متحف الفن السابع.. حلم حفظ التاريخ السينمائى

التراث السينمائى المصرى
التراث السينمائى المصرى

ريزان العرباوى

كانت ومازالت قضية حفظ التراث السينمائى المصرى محل جدل واهتمام من صناع الفن, فالسينما هى أحد الروافد الهامة المعبرة عن الهوية وسجلًا حافلًا بأنماط فنية مختلفة أكثر تعبيرًا وتلاحمًا مع الواقع, قادرة على تشكيل ثقافة بصرية وسمعية تخترق الوجدان.. وفى رحلة البحث عن الأرشيف الضائع كانت هناك مطالب بضرورة وحتمية إنشاء أرشيف سينمائى, ومتحف قومى للسينما المصرية يحكى تاريخ الفن السابع فى محاولة لقراءة ذلك التاريخ من خلال ما تحكيه الآلات والكاميرات والأفيشات وشرائط الأفلام فى سياق تاريخ السينما المصرية, ومع تلك المطالب ظهرت بعض الجهود الفردية فى محاولة لإنقاذ التراث السينمائى المهدد بالتلف والضياع ومبادرات لتعزيز السينما المصرية من خلال متاحف تفاعلية باستخدام تقنية الواقع الافتراضى, فهل يغنى التجول الافتراضى داخل تلك المتاحف عبر الإنترت عن وجود آخر واقعى؟, وما دور الجهات المسؤولة فى عملية حفظ التراث ومتى سيرى المتحف القومى للسينما المصرية النور؟.

كان من أهم التحديات التى واجهت وزارة الثقافة فى عهدها الجديد، هو أرشفة كافة العناصر الثقافية، والاهتمام بأرشفة الفن المصري في مختلف المجالات الإبداعية، والحفاظ عليه من الاندثار، حيث نحتاج إلى أرشيف وطني يهتم بأرشفة السينما المصرية والمسرح المصري، وكذلك العناصر الثقافية المادية واللامادية.


ومن الخطوات الإيجابية التى تم تنفيذها مؤخرًا على أرض الواقع, افتتاح الدكتورة نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة متحف “رموز ورواد الفن المصرى” بعد تطويره بمقر المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية, المتحف يضم الكثير من المقتنيات الشخصية لعدد كبير من نجوم الفن والمخطوطات والصور والإسطوانات النادرة وآلاف الصور التي يتجاوز عمر بعضها ال 120عاما.

 

تنشيط للهوية


ومن الجهود الفردية لحفظ التراث السينمائي بإنشاء متاحف افتراضية, تجربة المصور السينمائي كمال عبد العزيز, فهو محب للسينما المصرية أنفق الكثير فى سبيل شراء أصول فوتوغرافيا  لعدد كبير جدًا من أفلام السينما المصرية وكاميرات بعضها يعود لثلاثينيات القرن الماضى, حيث أمضى أكثر من 30 عامًا جامعًا وباحثًا وحافظًا لأصول النيجاتيف الفوتوغرافى للسينما المصرية، وعن مشواره الطويل لتحقيق حلمه, يقول: “أسعى لخلق قاعدة تاريخية يستفيد منها كل من يهتم بالسينما المصرية وأيضا حفظ جزء هام من هويتنا وحمايتها من الإندثار والنسيان, وفى العموم ال”collectors” أو “الجامعين” فى جميع أنحاء العالم لهم دور كبير فى حفظ التراث.


 ويضيف: بالنسبة لمشروع تدشين المتحف افتراضيًا، لم يكن الأمر سهلًا حيث استغرق منى أكثر من 30 عام فى جمع وشراء أصول النجاتيف من الورثة للأفلام المصرية, وطبعًا هذا النيجاتيف كان فى حالة شبه تالفة, مما تتطلب مجهود مضاعف لترميمه وإعادته لأصله ثم تحويله لصيغة الديجيتال, وقد انهيت تقريبًا 80% منه ولكن هذا المشروع مكلف جدًا، فلا أطالب الدولة بتحمل النفقات فلديها العديد من الأولويات, وأرحب بأي دعم من المجتمع المدني أو المؤسسات الاقتصادية كالبنوك أو رجال الأعمال المهتمين بالصناعة.

 

 ويتابع: طرقت أبواب وجهات عدة ولكن هناك من عرض الدعم مقابل أن ينسب العمل لنفسه أو يكتفى بكتابة إهداء من فلان دون أن يضع فى الاعتبار سنوات وعمر ومجهود صانعه, ولا أقصد جهة بعينها ولكن لمست ذلك من البعض, فلم أجد رد أو عرض يرضينى ويحفظ حقى الأدبى دون محاولات الاقتباس المكروه للمصلحة الفردية.

 

أما بالنسبة لفكرة إنشاء المتحف افتراضيا، فيقول: هو لن يغنى أو يعوض عن فكرة المتحف الواقعى ولكنه حل مناسب لبعض العقبات كتوفير المكان المناسب والاستغناء عن بند المصروفات التى يتطلبها إنشاء هذا المشروع على أرض الواقع, كما أنها فكرة تضمن أعلى نسبة انتشار على مستوى الوطن العربى كله وليس دولة واحدة, فليس لها حدود جغرافية, فهى تجربة لمواكبة لغة العصر وسبيل لتعدد طرق أرشفة تاريخ السينما المصرية, فلابد من وجود أكثر من مكان يهتم بعرض التراث المصرى حتى يكون هناك تنشيط للهوية والانتماء وهوهدفى الأساسى وعلى سبيل المثال عندما يأتى طالب فى معهد سينما للإطلاع على هذا الإرث فهو يشاهد تكوينات واكسسوارات ولبس وإضاءة وديكور, أليس ذلك انتماء؟, وعندما يرى الشوارع فى الماضى والسلوك البشرى فى جميع التعاملات وكل فترة ومعطياتها واهتمام المجتمع والمشاكل والمواضيع التى كان يطرحها ونمط الحياة فى ذلك الوقت, لذلك كانت فكرة إنشاء متاحف للسينما ملحة لكل صناع الفن”.

 

حق وطنى


تقدم المخرج مجدى أحمد على بمشروع للحفاظ على أرشيف السينما المصرية, ويرى أن حفظ أصل الأفلام حق وطني للوطن ويجب الحفاظ عليه, ويقول: “حفظ التراث السينمائى سواء بإنشاء أرشيف أو متحف قومى ضرورة حتمية وهو موضوع مهم جدًا ومن ضمن اهتمامات المجلس الأعلى للثقافة ونعمل عليه منذ فترة كبيرة وأعتقد أن الوزارة ستبدأ فى الاهتمام بهذا الموضوع.

 

ويضيف: أما عن أسباب التباطؤ فى تنفيذ القرارات فهى أسباب لا تخرج عن كونها بيروقراطية, فهناك أمل كبير وتفاؤل بالمرحلة القادمة التى ستشهد العديد من الإنجازات الخاصة بهذا المشروع القومى فهو يحتاج إلى وقت لأنه يتطلب مزيد من البحث والتحرى لاستعادة التراث السينمائى وأرشفته بغرض التوثيق، فهي خطوة لتعريف الأجيال الجديدة على جزء من حياة وتاريخ من أثروا حياتنا بالكثير من الأعمال الفنية المتميزة الخالدة في وجداننا, لابد من توافر أيضا الإدراك بقيمة التراث والفهم والرغبة وبدون تلك العناصر لن نخطو خطوات إجابية فى سبيل هذا المشروع, أضف إلى ذلك ضرورة تعاون نجوم الفن وذويهم ورغبتهم في التبرع بالمقتنيات والمخطوطات والصور والأسطوانات النادرة.

ويتابع: ولأنه مشروع قومى لذلك أرى أن المحاولات الفردية من الصعب أن تكون شاملة أو دقيقة أوعلمية ونريد أن تجتمع كل تلك الجهود فى مشروع تتبناه الدولة, فهى دائمًا داعمة لكل الجهود وحتى المؤسسات الوطنية والعالمية, لأن السينما المصرية تعتبر إحدى السينمات التاريخية المؤثرة فى العالم, فقد بدأنا صناعة السينما بعد سنوات قليلة من بدايتها فى فرنسا فنحن نمتلك سينما عريقة تستحق كل الجهد من أجل إنشاء متحف يليق بالتراث السينمائى المصرى, فهو لايحكى التاريخ الفنى فقط لأن المتحف والأرشيف يحفظ التراث كما نحفظ الآثار.

ثقافة حماية الذاكرة

وعلق الناقد الفنى طارق الشناوى، قائلا: “ كل التحية لكل من بادر بفكرة إنشاء متاحف افتراضية لكنه لا يغنى عن أهمية المتحف القومى فهى جهود فردية وعلى الدولة التدخل بسرعة لتنفيذ القرارات، فمهمتها حفظ الذاكرة وإن كنا نسمع أخبار تتناقل عبر أجيال عن مشروع إقامة متحف قومى للسينما لكن على أرض الواقع لم يتم حتى الآن, وأتمنى من رجال الأعمال والقطاع الخاص المهتمين بالثقافة أن يعتبروا حماية التراث واحدة من أهدافهم لتوفير الموارد المالية اللازمة.

ويتابع: أتمنى تعويض ما فاتنا من خلال قرارات يتم تنفيذها فعليًا, وعلى سبيل المثال الراحل وحيد حامد لديه سيناريوهات بخط يده وملاحظات، فلماذا لا يكون هناك اتفاق مع نجله مروان لأخذ تلك المقتنيات ووضعها فى متحف, ففى الماضى تم التضحية بفيلا أم كلثوم عندما تم تحويلها لفندق سنة 75 وهكذا نفقد قيمة الأشياء, وأتذكر عندما بدأت الفضائيات فى الظهور، وعقدت صفقات مع الورثة لشراء الأفلام وقتها كتبت فى إحدى الصحف وطلبت من وزيرى الثقافة والإعلام أن تدخل الدولة فى أوكازيون لشراء تلك الأفلام من الورثة لأنها تراثنا ومن حقنا الحفاظ عليه ولكن دون جدوى, ونشكو الآن أن الشرائط أصبحت ملكًا لفضائيات عربية, فلماذا تقاعست ولم تبادر بسرعة الدخول فى السوق لإنقاذ تلك الشرائط, ببساطة لأننا نفتقد ثقافة التاريخ وثقافة حماية الذاكرة, ومن يعتقد أن الأرشيف هو حماية للسينما الجيدة فهو اعتقاد خاطئ لأن الأرشيف هو حماية للتاريخ فنحن هنا نسابق الزمن وإن لم نسارع سنفقد تاريخ عريق, فالمواد الخام لها عمر افتراضى وتفقد كفائتها وصلاحيتها مع مرور الزمن.

أقرأ أيضأ : «الثقافة السينمائية» يطلق مشروع توثيق التراث «الورقي» للفنانين