٩٨٠ وحتى 1993 لم تكن لديهم اي ميزانية لترميم الأفلام، وبدأ الوعي منذ عام ٢٠١٣ إذ بذلوا جهدوا للعثور على الأفلام وشرائها بمساعدة من الهند، وأنشئوا المركز الوطني للأرشيف، وهو صندوق دعم لإنتاج السينما ولديهم استراتيجية في هذا الإطار، متفقا مع طرح شريف مندور بأهمية عمل ترميم رقمي للإنتاجات السينمائية. 

وأضافت عزة الحسيني: كلما اسمع تجارب الدول الأفريقية الشقيقة في الحفاظ على التراث السينمائي أشعر بأهمية طرح مبادرة أو صرخة للحفاظ على التراث لأنها ذاكرة الشعوب ومهمة لمستقبل أبنائنا. وعند النظر لوضع السينما الأفريقية نرى كيف استولى الاستعمار خصوصا في النصف الأول من القرن الماضي ليس فقط على الثروات بل أيضا التراث الفيلمي، فالنسخ النيجاتيف للأفلام لا نمتلكها، بل موجودة في فرنسا وإنجلترا وبلجيكا.

وشددت عزة الحسيني على أن هذا التراث السينمائي مثل الأثار تمام يخصنا كشعوب أفريقية،  لذا يجب ألا تعمل كل بلد تعمل بمعزل عن الأخرى، بل يجب أن تتضافر الجهود في إطار تعاون مشترك، لذا أدعو الاتحاد الأفريقي  وأفريق سينماك أنهم مع وزارة الثقافة السينمائية لإطلاق مبادرة لإنقاذ هذا التراث، وأيضا أدعو إلى ذلك اليونسكو باعتبارها منظمة عالمية متخصص، ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص للمشاركة والحفاظ على هويتنا.
 
فيما قال سيد فؤاد رئيس المهرجان إنه سعيد بالحضور وبصفة خاصة طلبة المدارس بالأقصر لكي يعرف الجيل الجديد ما هو الأرشيف والسينماتيك وأهمية الحفظ على التراث، فموضوع الندوة شديد الأهمية، فالأرشيف هو الحفاظ على تاريخنا السينمائي كله، أي يكون لدينا نسخ من جميع الأفلام التي تم انتاجها منذ بداية الصناعة، أما السينماتيك  فهو أن يكون لدينا هذه الأفلام وأيضا المعدات السينمائية القديمة، والأفيشات للأفلام، وكل ما يخص تاريخ الصناعة.

وفي نهاية الندوة وجه سيد فؤاد الدعوة إلى وضع تصور مكتوب في هذا الإطار يشارك فيه من يرغب من وفود الدول الأفريقية، ليتم إعلانه في المؤتمر الصحفي بختام المهرجان وتوزيع الجوائز.

اقرا ايضل | ريم أحمد: أظهر بشكل مختلف في «حرب الجبالي» وأتمنى عرضه في رمضان | خاص